كتب سركيس نعوم: تناول "الموقف هذا النهار" يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين العلاقة بين المملكة العربية
السعودية وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية "
حماس"، وظهر من معلوماته استنادا إلى عاملين في مركز أبحاث أمريكي واسع الاطلاع، أن دعم الأولى للثانية قديم رغم انقطاع تسبّب فيه توثّق الروابط بين "حماس" وإيران.
هذا الأمر لم يكن دقيقا في رأي قريب جدا من "الجماعة الإسلامية" في لبنان، وهي جزء من "جماعة
الإخوان المسلمين". ولأن "حماس" هي أيضاً جزء منها أو ذات جذور "إخوانية" كما يقول البعض، فإن معلومات هذا القريب تصبح أكثر دقة وأكثر صحة.
ما هي المعلومات والمعطيات "التصحيحية" عن "حماس" وعن "الإخوان" وعلاقة الفريقين بالسعودية وغيرها؟
هي تفيد أولا أن السعودية لم تتبنَ يوما "الإخوان المسلمين" ولم تدعمهم رغم وجودهم فيها كمقيمين قادمين من الخارج وكمواطنين سعوديين. لكنها كانت تعرف أن مساعدات كانت تأتيهم من جمعيات خيرية عدة. وهي تفيد ثانيا أن الاستثناء الوحيد كان أيام المغفور له الملك فيصل بن عبد العزيز الذي نشأت بينه وبين "الإخوان" علاقة جيدة، وخصوصا بعدما أنشأ "رابطة العالم الإسلامي".
لكن الشرط الوحيد الذي وضعه عليهم كان ألا يؤسسوا تنظيما في السعودية سواء للعرب والمسلمين المقيمين والعاملين في المملكة أو لمواطنيها. وقد احترم "الإخوان" هذا الشرط في صورة عامة باستثناء قيادي منهم يُدعى محمد سرور زين العابدين الذي كان يقيم في "القطيف".
إذ أسس خلايا تنظيمية، وكان فكره الإسلامي متطرِّفا في صورة عامة وضد الشيعة في صورة خاصة. وقد عبّر عن ذلك بعد قيام الجمهورية الإسلامية في
إيران بنشره كتابا عن "عودة المجوس". طبعا اعترض المسؤولون السعوديون أمام قادة الإخوان على ذلك، وطلبوا منهم إبلاغ زميلهم بضرورة حلّ تنظيمه أو بمغادرة السعودية، فآثر تركها و"الاخوان". لكنه استمر في خطه المتطرِّف وأنشأ في حينه ما سمي "تيار السروريين".
وتفيد المعلومات والمعطيات نفسها ثانيا، أن العلاقة السعودية – الإخوانية عادت إلى حذرها السابق وإلى التحفُّظ والتحوُّط والشكوك بعد اغتيال الملك فيصل. لكنها تحوّلت باردة جدا وأحيانا عدائية منذ تسلُّم الملك (الراحل) عبدالله بن عبد العزيز الحكم خلفا لأخيه الراحل فهد. ذلك أن وزير داخليته الأمير نايف بن عبد العزيز كان يكره "الإخوان المسلمين"، ويعتبرهم خطرا على المملكة ووافقه الملك على ذلك.
وكان لرئيس الديوان في عهده خالد التويجري دور في هذا الموقف الذي يعتبر "الإخوان" البيئة الحاضنة لكل الحركات والتنظيمات الجهادية الإسلامية بل المتطرِّفة حتى العنف والتكفير. وهذا الأمر لم يكن بعيدا كثيرا من الصحة. ذلك أن أسامة بن لادن مؤسس تنظيم "القاعدة" كان قبل تحوُّله "إرهابيا" مطلوبا من بلاده ومن دول العالم، يلتقي في اجتماعات مسائية – ليلية داخل المملكة شخصيات "إخوانية"، بعضها قيادي غير سعودي أيام "العمرة"، وخلال شهر رمضان المبارك. وكان من ضمنها لبنانيون.
وتفيد المعلومات والمعطيات نفسها ثالثا، أن الكويت كانت الدولة الخليجية الأولى الأكثر تساهلا وتقبلا لـ"الإخوان المسلمين" ومن زمان، وكان هؤلاء يحصلون على أكثر المساعدات من الجمعيات الخيرية الكثيرة المنتشرة فيها، التي كانت غالبيتها "إخوانية" سواء بالفكر أو بالتنظيم. أما حكومتها فلم تكن تساهم في التبرُّعات لكن سكوتها عنها وأحيانا تشجيعها كان يدل على موقف إيجابي.
والدولة الخليجية الثانية التي نشأت علاقة ممتازة بينها وبين "الإخوان المسلمين" كانت دولة الإمارات العربية المتحدة؛ إذ مرت مرحلة كان في حكومتها ثلاثة وزراء "إخوانيين". وكانت معاملة "الإخوان" العرب والمسلمين المقيمين فيها أو الزائرين لها ممتازة، وكانت معاملات إقامتهم تتم في سرعة قياسية.
وأحيانا كان الوزراء الثلاثة المشار إليهم يتناوبون على استقبال الشخصيات "الإخوانية" التي تزور بلادهم. لكن هذا الوضع لم يلبث أن تبدَّل. إذ حلّت مكانه القطيعة ولكن تدريجا. والدافع إلى ذلك كان أولا خوف الإمارات، بعد نموّ الإرهاب والتصاقه بالتيارات الإسلامية، على "النظام" والدولة والأمن والاستقرار من "الإخوان" وغيرهم. وكان ثانيا التشجيع أو ربما التحريض السعودي على هؤلاء. ومعروفة العلاقة الممتازة بين الدولتين.
أين "حماس" من ذلك كله رغم كونها جزءا من "الإخوان" ورغم انعكاس المعاملة السلبية لهؤلاء عليها؟
(عن صحيفة النهار اللبنانية، 22 آب/ أغسطس 2015)