قالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن رئيس
السلطة الفلسطينية العجوز
محمود عباس في تحركاته الأخيرة ربما كان يعبد الطريق لخليفته، أو ربما كان يحاول شل وقطع الطريق على منافسيه. فالرئيس عباس يخطط، كما يقال، لإلقاء خطاب مهم يوضح فيه معالم استراتيجية جديدة للكفاح الوطني الفلسطيني، مع أن المحيطين به ليسوا متأكدين مما سيقول،ه أو أنه يحاول تأكيد شرعيته، أو رفد المؤسسات الفلسطينية العاجزة بدماء شابة.
وتقول جودي رودورن في تقريرها للصحيفة إن الطبقة السياسية في رام الله مليئة بالنقاشات والتفسيرات حول خطوات عباس الأخيرة، التي تركزت على دعوة المجلس الوطني الفلسطيني للاجتماع، الذي لم يلتق أعضاؤه السبعمئة منذ عام 1996.
ويشير التقرير إلى أن أمين مقبول، وهو أحد قادة حركة
فتح، قد قال إن الرئيس عباس، الذي يحتفل بعيد ميلاده الثمانين هذا العام، لن يترشح لرئاسة منظمة التحرير الفلسطينية. وتقول ديانا بطو، التي تقيم في رام الله، وعملت مرة مع عباس قبل أن تتحول لنقده: "يحكم بالحد الأدنى منذ عام 2009، وقد يعود إلى فترة عام 2006، من الصعب التعامل معه بجدية"
وتضيف بطو للصحيفة: "قال إنه لا يريد ترشيح نفسه، ولكنه لم يقل إنه لن يقبل ترشيحه، فدائما ما يبقي الباب مفتوحا". وقال قدورة فارس، وهو أحد قادة حركة فتح إن تصريحات عباس "ليست حيلة"، وتحدث فارس لمحطة إذاعية
إسرائيلية قائلا: "وصل إلى نهاية مساره السياسي"، وأضاف: "هذا أمر جدي، وليست تهديدات".
ويقول فارس: "يبدو أن الكيل قد طفح بأبي مازن". ورفض عباس الرد على طلب لمقابلته، لكن المحيطين به يقولون إنه يشعر بالإجهاد والإحباط، ولكنه يركز على اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني المقرر عقده في 14 أيلول/ سبتمبر الحالي، وعلى اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة نهاية هذا الشهر، واجتماع حركة فتح في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر.
وتبين رودورن أن عباس استمر في الحكم منذ 11 عاما، حيث كان من المقرر أن تكون فترته 4 سنوات، لكن غياب الانتخابات جعله في السلطة طوال هذه المدة. وخسر عباس ثقة الناخب الفلسطيني، فقد أظهر استطلاع نشر يوم الثلاثاء أن الثقة بالرئيس تراجعت إلى نسبة 16% من 22% في آذار/ مارس.
ويلفت التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن العملية السلمية التي علمت فترته الرئاسية أصبحت في عداد الأموات، فيما تقف المصالحة الوطنية بين حركتي فتح وحماس، التي تحكم غزة على بوابة المقبرة. وتعاني السلطة الوطنية الفلسطينية من أزمة مالية دائمة، فيما يعيش الاقتصاد في الضفة الغربية وقطاع غزة من حالة ركود.
وتلاحظ الصحيفة كيف تراجعت القضية الفلسطينية من المرتبة الأولى في أولويات المجتمع الدولي والعالم العربي إلى المرتبة الأخيرة، مشيرة إلى أن كلا من الولايات المتحدة وأوروبا والعالم العربي منشغل بالصفقة النووية مع إيران والحرب ضد تنظيم الدولة. ومثال على هذا الحال غياب مقترح فرنسي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية من أجندة الأمم المتحدة.
وتجد الكاتبة أنه بسبب غياب الاهتمام الدولي قرر عباس التحول إلى الداخل. ويقول مساعدوه إنه ينوي عزل أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ممن قضوا فيها ردحا من الزمن، بالإضافة إلى تغيير قيادة حركة فتح. ويرى النقاد أن ما يقوم به عباس هو حملة تطهير لأي شخص يدعم قيادة بديلة عنه، مثل مروان برغوثي أو محمد دحلان.
ويذكر التقرير أن هناك يافطة ظهرت في ساحة المنارة في رام الله قبل فترة، وظهر عليها عباس وسلفه الرئيس عرفات، وكتب عليها "سنظل الشرعية ضد المؤامرات الداخلية والخارجية".
