السياج الحدودي بوابة العاطلين إلى الاعتقال ـ أرشيفية
من غرفته البسيطة في مخيم المغازي بقطاع غزة يتطلع عبد الله الحداد لفرصة هزيلة في حياة أفضل.. فرصة لا يفصل بينه وبينها سوى سياج لا يزيد طوله عن 1.5 كيلومتر وارتفاعه عن 3.5 متر.
وفي ليلة باردة من ليالي شباط/ فبراير قرر أن ينطلق هو وصديقه لتحقيق الحلم وأن يقفزا من على السور الخرساني شديد التحصين الذي يفصل غزة عن إسرائيل.
قال عبد الله الحداد (18 عاما) بعد أن عاد إلى منزله ذي الثلاث غرف حيث يعيش مع 11 فردا آخر بالأسرة "ما كنت بافكر. كنت محبط لأنه مفيش شغل في غزة. ما بعمل شي. طول النهار يا إما نايم أو بالعب كورة."
وأضاف "بعد مرور عشر دقايق من لحظة قفزنا للسلك صار في ضرب قنابل ضوئية وإطلاق نار وحاصرتنا قوات الجيش الإسرائيلي واعتقلونا."
وأمضى الثلاثة أشهر التالية في سجن إسرائيلي.
يتزايد عدد الفلسطينيين الذين يجازفون بالقفز من على السور الفاصل بين غزة وإسرائيل، وإن كان يصعب القول إن هذه ظاهرة عامة، لكن لا يكاد يمر أسبوع دون تقرير من قوات الأمن الإسرائيلية عن ضبط محاولة.
ويقول الجيش الإسرائيلي إنه ضبط 130 حالة من هذا النوع في العام الأخير، ولم يقدم أرقاما للمقارنة لكن روايات السكان والمنظمات التي تتابع هذا الاتجاه تشير إلى أن العدد في تزايد مستمر.
ويدفع الفقر وضعف الفرص المتاحة في غزة الشبان إلى الدخول في مجازفات أكبر. وزاد هذا بشكل خاص بعد حرب العام الماضي بين إسرائيل وحماس والتي وجهت ضربة قاصمة جديدة للاقتصاد والبنية التحتية.
وفي آيار/ مايو قال البنك الدولي إن اقتصاد غزة كان ضمن أسوأ الحالات في العالم إذ سجل أعلى معدل بطالة في العالم بنسبة 43 في المائة ترتفع لما يقرب من 70 في المائة بين الفئة العمرية من 20 إلى 24 عاما.
وأضاف التقرير أن تلك الأرقام لا تعبر بشكل كامل عن معاناة 1.8 مليون نسمة محاصرين داخل 160 كيلومترا مربعا يعجزون عن الخروج منها دون تصريح.
ولا يسمح للفلسطينيين في غزة -على النقيض من إخوانهم بالضفة الغربية- بالعمل في إسرائيل التي توقفت عن إصدار تصاريح عمل لأبناء القطاع بعدما سيطرت عليه حركة حماس التي تعتبرها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية.
وإغراء العمل قوي. فالعمل في موقع بناء في إسرائيل دون تصريح عمل يمكن أن يدر 250 شيكل (66 دولارا) وفقا لجمعية (عنوان العامل) الإسرائيلية. أما في غزة فالأجر خمس ذلك.
لكن القفز من على السياج يحمل معه مخاطر جمة.
فالقانون الإسرائيلي يعاقب بالسجن لما يصل إلى خمس سنوات كل من يحاول التسلل عبر الحدود بلا سلاح. أما محاولة التسلل بسلاح فقد تزج بصاحبها في السجن لما يصل إلى 15 عاما وقد تكون العقوبة السجن المؤبد إن كان يحمل سلاحا ناريا أو متفجرات.
غزة .. سجن كبير
قال ضابط في الفرقة الإسرائيلية المعنية بشؤون غزة إن معظم القافزين على السياج مراهقون عزل يتطلعون للعمل أو الفرار من الأسرة، بل إن البعض قد يفضل السجن على العيش في غزة إذ ستتوفر له ثلاث وجبات في اليوم وستسنح له فرصة التعليم.
وقال الضابط "يعبرون أحيانا ومعهم سكين أو قنبلة في جيبهم، لا ينوون فعل شيء بها وإنما يشهرونها لدى عبور السياج حتى يكون الحكم عليهم أشد ويقضون في السجن فترة أطول."
وتشير بيانات مصلحة السجون الإسرائيلية إلى أن 50 من أبناء غزة يقضون حاليا أحكاما بالسجن بتهمة عبور الحدود، وقال مسؤول بوزارة العدل الإسرائيلية إن فترة السجن تبلغ 11 شهرا في المتوسط.
ولحماس أسباب تدفعها لمحاولة منع التسلل ومن ثم شددت من الإجراءات الأمنية على الحدود وفقا لما ذكره إياد البزم المتحدث باسم وزارة الداخلية في غزة، وتخشى حماس أن تضغط إسرائيل على بعض المتسللين بحيث يزودونها بمعلومات عن الحركة.
وأقر البزم بزيادة الأعداد خلال العامين الماضيين وقال إن معظم من تم إيقافهم على جانب غزة من الحددود تتراوح أعمارهم بين 17 و25 عاما، وأضاف "هؤلاء لديهم مستوى تعليمي ضعيف ويظنون أن هناك حياة أفضل خلف السلك."
وتفرض إسرائيل منطقة حرام تمتد 300 متر على جانب غزة وهي منطقة أصيب فيها عشرات الفلسطينيين بالنيران الإسرائيلية هذا العام.
محمد (22 عاما) كان أحد من قرروا القفز من على السياج إذ رأى أن هذه فرصة تستحق المجازفة.
وطلب محمد الاكتفاء بذكر اسمه الأول خشية ردود الفعل الانتقامية من جانب إسرائيل أو حماس.
قال "نلف الشوارع كل يوم بحثا عن عمل ونسأل الناس أنفسهم كل يوم ونتلقى نفس الإجابة: لا عمل."
وبعد أن إنطلق ليلا باتجاه السياج أوقفه أخوه على بعد أمتار قليلة من الحدود وأعاده.
قال "غزة سجن كبير على أية حال... كلنا سجناء. سجن هنا أو سجن هناك.. ما الفرق؟"