لم يكن قرار
حكومة الوفاق الوطني الفلسطينية بإجراء تعديل وزاري عليها، ليشكّل مفاجأة لأي كان، في ظل العقبات الموضوعة أمام حكومة وحدة وطنية نادت بها مختلف الفصائل الفلسطينية، ليأتي هذا التعديل ويصبغ الحكومة بصغبة "فتحاوية" بحتة، لا سيما وأن الوزراء الجدد هم قادة بارزون في الحركة.
وكانت مصادر فلسطينية قد تحدثت عن توافق على خمسة وزراء جدد هم؛ سفيان سلطان وزيرا للزارعة، وعبير عودة للاقتصاد الوطني، وحسين الأعرج وزيرا للحكم محلي، وصبري صيدم وزيرا للتربية والتعليم، وسميح العبد وزيرا للمواصلات، على أن يبقى الوزراء الآخرون على رأس وزاراتهم.
ومن المقرّر أن يؤدي هؤلاء اليمين القانونية الجمعة، أمام رئيس السلطة الفلسطينية
محمود عباس في مقر الرئاسة برام الله.
وكانت حكومة الوفاق الوطني قد شكلت في حزيران/ يونيو من عام 2014 بعد حوار بين حركتي "
حماس" و"
فتح"، على أن تكون لها صلاحيات محددة ومدة عام.
ووصف الكاتب والمحلل السياسي هشام ساق الله هذا التعديل الوزاري، بأنه "ترقيع" بعد فشل كل المحاولات لتشكيل حكومة وحدة وطنية، محملا الفصائل مجتمعة مسؤولية عدم تشكيل حكومة وحدة.
وأشار ساق الله إلى وجود حالة من الضعف العام تعتري الفصائل، وتتمثل بعد قدرتها على الضغط للتوصل إلى حكومة وحدة وطنية، داعيا إلى حل هذه التنظيمات التي تحوّلت إلى شركات، على حد تعبيره.
وقال: "الفصائل لا تستطيع عمل أي شيء ولا قول أي كلمة، وكل ما قيل من كلام في وسائل الإعلام للمطالبة بحكومة وحدة وطنية، هو ترويج شخصي لكل تنظيم حتى يضمن مكانه أو يرشح قائده ليكون جزءا من الحكومة القادم".
وفي قراءة للتعديل الوزاري الجديد ورموزه، قال ساق الله "إن وزير الحكم المحلي حسين الأعرج هو برتبة وزير من قبل ومدير لمكتب الرئيس محمود عباس، كذلك صبري صيدم وزير التعليم العالي نائب أمين سر المجلس الثوري لحركة فتح ووزير الاتصالات سابقا، كما أن عبير عودة التي ستتولى حقيبة الاقتصاد الوطني كانت تعمل بمنصب مدير عام لهيئة سوق رأس المال الفلسطينية، كذلك سيكون سميح العبد وزيرا للمواصلات، وهو وزير سابق تم تعيينه من وزير للأشغال العامة، والحال ذاته فيما يتعلق بوزير الزراعة سفيان سلطان الذي كان مسؤولا عن سلطة البيئة برتبة وزير، حينما شكلت أول حكومة فلسطينية عام 1996 في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات".
من جانبها، اعتبرت حركة "حماس" التعديل الوزاري الذي أجرته حكومة الوفاق الوطني "غير دستوري" وخارج عن التوافق الوطني.
وأكدت في بيان لها على ضرورة استكمال خطوات الوفاق الوطني "وصولا إلى الوحدة التي تمكننا من دحر الاحتلال وإحباط مخططاته التهويدية".
واستنكرت القرار الذي اتخذته حكومة الوفاق الوطني بضوء من محمود عباس، الذي يتمثل في إجراء تعديلات على خمسة وزراء دون الرجوع إلى مرجعية الحكومة، وهي الفصائل الفلسطينية التي وقعت على اتفاق المصالحة، الذي بمقتضاه شكلت حكومة التوافق.
وقالت الحركة "إن هذه الخطوة هي بمنزلة الهروب إلى الأمام وإدارة الظهر لمشروع المصالحة الفلسطينية، الذي بدأ بالحكومة دون أن يستكمل باقي ملفاتها، حيث كان المطلوب اجتماع المجلس التشريعي لإعطاء الثقة لهذه الحكومة، وكذلك اجتماع الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير للتحضير لانتخابات المجلس الوطني، والاتفاق على برنامج لمواجهة التصعيد الصهيوني ضد شعبنا وأرضنا ومقدساتنا، وكذلك إجراء الانتخابات الشاملة".
وأضافت "إن النكوص عن هذه الخطوات ومنع حكومة الوفاق من الاضطلاع بدورها في قطاع
غزة، ومن الوفاء بالتزاماتها تجاه الموظفين وتجاه حل مشكلات القطاع؛ وصولا إلى التعديلات من طرف واحد ليس له إلا تفسير واحد، هو أن عباس يجر الحكومة إلى العزلة والفئوية ومزيد من الخصومة بين أبناء الشعب الفلسطيني، الأمر الذي حذرت منه حماس مرارا وتكرارا".
وحذرت "حماس" من تنفيذ هذه الخطوات التي وصفتها بـ "الانفصالية"، مطالبة كل فصائل الشعب الفلسطيني بتدارك الأمر ووضع حد لهذا الاستهتار بالقيم والمصالح الوطنية.
فيما اعتبر النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، أحمد بحر، التعديل الوزاري "انقلابا دستوريا وتكريسا لدكتاتورية عباس وسياسة فصل غزة"، وفق قوله.
وقال بحر في تصريح صحفي "التعديل الوزاري خطوة قام بها عباس بهدف قطع الطريق على الجهود السعودية، الرامية لإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة ورفع الحصار".
وأضاف "التعديل الوزاري يعقد الأزمة الداخلية ويكرّس الانقسام، ويؤدي لتفتيت النسيج الاجتماعي ومؤشر لتورط عباس في مخطط لتشديد الحصار".
ويرى الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، شرحبيل الغريب، التعديل الوزاري من طرف واحد بمنزلة "إعلان الطلاق لحالة الوفاق مع حركة حماس".
وقال الغريب: "هذا التعديل خطوة انفرادية ستعزّز الانقسام، وسيكون لها انعكاسات سلبية في العلاقة مع حركة "حماس" بشكل خاص وعلى إنهاء الانقسام بشكل عام ، وهي تنكر واضح لكل اتفاقات المصالحة" .
وحمل حركة "فتح" المسؤولية عن كل تداعيات هذا التشكيل على الحكومة، التي باتت "تتصرف وكأن السلطة ورثة خاصة بها فقط، وهي لا تؤمن بالشراكة". وفق قوله.
وحذر من أن هذه الخطوة سيكون لها آثار وتداعيات سلبية على المصالحة، وأنها ستعيد الفلسطينيين للمربع الأول من المصالحة.
وأشار إلى أن رئيس السلطة الفلسطينية غلب المصلحة الحزبية والفئوية على المصلحة العامة حينما خضع لما أملته عليه حركة "فتح"، بضرورة أن يكون وزراء الحكومة منها دون الالتفات إلى مطالب الشارع والفصائل الفلسطينية بضرورة أن تكون الحكومة هي "حكومة وحدة وطنية".
وأوضح أن الوزراء الجدد جميعهم من أعضاء حركة "فتح"، وعلى رأسهم نائب أمين سر المجلس الثوري للحركة صبري صيدم ومدير مكتب عباس حسين الأعرج.