قرار الإفراج عنه أثار ضجيجا يفوق الضجيج الذي وقع عقب اعتقاله، فقد وضع هذا القرار المفاجئ ضمن تأويلات وسيناريوهات بدت وكأنها رجما بالغيب، أو ضربا من ضروب التنجيم.
فقد قيل إن قرار الإفراج المفاجئ عنه جاء لأسباب تتعلق بفتح حوار غير مباشر بين العسكر و"الإخوان"، وأنه جاء كذلك للتغطية على وفاة رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية الشيخ عصام دربالة في المعتقل، فيما يقول مقربون منه إنه جاء ضمن السياق الطبيعي والقانوني.
هو خريج مدرسة "الإخوان المسلمين"، إلا أنه اختلف مع "الجماعة" وانشق عنها بتأسيس "حزب الوسط" مع احتفاظه بالمرجعية الإسلامية. ووقف نظام مبارك منه موقفا عدائيا بعد أن تقدم مجموعة من قيادات الحركة الطلابية في السبعينيات، وقيادات النقابات المهنية المنتمين للتيار الإسلامي، إلى لجنة شؤون الأحزاب عام 1996، للموافقة على تأسيس "حزب الوسط"، إلا أنه رفض، وهو الأمر الذي تكرر ثلاث مرات بعد ذلك، حتى قيام ثورة كانون الثاني/ يناير عام 2011 التي أطاحت بنظام مبارك.. وتأسس الحزب في الشهر التالي للثورة.
ورغم خلافه مع "الجماعة" وانشقاقه عنها، فإن حبل الود بقي قائما مع "الجماعة" ولم يمنعه من الوقوف إلى جانبهم في مواجهة قوى الثورة المضادة المتحالفة مع العسكر؛ حيث إنه أعلن تأييده لترشيح الدكتور محمد مرسي في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في مواجهة مرشح النظام المخلوع أحمد شفيق.
وخلال فترة ولاية مرسي، كان "الحزب" الذي يرأسه السند الرئيس لمرسي، وشارك رئيس "حزب الوسط" ورفيقه عصام سلطان في لقاءات الحوار الوطني، لمحاولة احتواء غضب القوى الليبرالية.
وبعد الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس مرسي، أعلن ماضي دعمه وانحيازه لـ"الشرعية"، ورفضه للانقلاب وإسقاط دستور 2012. وعلى ضوء ذلك ألقي القبض عليه برفقة نائبه عصام سلطان، ووجهت لهما تهمة "التحريض على العنف وإهانة هيئة قضائية"، ورحلا إلى سجن طرة، حيث قضى فيه عامين كاملين، مدة حبسه احتياطيا.
ينتمى
أبو العلا ماضي، المولود في مدينة المنيا جنوب
مصر عام 1958، لجيل قيادات الحركة الطلابية في السبعينيات، والتي تعرف بالفترة الذهبية للعمل الطلابي، حيث ظهر خلالها العديد من قيادات العمل الإسلامي بشكل عام وجماعة الإخوان المسلمين بشكل خاص، أبرزهم عصام العريان وعبد المنعم أبو الفتوح.
واستفاد ماضي وإخوانه من هامش الحرية التي منحها لهم الرئيس الراحل أنور السادات، من أجل مواجهة التيار اليساري في ذلك الوقت.
وانتخب ماضي رئيسا لاتحاد طلاب جامعة المنيا في الفترة بين عامي 1977 و1979، ونائبا أول لرئيس اتحاد طلاب مصر في الفترة بين عامي 1978 و1979.
وفي تلك الفترة، حصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة الميكانيكية من كلية الهندسة في جامعة المنيا عام 1984، وعلى شهادة البكالوريوس في الحقوق من جامعة القاهرة عام 2008.
رئيس "حزب الوسط" الجديد، وهو حزب مدني ذو مرجعية إسلامية، شارك في تأسيسه مجموعة من شباب مسلمين ومسيحيين ونساء، وتولى ماضي إدارة المركز الدولي للدراسات منذ عام 1995، وهو مركز معني بدراسة حالة الحركات الإسلامية والإسلام السياسي.
عضو مجلس إدارة عدة جمعيات معنية بحوار الحضارات والحوار الإسلامي المسيحي، وعضو في فريق الحوار العربي الأوروبي الأمريكي منذ عام 2004.. ورئيس الحوار المصري – الألماني الذي تنظمه من مصر الهيئة الإنجيلية القبطية منذ عام 2003.
ورشح نفسه في الانتخابات البرلمانية المصرية عام 1995 في منطقة حلوان بالقاهرة.
شارك في كافة الحركات المعارضة لحكم مبارك، ومن بينها عضوية "حركة كفاية " والسفر في قوافل الدعم والمساندة إلى حدود مصر مع قطاع غزة، للتضامن مع الشعب الفلسطيني ونقل معونات الشعب المصري إلى أهل غزة المحاصرين.
