كتب أمين قمورية: لحظة نضجت طبخة التسوية النووية بين واشنطن وطهران، بدأت تخرج إلى العلن أنباء عن اتفاقات أمريكية - تركية لم تكن متوقعة، ولا على جداول الأعمال الديبلوماسية.
أنقرة تخلت عن تحفظاتها السابقة عن السماح لسلاح الجو الأمريكي باستخدام قاعدة أنجرليك الحيوية في الحرب التي أطلقتها واشنطن على "الدولة الإسلامية"، لكنها خاضتها بالنقاط تبعا للمصالح والحسابات.
ونالت حكومة أردوغان في المقابل غطاء أمريكيا لمواصلة الغارات الجوية على حزب العمال الكردستاني في تركيا والعراق، بحجة أنه لا يزال على لائحة الإرهاب.
لا بل أكثر من ذلك، إذ ثمة من يقول إن واشنطن استجابت لطلب أنقرة بإقامة منطقة آمنة ضمن الأراضي السورية على امتداد عشرات الكيلومترات، وبعمق يصل إلى نحو 30 كيلومترا أو أكثر، بذريعة منع تسرب العنف من بلاد الشام والعراق إلى أراضيها، وإقامة نقطة انطلاق لأنصارها المتمردين السوريين على نظامهم، عوض فوضى المجموعات المسلحة المنتشرة في هذه المناطق الشمالية لسوريا، وإعادة قسم من النازحين إلى ديارهم، بعدما كادت كثافة وجودهم في تركيا تسبب أزمات متنوعة.
في الشكل، يرمي التحول التركي الذي وصفه أردوغان بأنه "مرحلة سياسية أمنية جديدة"، إلى ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد: فبحجة إبعاد نار "داعش" عن الحدود التركية وتحسين صورة تركيا المشوهة محاربة للرهاب، يستولي الأتراك بلباس "الثوار" السوريين على محور أعزاز - جرابلس، الأمر الذي يقطع فعلا سعي الأكراد السوريين إلى إقامة تواصل جغرافي بين قطاعاتهم الثلاثة في عفرين وكوباني والجزيرة، وتاليا القضاء على حلمهم بإقامة كيان شبه مستقل على غرار إقليم كردستان العراق، ومنع تواصلهم مع مثالهم العقائدي حزب العمال الكردستاني ضمن الحدود الكردية.
وأخيرا شق طريق عسكري نحو المدينة السورية الكبرى، بما تمثله من ثقل ديموغرافي وسياسي في النسيج السوري.
أما في المضمون، فالمسألة أكبر من مجرد قضم موقع من هنا أو هناك، أو تسجيل مكسب عسكري صغير، ذلك أنها اللحظة المناسبة لإعادة تموضع تركيا في اللعبة الكبرى الجارية بين القوى العظمى، وحجز المواقع والأدوار بعد عاصفة الاتفاق النووي.
صحيح أن هذا الانقلاب التركي هو أشبه باللعب بالنار، نظرا إلى ما قد يترتب عليه من تداعيات أمنية وسياسية في الداخل التركي، وقت خرج أردوغان من الانتخابات مكسور الجناح والأحلام الرئاسية.
لكن هذا ثمن لا بد منه في هذا الإقليم المشؤوم، حيث التدخل السلمي والمناشدة لا يجديان، فحجز البطاقات للمشاركة في لعبته الكبرى لا يكون إلا مغمسا بالدم، وخصوصا بدماء الآخرين.
فأشدهم بطشا لهم الأرض والسماء، أما أصحاب الدم النازف فلهم الرحمة.