سيناريوهات ما بعد الاتفاق النووي تغير المعادلة في الإقليم

قادت "الدبلوماسية الباسمة" لوزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، دولته لتوقيع الاتفاق النووي الإيراني مع دول 5+1، أو كما وصف بـ "اتفاق ليلة القدر"، وهو ما سيترك صدى كبيرا على الأزمات في المنطقة العربية ومناطق الصراع في العراق واليمن وسوريا، وتغيير خارطة التحالفات في المنطقة، بحسب محللين.
 
من خانة الأعداء إلى خانة الأصدقاء

ويرسم المحللون عدة سيناريوهات قد تعقب توقيع الاتفاق النووي "التاريخي"، متوقعين أن تشهد علاقات إيران مع الغرب و الولايات المتحدة انعطافا "إيجابيا" في الأيام القادمة، بحيث تصبح إيران شريكا مهما للولايات المتحدة الأمريكية في الحرب على "الإرهاب".
 
وينص الاتفاق على إخراج إيران من عزلتها الدولية، وسيتيح رفع العقوبات المفروضة على طهران تدريجيا اعتبارا من مطلع 2016، بعد مفاوضات استمرت 21 شهرا شملت عددا من التفاهمات.
 
الكاتب في صحيفة الغد الأردنية محمد أبو رمان يرى في حديث لصحيفة "عربي21" أن "إيران أصبحت اليوم بفرض الأمر الواقع صديقا للولايات المتحدة الأمريكية"، متوقعا أن تغير هذه الصداقة الكثير من المعطيات في المرحلة القادمة.
 
ويعتقد أبو رمان أن "هنالك صفقة موازية للاتفاق النووي الإيراني تتضمن إدماج إيران في المنطقة بشكل شرعي، والاعتراف بدورها وبنفوذها وحضورها من قبل الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، بوصفها شريكا في صياغة المرحلة القادمة وجزءا مهما من موازين القوى، مع الإشارة لوجود اعتراف ضمني واقعي بالنفوذ الإيراني نتيجة موازين القوى في المنطقة والفراغ الاستراتيجي العربي".
 
ولم يمض على توقيع الاتفاق النووي الإيراني يوم واحد حتى بدأ الرئيس الأمريكي باراك أوباما بمغازلة إيران، واصفها إياها بـ "الند الذكي"، قائلا في الوقت ذاته إن "الاتفاق لن يطوي خلافات عميقة ستظل ماثلة بين طهران وواشنطن".
 
وقال الرئيس الأمريكي في رسالة طمأنة لدول في الإقليم إن واشنطن لا تسعى إلى "تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع ايران".
 
بدوره، يتوقع المحلل المختص في الدراسات الأمنية والاستراتيجية عامر السبايلة، أن "الاتفاق يعني إعلان إنهاء حالة العداء الدولي لإيران، وعودتها إلى حظيرة المجتمع الدولي كطرف فعال وشريك أساسي في كثير من القضايا".

فرضيات لما بعد التقارب الإيراني الأمريكي

وحول سؤال "كيف سينعكس الاتفاق النووي الإيراني على ملفات الإقليم؟" يضع الكاتب أبو رمان ثلاث فرضيات لتأثير الاتفاق على الإقليم: الأولى فيما يتعلق بالملف العراقي، إذ يرى أنه "لا يوجد خلاف كبير حول العراق، فهنالك تسليم أمريكي لإيران بنفوذها في العراق وتحديدا في بغداد"، مرجحا أن يكون هنالك "نقاش حول التعامل مع السنة، فإيران إلى الآن لا تفضل الحل الفيدرالي، لكن هذا الخيار قد يكون مقبولا في مرحلة القادمة للتخلص من الصداع السني والخروج من نفق المواجهة مع السنة".
 
وحسب الكاتب "أبو رمان"، فإن "القضية المحورية اليوم هي سوريا، و هنالك فرضيتان لتعامل إيران مع سوريا ما بعد الاتفاق النووي، الفرضية الأولى التقليدية تتمثل بمزيد من الدعم بعد تحرر ديون إيران، البالغة (110) مليار دولار، حيث ستجد إيران حرية أكثر بدعم نظام الأسد وإعادة بناء موازين القوى داخل سوريا بعد اهتزازها في الفترة الأخيرة، ولن تقبل إيران بحل سياسي في ظل ضعف نظام الأسد".
 