وفي أعقاب الإطاحة بالرئيس مرسي، أعلن رفضه للانقلاب، وانضم إلى "تحالف دعم الشرعية" الداعم لمرسي في تموز/ يوليو عام 2013.
ألقت "داخلية الانقلاب" القبض عليه وعلى نائبه عصام سلطان، في الوقت الذي قال فيه نائب رئيس الحزب حاتم عزام: "إن اعتقالهما جاء بسبب انحيازهما للشرعية الدستورية والديمقراطية، ورفضهما الانقلاب العسكري".
وبعد عامين قضاهما الرجل خلف أسوار سجون النظام العسكري دون محاكمة، أصدر القضاء حكما بإخلاء سبيله وعودته لقيادة أكبر الأحزاب الإسلامية التي يعول عليها المراقبون في قيادة أطر الحوار بين النظام و"الإخوان المسلمين".
ونظرا لأن اعتقال ماضي كان دون اتهام، مثله مثل آلاف المعتقلين، فإن الإفراج عنه جاء أيضا دون أسباب، واكتفت محكمة جنايات الجيزة بإصدار قرار بإخلاء سبيله بضمان محل إقامته، دون أن يتضمن القرار أية حيثيات عن أسباب اعتقاله وبقائه في السجن طوال هذه المدة، ولا عن أسباب الإفراج عنه.
وقالت صحيفة "البوابة نيوز" القريبة من المخابرات المصرية، إن هناك ضغوطا أوروبية وراء الإفراج عنه.
وأوضحت الصحيفة، أن الحكومة المصرية سهلت خروج القيادي الإخواني حلمي الجزار وعلي بطيخ، إلى تركيا للتواصل مع "الإخوان" في الخارج وتوصيل وجهة نظر النظام.
وقالت الصحيفة، إن خروج الجزار من مصر دفع النظام للإفراج عن ماضي لقيادة الحوار في الداخل في ظل زيادة الضغوط على "الإخوان" في الداخل، وزيادة العمليات القمعية والتصفية الجسدية لهم.
وأكد محللون، أن النظام يحرص دائما بعد الانقلاب العسكري على إبقاء رمز سياسي من " الإخوان المسلمين" خارج السجن.
ودلل المراقبون، على تحليلاتهم، بالإفراج عن حلمي الجزار القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، عقب إفلات وزير التعاون الدولي السابق بحكومة الرئيس مرسي والقيادي بحزب الحرية والعدالة عمرو دراج، ونجاحه في الخروج من مصر.
ويهدف النظام إلى إبقاء شخص خارج السجن متواصلا مع أطراف "الحراك الثوري" في الداخل والخارج، يمكن أن تتم معه أي عملية تفاوض إذا ما أحتاج الأمر إلى ذلك.
وبحسب النشطاء والمراقبين، فإن الإفراج عن أبو العلا ماضي يأتي في هذا السياق للإبقاء على رمز سياسي في خارج السجن، خاصة أنه يعد من الشخصيات المقبولة لدى أطراف عدة من كلا التيارين، سواء المعارض أم الداعم للنظام.
وفي المقابل، فقد نفى محللون سياسيون آخرون، أن يكون الإفراج عن ماضي، له علاقة بالمصالحة مع "الإخوان"، مؤكدين أن النظام لا يريد المصالحة في الوقت الحالي، وأن عمليات الاعتقال والتصفية المستمرة للمعارضين أكبر دليل على عدم نية النظام للحوار.
وأضاف الخبراء، أن نظام السيسي يسعى لإشغال المواطنين عن عمليات التصفية المستمرة في السجون بقضية الإفراج عن ماضي وأسبابها، خاصة بعد قتل الشيخ عصام دربالة، والسلاموني ومرجان ومحمد مهدي.
ولا يميل "حزب الوسط" إلى تأويل عملية الإفراج عن ماضي فالأمين العام للحزب عمرو فاروق، يؤكد أن الإفراج عن ماضي ليس سياسيا، وإنما هو إفراج قانوني.
ونفى فاروق أن يكون الإفراج بناء على تفاوض مع الدولة، مؤكدا أن إخلاء السبيل جاء بعد إتمامه الحد الأقصى لمدة الحبس الاحتياطي بحسب "القانون 143 إجراءات جنايات"، وهي سنتان، وأكد أن قرار المحكمة جاء بعد قبول الاستئناف المقدم من دفاع ماضي، وإخلاء سبيله بضمان محل إقامته.
مجريات الأحداث في مصر لا تشير إلى أي توجه لدى الحكم للمصالحة الوطنية وإغلاق منابع الكراهية والتحريض على العنف والقتل والانتقام، ولا يبدو أن الإفراج عن ماضي جزء من صفقة، فالعقل السياسي غائب ومغيب عن سماء القاهرة التي تسير أكثر نحو التصعيد والعنف المضاد.