كشف الكاتب الصحفي جمال سلطان، رئيس تحرير صحيفة "
المصريون" عن كواليس منع مقال وتقرير بالصحيفة بناء على تعليمات أمنية، وقال لـ"
عربي21" إن "هذه الواقعة تكشف مدى المتاعب التي تواجهها
الصحافة المصرية في الوقت الحالي"، مشيرا إلى "الخشونة" التي تتعامل بها أجهزة الأمن مع الصحافة.
وكانت الجهات الأمنية في مصر قد أوقفت الأحد، طباعة العدد الأسبوعي لصحيفة "
المصريون" في مطابع الأهرام، بسبب مقال لرئيس تحريرها بعنوان "لماذا لا يتوقف السيسي عن دور المفكر الإسلامي". وهي المرة الثانية التي تمنع فيها طباعة الصحيفة، بعد أن سبق وعطلت جهات أمنية طباعة عددها الصادر في 14 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بسبب تحفظات على محتوى العدد.
وعن فحوى المقال والتقرير الممنوعين من النشر ، بيّن سلطان لـ"
عربي21"؛ أن "المقال الذي تم حذفه من الصحيفة ينتقد كثرة حديث "الرئيس السيسي" عن تصحيح الفكر الديني، وتصويب النظر إلى الأحاديث، وتفاسير القرآن، بما يتجاوز الحد الطبيعي، خاصة وهو الذي يقول إنه رجل دولة وليس رجل دين".
أما التقرير المحذوف، فكان يتعلق بزيارة السيسي لبريطانيا، "والمخاطر التي من المحتمل أن يتعرض لها، بعد أن قدمت جهات متعددة مذكرات تطالب باعتقاله على خلفية أحداث بعينها، وهي تقديرات أشارت لها صحف بريطانية ومنظمات حقوقية"، بحسب قول سلطان.
وعن الجهة التي حذفت المقال والتقرير، قال سلطان: "الأهرام ليست جهة قرار أو منع، فهي مؤسسة تجارية وتعمل في ظل قواعد وإجراءات إدارية وقانونية تلتزم بها، لكن التدخل يأتي من جهات أخرى، وهي جهات أمنية بكل تأكيد".
وبشأن التخوف من تكرار هذه الحالة، أكد سلطان أن "مثل هذا الأمر لا نضعه في حسباننا؛ فنحن عندما نكتب نعمل على إرضاء ضمائرنا، وإرضاء ربنا، ولكل حادث حديث"، مضيفا: "إننا نراعي المصلحة الوطنية، ونلتمس العقلانية السياسية في النقد اللائق بالقيادات السياسية للدولة أيا كان الخلاف، ولا يمكن أن نتأثر بتهديدات المنع أو الحظر" وفق تعبيره.
وأوضح رئيس تحرير "المصريون" أن العمل الميداني أصبح مغامرة بالنسبة للصحفيين؛ "لأن الجهاز الأمني متوتر جدا، ويقلق كثيرا من أي كاميرا في الطريق، ولا يفرق بين صحفي أو غير صحفي".
وأضاف: "تعرضنا للعديد من المتاعب، فهناك خمسة من الصحفيين لنا اعتقلوا على فترات مختلفة، كان آخرها إلقاء القبض على ثلاثة صحفيين من أمام نقابة الصحفيين، ولم يتم الإفراج عنهم إلا بعد تدخل أعضاء في النقابة".
وحذر سلطان من مغبة استمرار تضييق مساحات
الحريات "التي ما زالت الصحافة المصرية تمتلك مساحات معقولة (منها)، وهي تقاتل من أجل حماية هذه المكتسبات التي تمخضت عن ثورة يناير".
ولفت إلى أن "الصحافة المصرية ما زالت تعاند رياح التضييق والحصار، وتصر على أن تنتزع حقوقها"، مضيفا: "أنا أعتقد أن نجاح أو صمود الصحافة المصرية يكمن في حماية مساحات الحرية التي تنتزعها الآن بالدستور"، حسب تقديره.
وحول هيمنة السلطة على الصحف الخاصة والقومية، قال سلطان: "في أي نظام سياسي ستجد هناك نخبة تنافق هذا النظام، سواء في مجال الإعلام، أو مجال السياسة، أو المجال الثقافي أو حتى في مجال الدين.. ستجد على هامش السلطة دائما من ينافقها، المجالان الإعلامي والصحفي ليسا بعيدان عن هذه المنافسة".
واستهجن سلطان وجود "أصوات صحفية وإعلامية تنافق النظام، وتحاول أن تظهر دعمها لقمع الأصوات المعارضة، ومباركة التضييق على مساحات الحرية المتبقية".
ورأى أن مستقبل الصحافة المصرية على المحك، وقال: "الأكثر ضررا في فترة ما بعد 3 يوليو 2013 هي الصحف القومية؛ لأنها الأكثر تأثرا بسيطرة السلطات الحاكمة أيا كانت".
ولاحظ سلطان أن "انحسار مساحة الحريات بدأ يتسع بشكل واضح في السنة الأخيرة، وإن كنا ما زلنا نعيش في مساحة صغيرة من الحرية من مكتسبات ثورة 25 يناير، ولكنها تتآكل الآن. وأتصور أنه إذا استمرت هذه الأحوال فسنعود لعصور ما هو أسوأ من عصر مبارك"، حسب تعبيره.
وذكّر سلطان بأن "هناك العشرات من الصحفيين معتقلين على خلفية آرائهم ومواقفهم السياسية، ولا يمكن اتهامهم بأنهم يدعمون الإرهاب، لأن ذلك يعد إهانة لنقابة الصحفيين، والمؤسسة الصحفية التي يعملون فيها، وبعضهم ينتمون لصحف قومية".
ورأى رئيس تحرير "المصريون" أن التضييق على الصحافة يندرج في إطار "الخشونة الزائدة التي تتعامل بها أجهزة الدولة مع الأصوات المعارضة، خاصة في الصحافة التي تعمل في إطار قانوني وداخل الوطن وبسقف أدنى للنقد".