عللت
جبهة النصرة قرار فصلها لأحد قيادييها الشرعيين، صالح الحموي، صاحب حساب "أس الصراع في الشام" على "تويتر" بـ"عدم التزامة بسياسة الجماعة وضوابطها".
وقال البيان الصادر عن "لجنة المتابعة والإشراف العليا" في جبهة النصرة "إن قرار الفصل أُصدر منذ قرابة ستة أشهر؛ إلا أن قيادة جبهة النصرة ومجلس شوراها آثرت الصبر والتريث لعل الأخ يعود للسمع والطاعة، ويلتزم بضوابط العمل الجماعي لكن دون جدوى".
من جانبه، وصف القيادي المفصول صالح الحموي، قرار فصله بأنه "قرار سياسي وليس تنظيميا"، منتقدا الجبهة بعدم وجود مرجعية قانونية لها "وعدم وجود نظام داخلي في الجماعة".
وشكك الحموي في أن يكون قرار فصله قد صدر عن مجلس شورى الجبهة، لأن "مجلس الشورى صوري لا تأثير له بالقرار؛ بل إنه لا أحد يعرف عدده وأسماء أعضائه الدائمين، وفي كل جلسة يتغير الأعضاء.."، على حد قوله.
ولفت القيادي الشرعي صالح الحموي، في بيانه الذي أصدره للرد على قرار فصله، إلى أن "كل الأمور" التي خالف فيها الجماعة نهلها واستمدها من "كتابات الشيخ عطية الله الليبي، والشيخ أبي يحيى الليبي، ووثائق أبي آباد ومرجعية القاعدة الأم..".
وكشف الحموي عن طبيعة الخلاف بينه وبين توجهات جبهة النصرة، وما يسعى إلى تحقيقه من وراء انتقاده لسياساتها الحالية بقوله: "وكل عملي هو إعادة النصرة لسياسة القاعدة التنظيم الأم، وتركها لسياسة
تنظيم الدولة التي تأثرت بها كثيرا".
وأوضح الحموي أن ما أسماه بيان الجبهة بـ"مخالفته لسياسات الجماعة" هو نقده لما يراه هو وغيره من مخالفات شرعية تضر بالجماعة والساحة وبأهل الشام، وأهمها جنوح الجماعة باتجاه الغلوّ، وفقا للحموي.
ونقل الحموي عن "أحد كبار الشرعيين المعتمدين" أنه حينما سئل: "هل للجماعة سياسة عامة؟"، قال: "لا، ونحن كشرعيين لا نعرف ما هي سياسة الجماعة حتى نحاكم من يخالفها أصلا".
بدوره، وفي السياق ذاته استنكر القيادي الشرعي في جبهة النصرة، أبو ماريا القحطاني، قرار فصل الحموي متسائلا: "كيف لجماعة تفصل من أسسها بحجة مخالفته لها؟ كيف نريد أن نقيم نظاما إسلاميا ولا نقبل من ينتقدنا من بيننا؟".
وعُرف أبو ماريا القحطاني، المسؤول الشرعي السابق لجبهة النصرة، بانتقاده الشديد لمسالك الغلوّ السائدة في أوساط بعض التنظيمات الجهادية، كما أنه عُرف بهجومه الشديد والقاسي على تنظيم الدولة، ولا ينفك عن تحذير قيادة جبهة النصرة من الانزلاق إلى مستنقعات التشدد والغلوّ.
في رسالته التي أصدرها لبيان رأيه وموقفه من فصل الحموي، طالب أبو ماريا القحطاني "إخوانه في تنظيم القاعدة" بمراجعة "تراث الشيخ عطية الله الليبي"، لافتا إلى أنه لم يأت بجديد، وأن ما قاله ويدعو إليه هو ما قاله الشيخ عطية الله".
ووجه القحطاني كلامه إلى إخوانه في القاعدة قائلا: "إن ما ينشر الآن بينكم من أفكار، غالبها لا يمت للقاعدة، بل هي رواسب نشرها (المسخ خرافة الدواعش)، ترسبت برؤوس بعض من يسمون بالشرعيين، وهم الآن هربوا لداعش ومنهم من بقي بينكم، وهم في دوامة ويحاولون التشويش على ما نتكلم به، كي يحولوا بينكم وبين الحق، لذا ننصحكم"، على حد تعبيره.
يركز القحطاني في انتقاداته الدائمة على تفريط تنظيم الدولة في الحاضنة الشعبية، حاثّا إخوانه في جبهة النصرة على الاهتمام بذلك، فيوجه كلامه لهم قائلا: "اعلموا أن الاصطفاف السني واجب العصر، ولكن إخوة الغلوّ والحزبية لا يقبلون بذلك، وراجعوا رسالة الشيخ أسامة للثورات، باركها ومدحها".
وينصح أبو ماريا "كل مجاهد بأن لا يعمل لجماعته، بل أن يعمل لأهل السنة، وخاصة أهل السنة في الشام، في لجة الكرب فإن كانت جماعتك تحول بينك وبين إنقاذهم فاتركها لله".
من جهته لم يستبعد الخبير في شؤون الحركات الجهادية، مروان شحادة، جنوح بعض اتجاهات جبهة النصرة إلى الغلوّ، وقد وقع إبان إلغاء البغدادي لجبهة النصرة ودولة العراق الإسلامية، ودمجها في "الدولة الإسلامية في العراق والشام" انحياز مجموعات وشخصيات من النصرة إلى جماعة البغدادي.
وأوضح شحادة في حديثه لـ"
عربي21" أنه مع انتماء جبهة النصرة وتنظيم الدولة إلى فضاءات "السلفية الجهادية"؛ فإن ثمة اختلافات بينهما في الرؤى والاستراتيجيات والزعامة.
وأضاف شحادة: يوجد في صفوف جبهة النصرة من يلتقي مع تنظيم الدولة في رؤاه المتشددة، وفكر الغلو الذي يتبناه، وتأتي تحذيرات بعض شرعيي النصرة لتصب في اتجاه منع جنوحها إلى الغلوّ والتشدد.
تجدر الإشارة إلى أن الشيخ صالح الحموي نشر سابقا مجموعة تغريدات تحت عنوان: "صوفية جديدة بثوب سلفية" انتقد فيها بعض مظاهر الخلل السائدة كما يراها في أوساط تنظيمات السلفية الجهادية، تُظهر بمجموعها مدى مخالفته لرؤى وأفكار السلفية الجهادية التي أضحت في أدبياتها من الأصول الثابتة المقطوع بها.