لم يكد رئيس الوزراء
المصري إبراهيم
محلب يعود إلى القاهرة، مختتما زيارته لتونس، الثلاثاء، حتى وجد مدفعية ثقيلة في انتظاره من الإعلاميين والصحفيين المصريين، تفتح ملف قضية "القصور الرئاسية" المتهم بالفساد فيها، ومطالبة بعضهم لرئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي، بإقالته فورا، بعدما اعتبروا انسحابه من المؤتمر الصحفي الذي جمعه بنظيره
التونسي الحبيب الصيد "فضيحة"، وفق تعبيرهم.
ومثل كرة ثلج تدحرجت بسرعة في مصر، جاءت الكلمات التي تفوه بها الصحفي التونسي مقداد الماجري، في المؤتمر بحضور محلب، إذ خاطبه قائلا: "وزير الزراعة في حكومتكم استقال بسبب شكوك كبيرة، وشبهات فساد.. وحضرتكم متهم رئيسي في قضية فساد "القصور الرئاسية".
ولم يكد الماجري ينتهي من سؤاله، حتى استشعر محلب الإهانة، فلم ينتظر تكملة السؤال، ولم يقدم ردا عليه، بل سارع غاضبا بالخروج من القاعة، دون أي مراعاة لمضيفه، ولا للصحفيين الحضور، ولا لقواعد البروتوكول.
وتصور "محلب" أنه سيخرج من هذه "اللقطة" بطلا فيما يبدو، حتى إنه علق عليها في لقائه بالجالية المصرية في تونس بالقول: "بعض أهل الشر حاولوا استغلال قضية الفساد بوزارة الزراعة بشكل سيء".
وقال، في حوار مع "البوابة"، الخميس: "إن كل هذه المحاولات (يقصد سؤال الماجري في المؤتمر) ما هي إلا محاولة لإحراج رموز الدولة المصرية، متمثلة في رئيس حكومتها، لكن نحن ماضون في استكمال المرحلة الأخيرة لخارطة الطريق، ولن نلتفت لمحاولات هدم الدولة المصرية، ولن نرد عليها إلا بالعمل على أرض الواقع، وتحقيق أكبر قدر ممكن من النجاحات.
لكن قطاعا عريضا من الإعلاميين والصحفيين المصريين وجدوا فيما فعله محلب "فضيحة"، وطالبوا السيسي بإقالته.
أما ما لم يكن في حسبانه فهو أن صحفيين وإعلاميين مصريين فتحوا ملف فساده في قضية "القصور الرئاسية"، التي ذكرهم بها زميلهم التونسي.
قضية "القصور الرئاسية"
تعود قضية "قصور آل مبارك" إلى اتهام نيابة الأموال العامة للرئيس المخلوع
حسني مبارك وعائلته باختلاس مبلغ 125 مليون جنيه، لإنفاقها على ممتلكاته الخاصة، وقد ورد اسم محلب فيها بصفته رئيس مجلس إدارة شركة "المقاولون العرب"، التي سهلت حينها الاستيلاء على المال العام.
لكن قرار الاتهام -الصادر من النيابة العامة- جاء خاليا من اسم محلب، برغم وروده في مذكرة التحريات التي أعدها الضابط بهيئة الرقابة الإدارية: "معتصم فتحي".
قضائيا، كان نصيب مبارك، ونجليه، في هذه القضية من العقوبة: الحبس بثلاث سنوات، بتهمة إهدار المال العام.
وكان بالقضية آخرون متهمون، منهم مسؤولون بشركة "المقاولون العرب"، وتمثلت المسؤولية القانونية للشركة، وفق تحقيقات النيابة، في تزوير المحررات الرسمية، وهي فواتير ومستخلصات أعمال مراكز اتصالات الرئاسة، للسنوات المالية من 2002 حتى 2010.
وأشارت التحقيقات إلى أن المتهمين قاموا بإدراج تلك الفواتير على خلاف الحقيقة، بجانب استعمالهم المحررات المزورة محل الاتهام مع علمهم بتزويرها، وقدموها للمختصين بوزارة الإسكان، ليتوصلوا إلى صرف 125 مليونا و237 جنيها، من موازنة مشروع مراكز اتصالات رئاسة الجهورية، إلى شركة "المقاولون العرب"، نظير أعمال التطوير التي تمت بالمقرات الخاصة بمبارك، ونجليه، دون وجه حق، مما ألحق ضررا بأموال الوزارة.
وبناء على تحقيقات النيابة، صدر الحكم بمعاقبة مبارك بالسجن ثلاث سنوات، ونجليه بالسجن أربع سنوات، والحكم عليهم مرة أخرى عقب إعادة المحاكمة بالسجن ثلاث سنوات للجميع.
والغريب أنه لم يُذكر اسم إبراهيم محلب في القضية، وإنما ذكر في محضر التحقيقات، ولم يخضع لأي تحقيق رغم أنه رئيس مجلس إدارة شركة "المقاولون العرب" في الفترة من 2001 إلى 2012.
عدد من خبراء القانون قالوا إن "المقاولون العرب" شريكة قانونا، في القضية، ما يستوجب التحقيق مع رئيس مجلس إدارتها، أيا كان اسمه، وفي حالة ثبوت تورطه تجب معاقبته أسوة بمبارك، إذ لا يتم أي شيء داخل الشركة، إلا بعلم رئيس مجلس إدارتها، مما يجعل "محلب" طرفا في القضية.
