تناول مقال اقتصادي نشر على صحيفة الإيكونوميست البريطانية، أسباب وعواقب انهيار وانخفاض السوق
الصينية، والضربات المؤلمة التي امتدت إلى ما هو أبعد من أسواق البورصات.
وقال المقال الذي ترجمه موقع "نون بوست" الإخباري إن: "الانخفاض بدأ ببراءة في
الأسواق الصينية، وحينها، وفي البداية على الأقل، كان يُظن بأن الأسواق الصينية تعمد إلى إجراء عملية مقاصة صحية لإرجاع أسعار الأصول إلى وضعها الطبيعي في الصين، ولكن الهبوط الذي بدأ في أسيا، والذي جاء في أعقاب انخفاض كبير في الأسواق الأمريكية يوم الجمعة، استمر بتحقيق الزخم، والآن يبدو الوضع مقلقا للغاية".
وبين المقال أنه "عندما أغلقت الأسواق في شنغهاي يوم الاثنين، كان انخفاض الأسهم قد وصل إلى 8.5%، وهو أسوأ تراجع تشهده شانغهاي في يوم واحد منذ ثماني سنوات، حيث أطلقت صحيفة الشعب اليومية الناطقة باسم الحزب الشيوعي، اسم "الاثنين الأسود" على هذه الحادثة".
وبناء على ذلك، لفت المقال إلى أنه حينئذ "بدأ التوتر يشع إلى الخارج من الصين، حيث تراجع مؤشر
نيكاي في اليابان بنسبة 4.6%، البورصات الأوروبية انخفضت ما بين الـ4% إلى الـ5%، وافتتح مؤشر داو جونز منخفضا أكثر 1000 نقطة، ورغم أن بعض الأسهم استردت بعضا من عافيتها، ولكن المؤشرات الرئيسية لا تزال منخفضة بنسبة تقارب حوالي الـ4%، فمثلا عانى مؤشر يوروفيرست 300 من أسوأ يوم له منذ عام 2009، ومؤشر داكس الألماني فقد الآن جميع المكاسب التي حققها في عام 2015".
وأشار المقال إلى أن "الضربة المؤلمة امتدت إلى ما هو أبعد من أسواق البورصات، فأسعار العملات في الأسواق الناشئة من الراند الجنوب أفريقي إلى الرنجيت الماليزي تتهاوى بعنف، وأسواق السلع الأولية تتهاوي على حد سواء، سعر النفط بلغ أدنى انخفاض له منذ ست سنوات ونصف السنة، والمؤشرات الأوسع نطاقا المؤلفة من 22 سلعة أولية متجمعة تحت اسم بلومبيرغ وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ عام 1999، ووحدها الأصول الآمنة كالسندات الحكومية التي تصدرها دول مثل أمريكا وألمانيا تعيش أياما جيدة الآن، حتى الذهب وصلت أسعاره إلى مستوى منخفض، والمستثمرون الذين يستخدمونه كضمان إضافي لشراء الأسهم والأصول الأخرى أصبحوا مضطرين لبيعه لتلبية طلبات التغطية".
وتساءل المقال بعد هذه المقدمة عن سبب اضطرابات الأسواق؟ في الوقت الذي أجاب فيه على التساؤل بقوله: "إن السبب المباشر لهذا كله هو سلسلة من الأحداث التي بدأت مع الانخفاض المفاجئ لقيمة اليوان في 11 أغسطس، أكثر من 5 تريليون دولار تم مسحها من أسعار الأسهم العالمية منذ ذلك الحين، ولمجموعة من البيانات المخيبة للآمال التي تشير إلى أن النشاط الصناعي الصيني يتباطأ بشكل حاد، وتلازم هذا التباطؤ مع فشل الحكومة الصينية في كشف النقاب عن خطة جديدة وجريئة للتدخل في السوق لدعم أسعار الأسهم".
