تناقلت مواقع إخبارية الأسبوع قبل الماضي خبر اغتيال مازن قسوم، قائد لواء "سهام الحق" التابع لـ"
فيلق الشام" بمدينة سراقب في ريف إدلب، بإطلاق الرصاص عليه من قبل ثلاثة أشخاص ملثمين كانوا يستقلون سيارة مدنية.
وقال أبو عبد الله القيادي في "فيلق الشام" في تصريح صحفي، إن "الأشخاص الذين قاموا باغتيال الشيخ قسوم، يتسترون بالتبعية لفصيل (جند الأقصى) فيما يتبعون فعليا لتنظيم الدولة الإسلامية".
وفي بيان التهمة التي قتل قسوم بسببها، ذكر "أبو مالك الشامي" عبر حسابه على تويتر أن "جند الأقصى قتلت الشيخ مازن بتهمة (الردة) بحسب قول أحد أمرائهم، وكانت العملية بعلم قيادتهم وبفتوى (أبو ذر بنش)"، من غير أن يوضح طبيعة تهمة الردة التي قتل بسببها.
لم تكن واقعة اغتيال القيادي قسوم هي الأولى من نوعها، بل سبقتها وقائع مماثلة كانت جريرة المقتولين هي عينها تهمة (الردة)، ولم تقتصر وقائع تطبيق حكم
قتل المرتد على أفراد متفرقين هنا وهناك، بل تعدتها إلى تصفية مجموعات (مسلحة) وأخرى (عشائرية) باعتبار أفرادها كفارا مرتدين بحسب فتاوى شرعيي جماعات (الغلو)".
وتستند جماعات "الغلو" في أصل قتلها وقتالها لمن تصفهم بالمرتدين بحسب تصنيف شرعييها لهم، إلى ما هو مقرر في المدونات الفقهية بشأن حكم المرتد، والتي حكت إجماع "أهل العلم على وجوب قتل المرتد" طبقا لما ذكره ابن قدامة المقدسي في موسوعته الفقهية "المغني".
ووفقا لأستاذ الفقه وأصوله في الجامعة الأردنية، الدكتور عبد الله الكيلاني، فإن الحكم المقرر في الفقه الإسلامي هو قتل المرتد، لافتا إلى أن بعض الفقهاء المعاصرين في بحثهم لأحكام الردة والمرتدين أثاروا تساؤلا حول قتل المرتد؛ هل يقتل حدا أم تعزيرا؟
واستذكر الكيلاني في حديثه لـ"
عربي21" ما بحثه الفقيه العراقي الدكتور طه جابر العلواني في كتابه "إشكالية الردة والمرتدين"، باعتباره أحكام الردة شأنا وتدبيرا سياسيا يقدره ولي أمر المسلمين، وليست حدا من الحدود الشرعية الثابتة.
وفي الاتجاه ذاته، تأتي دراسة الفقيه المصري الدكتور محمد سليم العوا المعنونة بـ"عقوبة الردة تعزيرا لا حدا" والتي خلص فيها إلى اعتبار عقوبة الردة تعزيرية يترك تقديرها لولي الأمر الشرعي، ولا يلزم أن تكون حدا ثابتا ألا وهو القتل، لأن الأمر الوارد في الحديث النبوي (من بدل دينه فاقتلوه) احتف بقرائن كثيرة (أحاديث وآثار) صرفته عن الوجوب إلى ما يدل على مشروعيته، بحسب دراسة العوا.
غالب الجماعات والتنظيمات الإسلامية المحافظة بوجه عام، والسلفية الجهادية منها على وجه
الخصوص، لا تقيم وزنا لمثل تلك المراجعات والدراسات، وتعدها انحرافا وتمييعا للأحكام الشرعية، وهي تصر على تطبيق أحكام قتل المرتد باعتباره حدا شرعيا ثابتا.