هجوم.. لا تكريم
ولدى عودته من تونس، كان أكثر المهاجمين لمحلب هو الإعلامي المقرب من السيسي، "إبراهيم عيسى"، إذ قال إن رئيس الوزراء، رجل وطني، ومخلص لوطنه، ونشيط، لكنه أصبح الآن عبئا على الدولة، ويجب عدم الإبقاء عليه بعد أن ثبت فشل منهجه في إدارة الحكومة.
ووجه عيسى حديثه -خلال برنامجه "25/30" عبر فضائية "أون تي في"، الأربعاء إلى السيسي قائلا: "المشهد الآن فاضح، ومنهج محلب في الإدارة قديم، وأثبت فشله، ويلقي عليك مسؤوليات أنت في غنى عنها، ولديك ما هو أهم".
وأضاف عيسى أن السيسي أذكى من أن يبقي على رئيس حكومة أثبت عدم قدرته على السيطرة على أعصابه، وضبط تصرفاته، مشيرا إلى انسحاب محلب من المؤتمر المشترك مع رئيس الحكومة التونسي، على إثر سؤال صحفي حول تورطه في قضية "القصور الرئاسية".
وتابع: "هذا الموقف أثبت فيه محلب أنه ليس رجل سياسة، ولا يصح أن يكون رئيس وزراء الدولة التي علمت العالم السياسة، بدرجة موظف لا يجيد التصرفات السياسية".
ومن جهته، اتهم الكاتب الصحفي في "الأهرام، كارم يحيي، محلب بالكذب، ووصفه بأنه "رئيس وزراء الكذب"، معتبرا أن ما فعله "رئيس وزراء مصر، وهو في سدة المنصب، يفوق كل وصف، وكل فجور في إهانه المواطنين، والعقل، والحقيقة.
وبعد استعراضه ما حدث في المؤتمر الصحفي من انسحاب محلب، قال كارم يحيي إنه متيقن من أن النيابة العامة في عام 2012 كانت قد طلبت محلب رئيس مجلس إدارة "المقاولون العرب" للتحقيق في القضية، لكنه فضل أن يستقيل، ويغادر إلى السعودية، من دون أن يواجه التحقيق.
وأوضح أن محلب لم يعد إلى مصر المحروسة إلا عندما جرى تعيينه وزيرا للإسكان في حكومة حازم الببلاوي 2013، إذ سارت القضية بعدها أمام المحاكم، وقد خلت من اسم "الوزير الجديد" بين قائمة المتهمين.
وأضاف يحيي: "ما يهمني في هذه اللحظة هو سوء أداء رئيس الوزراء محلب إزاء الموقف الكاشف الذي تعرض له في تونس. فأثبت بنفسه أنه رجل لا صلة له بالسياسة أو الكياسة. بل وإنه ليس إلا موظف متواضع، لكن، وللأسف بدرجة رئيس وزراء مصر".
وشدد الكاتب على أن "انسحاب محلب أمر مؤكد، ومشين، ومؤسف، لأنه لم يقم بإهانة رئيس وزراء تونس وحسب كما قالت وسائل إعلام تونسية، بل وأهان الصحافة، والصحفيين، وقبلها أهان نفسه، والمنصب الذي يحمل لقبه.
وأضاف: "الفضيحة لم تتوقف عند هذا الحد الكاشف لضعف الرجل وارتباكه إزاء ماضيه في عهد مبارك المستبد الفاسد.. فالكارثة الحقيقية انتظرت عودته إلى القاهرة حين وقف بين صحفييه ليكذب كذبا صريحا مفضوحا، ويدعى زورا أنه لم ينسحب من المؤتمر الصحفي بتونس، وأنه رد على السؤال".
وتابع: "لا أود أن أذهب إلى ما يتناقله الشارع عن رئيس الوزراء "المقاول"، وأخلاق المقاولين، ومدى ملاءمة خبراتهم لمنصب سياسي ناهيك بمسؤولية رئاسة الحكومة، ولا أجد ما أنهي به المقال إلا القول بأن على رئيس وزراء الكذب هذا أن يرحل.. فلقد أساء لنفسه وللمنصب، وللبلد، بما فيه الكفاية، وزيادة".
واختتم مقاله بالقول: "ارحل يا رئيس وزراء الكذاب، وكفانا عارا".
من جهته، وصف جمال سلطان، محلب، في أحدث مقالاته، بأنه "رئيس وزراء فترة انتقالية، ومرحلة شغل الفراغ لتثبيت الوضع السياسي الجديد".
وأضاف: "أعتقد أن التطورات الأخيرة في وقائع الفساد التي عصفت بوزراء في حكومته، والإحراج الذي حدث له في تونس قد يقصرون من فترة بقائه، وهي في كل الأحوال لن تطول أبعد من كانون الأول/ ديسمبر المقبل، إذا كانت النيات جادة لإنجاز الانتخابات البرلمانية، وسيتم إقالته قبلها إذا كانت النية مغايرة".
أما الصحفي أحمد النقر فقال -في مداخلة مع إحدى الفضائيات- إنه تم استبعاد "محلب" من قضية القصور الرئاسية برغم وجود وثائق ضده، وهو ما اتفق فيه معه صحيفون وإعلاميون وناشطون كثيرون.