مهنة "الحمّرجي".. لا غنى عنها لنقل مواد البناء بنابلس (صور)
نابلس - عربي21- سري سمور03-Sep-1509:46 AM
شارك
مهنة "الحمرجي" تلقى رواجا في نابلس رغم تطور آلات البناء - عربي21
كنت أقود السيارة وصديقي معي في أحد شوارع الجبل الشمالي في مدينة نابلس التي تقع على سفح وبين جبلي عيبال وجرزيم. لم أكترث بحكم معرفتي بالأمر بعدد من الحمير التي يقف قربها عدد من الرجال أقوياء البنية، وهي غير مربوطة بأي حبل تصعد أحد الأدراج تباعا. ولكن صديقي طلب مني بحماس شديد أن أتوقف متسائلا عن سبب وجود هذا العدد من الحمير (حوالي 8 حمير)، فخففت من السرعة وشرحت له بشكل عابر أنها تستخدم لنقل مواد البناء مثل الرمل والصرار (الحصمة) لإحدى ورش البناء، فزاد استغرابه وهو الذي له خبرة في عمل الدواب في أعمال الحراثة.. ولم يسبق أن رأى مثل هذا في جنين، وهي مدينة سهلية لا تلزم فيها الدواب لنقل مواد البناء ومثلها طولكرم وقلقيلية، فأوقفت السيارة ونزلت معه للاطلاع على عملية النقل عن كثب.
كانت هناك كومة من الرمل على جانب الطريق، ويقوم أحد العمال بتعبئة كيس خاص (يسمى المشتيل) على ظهر الحمار الذي يسير إلى أول الدرج بسهولة نسبيا مع العامل صاعدا الدرج لإفراغ حمولته والعودة من جديد.
لاحظ العمال اهتمامنا ومراقبتنا فألقوا علينا التحية، وبدأ صديقي يطرح عليهم الأسئلة: وأول سؤال بالطبع هو: لماذا تستخدم الحمير في عملية النقل ونحن في عصر الآلات الحديثة؟ أجاب العامل باهتمام، خاصة بعدما عرف أننا لسنا من سكان المدينة والأمر غير مألوف عندنا: "عمي الماكنات ما بتقدر ترفع لفوق، فكما ترى هذا جبل مرتفع لا يمكن الصعود له إلا بالدرج الذي يربط بين المنازل على سفح الجبل عن اليمين واليسار"، سأل صديقي "الحمرجي" (وهو اسم ممتهن هذه المهنة): "أكيد الحمير بتتعب كثير فلازمها أكل أكثر، وبعدين أنا شايفها قوية وضخمة"؛ ابتسم الحمرجي: "آه طبعا، لازم توكل مليح ومش أي حمار -لا تآخذني- بقدر يشتغل الشغل هذا، لازم يكون الحمار قوي وظهرو عريض وصدرو كبير، قبرصي يعني"... وهذا المشهد مع الحوار ربما يلخص مهنة "الحمرجي" في مدينة نابلس.
وعندما يصل الحمار بعد صعود حوالي 300 درجة بحمولته، إلى البناية التي فيها الورشة، فإنه يفرغ حمولته حيث يريد عمال البناء، ويرجع ليعيد الكرّة. ولأن الحمار عموما يتعلم بسرعة بحكم التكرار، فإنه قد لا يحتاج إلى أن يمسك به العامل إذ إنه تكفيه بعض الصرخات والأصوات التي يطلقها العامل ليستدل الحمار على الطريق.
وإذا كانت الحمير لا تزال تستخدم في كافة المحافظات تقريبا في أعمال حراثة بعض البساتين التي لا يمكن للجرّار الزراعي دخولها، أو لرغبة أصحابها بتقليل تكلفة الحراثة، أو يستخدمها بعض الباعة لبيع الألبان أو بعض الفاكهة الصيفية كالتين والصبر، أو ما كان دارجا في الفترة ما بين 2001 و2006 حيث كانت الحمير تستخدم لنقل البضائع وبعض المسافرين من كبار السن عبر الطرق الوعرة والوديان إبان الحصار المحكم الذي فرضه الاحتلال خاصة على مدينة نابلس.. فإن نابلس هي الوحيدة التي تستخدم فيها الحمير لنقل مواد البناء، نظرا لطبيعة البيوت الواقعة على سفوح الجبال وصعوبة تعذر استخدام الآلات الحديثة أحيانا.
إضافة إلى ذلك، فإن نقل مواد البناء باستخدام الحمير قليل التكلفة نسبيا؛ فإنه لنقل حمولة شاحنة رمل أو صرار يتقاضى "الحمرجي" مبلغ 300 شيكل (حوالي 76 دولارا) لنقلها إلى ورشة البناء، وهو مبلغ بسيط مقارنة مع أجرة الرافعة الكهربائية، هذا لو كان بالإمكان استخدام الرافعة أصلا.
وهناك قليل من العائلات في مدينة نابلس تمتهن هذه المهنة وتعتاش منها، والطلب عليهم كبير وأحيانا الحجز يتم عبر الهاتف النقال، وقد يضطر صاحب ورشة البناء إلى انتظار دوره، ويبلغ سعر الحمار عادة ما بين 300 و400 دينار أردني، ويؤكد عدد من سكان نابلس ممن تجاوزوا الستين عاما أن عدد الحمير التي تستخدم لنقل مواد البناء كان أكثر في الزمن الماضي، وقد تراجع العدد كثيرا لأن الرافعات الصغيرة صار يمكنها أن تصل إلى مناطق غير وعرة في المدينة، خاصة في منطقة البلد والسوق التجاري.
ومع أن نابلس مدينة متطورة وتعتبر العاصمة الاقتصادية للأراضي الفلسطينية، فإنه لا غنى لأصحاب ورش البناء، خاصة في الأماكن الجبلية المرتفعة، عن الاستعانة بـ"الحمرجي".