يمكث العديد من الشبان السوريين الذين كانوا يحلمون بالهجرة إلى دول أوروبا في السجون
اليونانية بتهمة تهريب البشر، جراء التشديد الأمني وجشع
المهربين.
ويتعرض المهربون إلى أحكام تزيد عن عشرة أعوام من السجن عندما يتم إلقاء القبض عليهم أثناء شروعهم في تهريب مجموعة من المهاجرين غير الشرعيين عبر البحر، وبواسطة قوارب مطاطية غالبا يسمى الواحد منها "البلم"، وقد وجد المهربون بعض الحلول لهذه المشكلة، وأقلها تكلفة أن يعتمدوا في موضوع قيادة القارب من شواطئ "أزمير" أو "بودروم" التركيتين باتجاه
الجزيرة اليونانية على أحد الشبان الذين يرغبون بالهجرة، ويكون ذلك مقابل إغراء الشاب الذي يمتلك قليلا من المال قد لا يكفيه لرحلته كلها وصولا إلى أوروبا، وعرضهم بأن يتم نقله مجانا مقابل أن يقود ذلك القارب الخطير، ليقوم المهرب خلال دقائق قليلة بتعليمه قيادة القارب عبر جولة صغيرة في البحر مقابل الشاطئ الذي ينتظر عنده باقي الفريق المهاجر، ومن ثم ينطلق الجميع بالقارب الذي يتم رمي محركه ليغرق في قاع البحر، وتمزيق جسده المطاطي حتى لا يكون هنالك أي احتمال لقيام الشرطة اليونانية بإعادتهم، كما العادة.
سيء الحظ من تتلقفه يد الأمن اليوناني عند الشاطئ الذي يصله، حيث يتم السماح للاجئين الذين وصلوا إلى الأراضي اليونانية بدخولها، ويتم اعتقال سائق "البلم" على أنه المهرب الذي نظم هذه الرحلة، حتى أنهم في بعض الأحيان وعندما لا يشاهدون الشخص الذي قام بقيادة البلم، يقومون بتهديد عدة أشخاص ممن كانوا على متنه بأنهم سيتهمونهم بالتهريب، وبذلك يقوم بعضهم بالإخبار عن السائق الحقيقي والإيقاع به من قبل رفقائه ويدخل السجن، حيث ينتظر شهور طويلة دون أن يبت القاضي الذي يحاكمه في القضية، أو أن يصدر أي حكم، كما حدث مع الشاب العشريني "سليمان" الذي يمكث منذ خمسة شهور في أحد السجون اليونانية.
لم يكن سليمان يدرك خطورة ما قام به، ولم يكن يعلم أن قيادة القارب ستحطم حلمه بالوصول إلى "هولندا" بل ستلقيه في السجون اليونانية سيئة السمعة. والد سليمان قال لــ"عربي 21": "لحقت بابني إلى هنا لأقوم بتوكيل محام له، ورغم ذلك لم نتوصل إلى شيء حتى اللحظة، ولم يتم النطق بحكم من قبل القضاء اليوناني سواء كان سلبيا أو إيجابيا، لقد خدع المهربون ابني عديم المعرفة بأمور كهذه، ووقعنا بهذه المصيبة".
أما عمر، أحد ضحايا موضوع مشابه، وهو سوري من ريف حلب الغربي، فلم يقد المركب كما أنه لم يقم بأية مخالفة سوى دخول البلاد بشكل غير شرعي، لكنه ولدى وصوله ومجموعته إلى جزيرة "كوس" بدأ يتحدث إلى عناصر الشرطة باللغة اليونانية التي يتقنها كونه أقام في اليونان لمدة سنتين منذ أعوام طويلة مضت، وبمجرد أن نطق الرجل ببضع جمل يونانية تم إلقاء القبض عليه واتهامه بتهريب المجموعة كلها، فالمهرب الذي ينقل الناس بالقوارب من تركيا إلى اليونان عادة ما يتقن اللغتين لضرورة عمله، وألقي الرجل السوري الحالم بأوروبا في السجن.
القصة الأكثر مأساوية حدثت مع حسان، والذي التقت "
عربي21" بوالده وشقيقته في أثينا، عندما كانا يبحثان عن محام لتوكيله للدفاع عن "حسان"، يقول والده: "أرسلت ابني وابنتي في رحلة بحرية انطلقت من مرسين، وكانت الوجهة إيطاليا إلا أن عاصفة شديدة وكذب المهرب الذي أخبرنا أن الرحلة ستكون في سفينة كبيرة وتبين أنها على متن قارب لا يتجاوز طولة 26 مترا، تسببا باضطرار قبطان القارب للرسو به على شواطئ جزيرة كريت اليونانية".
ويضيف: "اعتقل الأمن اليوناني خمسة أشخاص من بينهم القبطان، واتهم الجميع ومن بينهم ابني حسان أن كلا منهم القبطان، ولم يتجرأ أحد منهم على الاعتراف والتعريف بشخصية القبطان الذي هدد الجميع إن شهدوا ضده، بأنه سيقوم باستئجار شهود مقابل مبالغ مالية ويستخدمهم ضدهم على أنهم فريق المركب، ولم يتجرأ للحظة أحد على أن يشي بالقبطان الحقيقي، ونبحث الآن عن محام نخبره بتفاصيل القضية عله ينجح بإقناع القاضي ببراءة حسان والذي لا يزيد عمره عن 23 عاما".