أما الفرضية الثانية، التي بدأت تطفو على السطح في الفترة الأخيرة، فمرتبطة بتراجع دعم إيران لنظام الأسد، وهنالك قلق لدى المسؤولين السوريين بأن تكون هنالك صفقة تركية-إيرانية-أمريكية، بمباركة روسية، تتضمن مرحلة انتقالية دون بشار الأسد، و هذا مرتبط بالنسبة للروس والإيرانيين بجواب أمريكي مقنع وواضح عن اليوم التالي لبشار الأسد، بحيث توجد ضمانات حقيقية لمصالحهم في سوريا، من خلال نظام يتخلص من بشار، لكن يبقى جزء كبير من البنية الراهنة موجودا حتى تصبح إيران شريكا كاملا في ما يسمى الحرب على الإرهاب، بحسب "أبو رمان".

إلا أن المحلل السبايلة أكد، لصحيفة "عربي21"، أنه من الصعب أن تشهد المنطقة تغييرا جذريا في شكل العلاقات، أو أن تدفع دول بعينها ثمنا لهذا الاتفاق، كون الاتفاق في جوهره إعلان بدء لمرحلة جديدة تستدعي من الجميع التعامل معها بحكمة وبعد نظر.
 
القضية الفلسطينية

و على صعيد القضية الفلسطينية، قال عضو لجنة السياسة الخارجية في البرلمان الأردني النائب حازم قشوع، لصحيفة "عربي21"، إن الاتفاق النووي الإيراني سيكون له أثر إيجابي من خلال دخول لاعبين أساسيين بشكل شرعي كإيران، بالإضافة لتركيا، ما سيحدث "استمالات" في المنطقة؛ حيث تعود إيران من جديد دولة محوريه استراتيجية، تشارك إسرائيل في صياغة القرار الأمني في المنطقة، حتى لا تبقى كما كانت في السابق اللاعب الأوحد في المنطقة، التي تفكر بعقلية القلعة، على حد قوله.
 
وجاءت ردة الفعل الإسرائيلية على الاتفاق النووي الإيراني متشنجة، ففي أول رد فعل، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن "الاتفاق النووي الإيراني خطأ سيئ، وله أبعاد تاريخية".
 
بينما اتهمت نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي، تسيبي هوتوفلي، القوى الغربية بـ "الاستسلام لإيران"، بعد أن قال دبلوماسيون في فيينا إن القوى الست توصلت لاتفاق مع طهران بشأن كبح برنامجها النووي.
 
إيران الشريك في الحرب على الإرهاب
 
وقال السبايلة، لـ "عربي21"، إن إيران قد تكون شريكا في المستقبل لحل عديد من الأزمات التي تعصف بالشرق الأوسط، ومنها مكافحة الإرهاب الذي سيكون عاملا توحيديا يمكن البناء عليه لصياغة تفاهمات مستقبلية بين الأطراف المتضادة من أجل بناء استراتيجية مواجهة تنظيم الدولة، والتي قد تكون على رأس سلم الأولويات؛ الأمر الذي قد يقود ضمنيا إلى التعامل مع تطورات الملف السوري والعراقي بطريقة جادة تهدف إلى إيجاد صيغة جادة لإنجاز حلول سياسية تساعد على إنهاء الأزمات المتفاقمة في البلدين، بحسب قوله. 
 
إلا أن الكاتب "أبو رمان" يرى أن المرحلة القادمة لما بعد الاتفاق النووي الإيراني ستتضمن "حديثا عن إرهاب سني فقط، حيث لا يوجد حديث عن إرهاب نظام الأسد ولا إرهاب إيران، ولا دور إيران في خلق داعش، كما سيتم إخراج المليشيات الشيعية من أي طائلة مسؤولية، حتى الحوثيين لم يتم وضعهم في حزمة الحرب على الإرهاب".
 
أين العرب من الاتفاق؟
 
ويتفق المحللون الثلاثة أن على الدول العربية "مواكبة هذا التغيير، والعمل على تأهيل دولة عربية لتكون لاعبا أساسيا في المنطقة، ولتشارك كقوة استراتيجية في ظل وجود غياب وفراغ عربي في الإقليم"، كما يقول عضو البرلمان الأردني حازم قشوع.

بينما يرى المحلل السبايلة أن على الدول العربية "التعامل مع الواقع السياسي الجديد ضمن استراتيجية جديدة تنهي فكرة العداء لإيران".