وتنقل الصحيفة عن نائب رئيس الوزراء الفلسطيني زياد أبو عمرو قوله: "يحتاج الفلسطينيون لتغيير استراتيجياتهم وتعديل أوراقهم، وهذا يقتضي تجديدا في القيادة وتقوية مؤسساتنا". وأضاف: "ما نقوم بعمله في منظمة التحرير هو جزء من تحضير أنفسنا جيدا لمواصلة الكفاح الوطني".
وتورد رودورن أن محمد شتية، وهو أحد قادة حركة فتح ومن المقربين لعباس، يقول: "الرسالة للفلسطينيين هي أننا ندخل دماء جديدة"، مع أنه وعدد آخر من قادة حركة فتح امتنعوا عن ذكر أسماء. وتكهن قائلا: "نريد استراتيجية جديدة، هذا ما يقوله" أي عباس. وعندما سئل عن طبيعة هذه الاستراتيجية، أجاب: "لا أدري".
وتنوه الصحيفة إلى أن البعض قد عبر عن قلقه من أن الاستراتيجية الجديدة قد تكون إعادة ترتيب كراسي الطاولة. واستخدم عضو اللجنة المركزية لحركة فتح توفيق الطيراوي، منذ ثلاثة عقود المثل الشعبي الذي يقول: "ما يجري الآن هو طحن حبات السمسم"سواء كان فيه زيت أم لا.
ويقول الطيراوي، الذي كان مقربا من عرفات، وانتقد دائما تركيز عباس على المفاوضات: "تغيير القيادة من أجل تطبيق خطط واستراتيجيات سياسية مختلفة، هذا أمر جيد" وأضاف: "لو اقتصر الأمر على تغيير الأشخاص دون تغيير الخطط والاستراتيجيات، فإنه أمر سيكون ليس جيدا"، لكن تغيير من يجلس على الطاولة ليس بهذه البساطة، بحسب الصحيفة.
ويلفت التقرير إلى أنه في بداية الصيف قرر عباس عزل ياسر عبد ربه من الأمانة العامة لمنظمة التحرير الفلسطينية،، وتعيين كبير المفاوضين صائب عريقات، لكن عبد ربه رفض تقديم استقالته من اللجنة التنفيذية.
وتورد الكاتبة أن مستشار عباس نمر حماد يرى أن الهدف الرئيس للاجتماع القادم هو تعيين نائب للرئيس، ويعد عريقات من المرشحين المحتملين لتولي المنصب والآخر هو مدير المخابرات ماجد فرج. مشيرة إلى أن النزاعات في قمة القيادة لا تهم الشارع الفلسطيني بقدر كبير، فهو مشغول بهموم البحث عن عمل، وتأخر إعمار غزة.
ونشرت كبرى الصحف الفلسطينية في الضفة صحيفة "القدس"، فيديو سئل فيه مارة في شوارع رام الله، أن يسموا واحدا من أعضاء اللجنة التنفيذية وتعريف دوره، حيث وجد الكثيرون صعوبة في ذكر اسم واحد منهم.
ويتناول التقرير وجهة نظر مدير المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية خليل الشقاقي، الذي يقول: "أعتقد أن معظم الرأي العام لا يؤمن بهذا كله". ويضيف الشقاقي إن عباس ليست لديه أجوبة لما يهم الرأي العام، ويتساءل: "لماذا فشل في توحيد الضفة الغربية وقطاع غزة؟ ولماذا عجز عن مواجهة أمريكا وإسرائيل؟ ولماذا لا يعالج مسألة الفساد في الداخل؟ ولماذا يفتعل المشكلات مع أشخاص من داخل وخارج حركة فتح؟".
ويرى الشقاقي أنه عوضا عن مواجهة هذه القضايا "يعقد عباس اجتماعا للمجلس الوطني الفلسطيني لتعزيز قوته. وإذا كان هذا هو الهدف فإلى أي حد يريد عباس المضي؟ هل يريد تعزيز السلطة والبقاء فيها أم خلق ظرف لنقل السلطة لشخص يختاره؟"
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن الوزير السابق والمحاضر الآن في جامعة بيرزيت علي الجرباوي، يقول إن "أي شخص يخبرك أنه يعرف ما يفكر به يضلك"، ويضيف: "هذا الأمر لا علاقة له بالشخصيات بل هو نزاع على السلطة، ولا أعتقد أن شخصا في السلطة يرغب بمغادرتها بقرار من ذاته لو ترك الأمر له".