منطلقات نحو رؤية جديدة
إن الحالة الثورية التي تدفع أبناء الأمة إلى بذل أغلى التضحيات لابد أن تدفعهم أيضا - وفي الوقت نفسه – إلى يقظة ووعي وإمتلاك أدوات تحقيق أهداف الثورة، وأول هذه الأدوات هو امتلاك الرؤية وكذلك المسارات التي يمكن أن تتحقق من خلالها، فشتان بين أن تشخص الأزمة على أنها مجرد ابتلاء وتجلس لتنتظر ماذا سيفعل هذا الابتلاء بك، وبين أن تعتبر أن الابتلاء ما نزل إلا لأسباب وأنه إنذار من الخالق سبحانه وتعالى لك؛ لكي تبدأ مسيرة التغيير والتصحيح.
الابتلاءات للأمم الحية هي بداية اليقظة، والتاريخ يحدثنا دائما أن الابتلاءات تأتي كمقدمة لعطاء إلهي، ولكن شريطة أن نستقبلها - بجانب الصبر - بيقظة، والبحث عن أسباب هذا الابتلاء.
وحين حدثنا أحد الأساتذة في إحدي المناسبات عن أن الابتلاءات هي علامة من علامات الطريق، قلت له نعم، شريطة أن يكون هذا الطريق مستقيما وليس دائريا، نمر به على الابتلاءات مرات ومرات بنفس المداخل ونفس المخارج.
غير أن ما يبعث على الأمل أن اللحظة الثورية التي نعيشها وصلنا إليها بعد أن عجزت كل الوسائل الأخرى عن تلبية طموحات الشعوب، وسدت الأبواب أمام الطرق الأخرى، بما فيها منظومة الإصلاح المتدرج البطيء، فجاءت لحظة المطالبة بالتغيير الجذري، وهذا ما نعنيه باللحظة الثورية، ومن هنا كان من غير المنطقي أن يطرح البعض "السلمية" كأنها مقابل للثورية، فيمكن أن يكون المسار الثوري سلميا، بينما قد يلجأ البعض لاساليب غير سلمية في مسار تغييري طويل المدى.
نعود لاستكمال طرح رؤية مكتب الإخوان في الخارج، وقد تحدثنا في المرات السابقة عن المنطلقات والقواعد الحاكمة لهذه الرؤية، واليوم نبدأ بالحديث عن المستهدفات العامة لها.
المستهدف الأول : الإسهام الفعال في تحقيق أهداف الثورة في هذه اللحظة الفاصلة من تاريخ الأمة وذلك من خلال عدة أمور:
1- نسعى لكسر الانقلاب العسكري كخطوة أولى رئيسية في إطار رؤية أوسع لبناء دولة على أسس جديدة في
مصر، دولة عزة وكرامة وحرية لأبنائها، مع النهوض بأوضاع المجتمع نهوضا شاملا في جوانب حياته كلها، مدركين بوعي أمرا في غاية الأهمية، أننا لا نقبل محاولة العودة إلى مجتمع ودولة ما قبل 2011، كما لا نستهدف تجربة الحكم بالقيود والشروط التي فرضت علينا ولا بالرؤية والتقديرات التي أظهرت الأيام خطأها.
2- نسعى للوصول لأعلي درجات الوضوح في الرؤية، والفاعلية في الحركة ترشيدا وتفعيلا لدور الإخوان. ويقتضي وضوح الرؤية إدراك العمق الحضاري، والأبعاد الإقليمية والدولية للصراع، كما تقتضي فاعلية الحركة امتلاك أدوات إدارة الحركة التي نسعى لامتلاكها مثل:
* أدوات صناعة الرؤى والتوجهات والخطط المناسبة.
* أدوات تأسيس ودعم أحلاف دولية عل مستويات مختلفة، لنتواصل مع القوى الطامحة للتغيير لتحقيق دعم متبادل مع هذه القوى والتيارات المختلفة.
* أدوات ترتيب علاقات فاعلة مع الدول والمجتمعات التي تناصر حرية الشعوب.
* أدوات تحسين الصورة الذهنية عن الإخوان لدى شعوب ودول العالم.
* أدوات التحرك بفاعلية على الساحات الإقليمية والدولية وإدارة برامج للحراك والتأثير الدولي إعلاميا وسياسيا وحقوقيا وغيرها.
ولعل واحدا من أهم هذه الأدوات؛ القدرة على الجمع بمرونة وتوازن بين فكر عميق طويل الأجل وتحرك عملي سريع على ساحات محددة وإجراءات سريعة ومشاريع قصيرة الأجل، نوازن بذلك بين المطلوب والممكن من خلال منظومة إدارية قادرة وفعالة.
المستهدف الثاني: الإسهام الفعال في قيادة عملية جادة لتطوير الجماعة فكرا وتربية وتنظيما، وحركة بما يناسب الأدوار الجديدة وذلك من خلال عدة أمور:
· إنجاز عملية مراجعة حقيقة من خلال:
* رصد ودراسة علمية وتوثيق تاريخي.
* تقييم للممارسات والتجارب العملية خاصة بعد الثورة.
* مراجعة المنظومة الفكرية والتربوية.
* مراجعة طرق التنظيم والإدارة (آليات صنع القرار, التصعيد القيادي .. إلخ )
· الاستفادة من طاقات وخبرات ورؤي الأمة علي اتساعها بمفكريها وحركييها القريبين والناقدين والفاحصين لعمل الجماعة، فالأصل أن الأمة كلها مهتمة بتطورات الجماعة الإسلامية الأم، والأصل أيضا أن الجماعة تحرص كل الحرص على الاستفادة من عطاء وإسهام كل قادر على المشاركة في هذا الجهد.
وسنستكمل في مقالات تالية الجوانب الأخري من الرؤية من برامج العمل والسياسات الحاكمة لعمل المكتب وغيرها من الموضوعات الموجودة بوثيقة الرؤية.
* الكاتب هو رئيس مكتب الإخوان المصريين بالخارج.