وتابع في الإجابة بأن "الأسواق الناشئة تم التضييق عليها من قِبل بنك الاحتياطي الفيدرالي، الذي هيأ
الاقتصاد العالمي لتوقع أول ارتفاع في سعر الفائدة منذ ما يقرب عشر سنوات في سبتمبر، فضلا عن أن القيود الائتمانية النقدية في أمريكا أدت إلى انخفاض تدفقات رؤوس الأموال تجاه الاقتصاديات الناشئة الكبيرة، وإلى تطبيق ظروف صعبة على الشركات والحكومات التي تلتزم بسداد قروض مقومة بالدولار".
ورأى المقال أن "الهبوط في
البورصة الصينية لم يكن محتملا؛ نظرا للارتفاع المذهل الذي حققته في النصف الأول من هذا العام، لذا ينبغي وضع هذا الهبوط ضمن سياقه السليم؛ فسوق شنغهاي لا يزال يرتفع بمقدار 43% عن مستواه في العام الماضي، والأثر الضارب لهبوط البورصة الصينية يجب أن يتم قصره على المدى القصير، ولا بد لنا من أن نعلم بأن معظم الثروة الصينية غير متداولة ضمن سوق الأسهم، لأن جلها يتمثل بالممتلكات والعقارات، وهذا السوق ازداد استقرارا في الأشهر الأخيرة، وعلاوة على ذلك، الحكومة الصينية لم تطلق العنان حتى الآن لتدخلاتها الأقوى في السوق، فعلى سبيل المثال يمكن للحكومة الصينية أن تخفض من متطلبات الاحتياطيات لدى البنوك لمعالجة هذه الأزمة".
واستبعد المقال أن "تتكرر الأزمة المالية الأسيوية لعام 1997، كون الحكومات الآسيوية باتت في وضع أفضل بكثير لمواجهة هذه الأنواع من التغيرات في المناخ الاقتصادي".
بيد أن المقال رأى أنه لا من وجود "سبب وجيه للقلق، إن لم يكن للذعر، حيث تثور أسئلة جوهرية حول الصين، التي تدير اقتصادا ينتج حاليا 15% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي ويضطلع بحوالي نصف النمو العالمي، وقدرة الحكومة الصينية على إدارة تقلبات السوق والغرائز الحيوانية أصبحت محل تساؤل، مع طروحات تتوقع بركود صيني على غرار الركود الياباني، كما أن احتمالات حدوث تباطؤ صيني حاد ستزداد إذا استجابت الحكومة الصينية لاضطرابات السوق من خلال إنهاء عملية الإصلاح الهيكلي التي تهدف إلى تسهيل إعادة التوازن".
وطبقا لما جاء في المقال، فإنه "مع تعثر الأسواق الناشئة، وعدم اكتمال إعادة التوازن الصينية، أصبحت الاقتصاديات الغنية في موقع المحرك الوحيد للنمو الاقتصادي، وهذه احتمالية مثيرة للقلق، كون الانتعاش الاقتصادي الأوروبي مازال هشا، ويعول بشكل كبير على التصدير، ومن جهة ثانية، فإن الاقتصاد الأمريكي هو أكثر قوة، ولكن على الرغم من أن البنوك الأمريكية اليوم هي أكثر صحة، والمستهلكين أقل مديونية مما كانوا عليه قبل أكثر من عقد من الزمان، فإن الاقتصاد الأمريكي يشارك اليوم بحصة أصغر من الناتج المحلي الإجمالي العالمي مما كان عليه في التسعينيات وفي بداية القرن الحالي".
وختم المقال بالإشارة إلى أن "حكومات العالم الغني لديها اليوم مساحة ضيقة للغاية للتحرك لتعزيز اقتصادياتها، فأسعار الفائدة لا تزال في الحضيض، إن لم تكن قد وصلت إلى الجانب السلبي، والديون والعجوزات وصلت إلى مستويات فلكية من شأنها أن تحول دون خرق ركود سياسات الإنفاق، هذا في حال توافرت الرغبة بتحقيق هذا الإنفاق، وهو أمر ليس متحققا".