لكن تطبيق قتل المرتد في كثير من صوره وتجلياته الشائعة في الساحتين السورية والعراقية، أثار سخطا كبيرا، واعتراضات شديدة في الأوساط الإسلامية داخل
سوريا والعراق وخارجهما، بسبب تورط جماعات الغلو في توظيفه كذريعة دينية في صراعاتها السياسية، لإقصاء الآخرين وتصفية خصومها الدينيين، بحسب باحثين ومحللين.
في هذا السياق، يرى الأكاديمي الشرعي السعودي، الدكتور الشريف حاتم العوني أن أحكام الردة وتطبيقاتها من مسائل الدين الكبيرة والخطيرة، وتحتاج إلى علماء راسخين في العلم الشرعي، أما إصدار أحكامها على الشخص المعين فلا يكون إلا للقضاة الشرعيين بعد التحقيق والتثبت والاستتابة.
وأورد العوني القاعدة القائلة "من دخل الإسلام بيقين فلا يخرج منه إلا بيقين" للدلالة على ضرورة التثبت في الحكم على المسلم بالردة والتكفير وإخراجه من الإسلام، موجها نقده الشديد لجماعات الغلو التي تتوسع في إخراج المسلمين من الإسلام بالظنون، وسوء الفهم والتسرع والاندفاع.
وردا على سؤال "
عربي21" بشأن تطبيقات "قتل المرتد" في سوريا والتي حصدت رؤوس دعاة وقضاة شرعيين، كحزِّ رأس القاضي الشرعي لألوية صقور الشام (أبو عبد السميع) وغيره، قال العوني "هؤلاء تسوروا حائط العلم وتقمصوا دور القضاة، وهم ليسوا أهلا لذلك، فأشاعوا الفساد وسفكوا الدماء المعصومة".
وتساءل العوني: "كيف أصبح هؤلاء قضاة شرعيين؟ أين درسوا القضاء وما هي خبراتهم في هذا المجال؟ وهل يصح شرعا إسناد هذه الوظائف الهامة والخطيرة التي تفصل في الدماء والأعراض والحقوق لأناس غير مؤهلين، وقاصرين عن ممارستها؟".
من جانبه، شكك الداعية والباحث الأردني في شؤون الحركات الإسلامية، أحمد أبو زيد، في أهلية غالب من يسمون بالشرعيين في سوريا، الذين تسند إليهم وظائف ومهام إصدار الأحكام على الآخرين، لافتا إلى أن أفكار الغلو هي السائدة بكثرة بين التنظيمات والجماعات الكبيرة، إضافة إلى تلاعب الأيدي
المشبوهة بكثير مما يجري هناك.
وأكدّ لـ"
عربي21" أن كثيرا من تطبيقات "قتل المرتد" و"قتال المرتدين" في أوساط تلك التنظيمات والجماعات تكتنفها شبهة التوظيف الديني لأغراض سلطوية وسياسية، إذ إن "قتل المرتدين" بات ذريعة جماعات الغلو في تصفية خصومهم، وإقصاء معارضي فكرهم وسياساتهم.
يُذكر أن تنامي نزعة التكفير، وتساهل جماعات الغلو في إطلاق أحكام الردة على المسلمين، يتنافى مع تحذيرات أئمة الإسلام الصارمة من التسرع في التكفير. يقول الإمام القرطبي: "وباب التكفير باب خطير، أقدم عليه كثير من الناس فسقطوا، وتوقف فيه الفحول فسلموا، ولا نعدل بالسلامة شيئا".
وقال العلامة الملا علي القاري: "ذكروا أن المسألة المتعلقة بالكفر إذا كان لها تسعة وتسعون احتمالا للكفر، واحتمال واحد في نفيه، فالأولى للمفتي والقاضي أن يُعمل بالاحتمال النافي، لأنّ الخطأ في إبقاء ألف كافر أهون من الخطأ في إفناء مسلم واحد".