كتب علي سعد الموسى: استمعت في حياتي إلى مئات الكلمات والخطب، لكن واحدة منها لم تأخذني إلى ذلك الشعور الفوقي بحجم العواطف مثلما أخذتني تلك الكلمة القصيرة لأخت باراك "حسين" أوباما في حفلهما العائلي النيروبي. كنت أشعر أن حروفها لا تخرج من اللسان، بل من كل جسدها الذي كان يتراقص مع كل كلمة. عناق باراك أوباما لأخته في نهاية الكلمة يجعل المشهد برمته عصيا على الوصف والكتابة. وأنا اليوم لا أكتب مجرد مشهد أخ وأخت بقدر ما أحاول كتابة دهشتي بمنظر حي من ثمار العقل العولمي لمن قرأ أو شاهد المقطع القصير بعقل.
وليشرب من يغضب من مياه "الأطلسي" إن قلت بصراحة ووضوح إنني وقفت احتراما لشعب مثل الشعب الأميركي الذي أعطى الفرصة مرتين لابن طالب كيني كي يصل للبيت الأبيض، ثم احتشدت قنوات إعلامه بأذرعها الهائلة لتتسابق في نقل تفاصيل ودهاليز زيارة "رئيسهم" لأهله في قرية أفريقية.
خذوا الحقيقة المقابلة: على الخارطة العربية خمس دول مكتملة تعيش لأعوام بلا رئيس، لأننا وبكل اختصار لا نزال نعيش مرحلة قاتلة من مهد العقل الطفولي الذي يختلف بالرصاص والخناجر على المذهب والعرق والأصل والفرع واللون والجهة والمنطقة والقبيلة. الإخوة "الموارنة" في لبنان مثلا يعيشون على ظهر جبل صغير تتنازعه حتى اللحظة خمس أوراق ترشيح رئاسي. حتى الطائفة لدينا تنقسم إلى طوائف. لكنهم هناك حسموا الأمر في نهار واحد.. وأين؟ في دولة تحتاج فيها لسبع ساعات من سفر الطائرة ما بين ميامي وسياتل ومثلها أيضا من بوسطن إلى لوس أنجلوس.
وقد يقول قائل إن مثل هذه المقاربة غير مناسبة لسبب فوارق التجربة، ولكنني أقول بإصرار إنها لسبب فوارق العقل. دعوني أقول مثلا إنها فوارق العقل الذي لم يستطع استيعاب مرارة التجربة. مرت أوروبا ومعها العالم الجديد إلى حد ما بحروبها الدينية والعرقية لأكثر من مئتي سنة، لكنها التجربة التي كتبها بضعة من رموز التنوير من ديكارت إلى برتنارد رسل. لكننا في المقابل لم نخرج أبدا من دائرة حروبنا التي لا زالت بذات أسبابها منذ ألفي سنة. صورة "الحوثي" هي نفسها ذات صورة "جساس وكليب" مع فوارق سيارة "الشاص" والجمل.
هي بالضبط قصة العقل العولمي التي احتوت ابن مهاجر كيني ليدرس في هارفارد يذهب أستاذا جامعيا في شيكاغو وتغطيه أحلام الوصول إلى الكونجرس ومن بعدها إلى البيت الأبيض. لكن عقول الدائرة المغلقة لا تستطيع أن تستوعب أن على ظهر هذه البسيطة آلاف الأديان والمذاهب والأعراق والألوان والقبائل، ولو أن "العقل" يسمح لكل فصيل من بين هذه الآلاف أن يحتكم للرصاصة والخنجر كانت كل هذه الكرة الأرضية مجرد ساحة معركة.
(الوطن السعودية- الأربعاء 29 تموز/ يوليو 2015)