نشرت صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" تقريرا لمراسلها تايلور لوك، يقول فيه إن سياسة التدخل العسكري السعودي الجديدة تمر بامتحان في معركة وسط
اليمن، حيث أن ارتفاع عدد الضحايا يشكل تحديا للتأييد الشعبي للحرب.
ويشير التقرير إلى أنه بالنسبة للسعودية وجاراتها السنية في الخليج، فإن الحملة العسكرية في وسط اليمن في مأرب تعد الأكبر منذ 80 عاما، وبالنسبة لبعض أعضاء التحالف فهذه هي المرة الأولى التي يعرفون فيها الطعم الحقيقي للحرب.
ويقول الكاتب إن التحالف قام هذا الأسبوع بعملية برية هي الأكبر تصعيدا لحملة جوية دامت ستة أشهر ضد الحوثيين، الذين تقول
السعودية إنهم مدعومون من
إيران، في محاولة لإعادة تنصيب حكومة موالية للسعودية.
وتذكر الصحيفة أن المسؤولين العسكريين السعوديين يمجّدون، في العلن والسر، العمل العسكري في اليمن، ويصورونه على أنه مرحلة أولى في سياسة طموحة أشمل، تهدف للردع، ولوضع حد للنفوذ العسكري والسياسي الإيراني في المنطقة.
ويلفت التقرير إلى أن قطر قامت بإرسال ألف عسكري الإثنين إلى اليمن، مشيرا إلى أنها أكبر عملية عسكرية تقوم بها قطر، إضافة إلى عدة مئات من القوات السعودية والإماراتية والبحرينية، وبحسب بعض التقارير، فإن مصر قدمت 800 جندي لدعم القوات الخليجية.
ويورد لوك أن هناك خلافا حول عدد المقاتلين في القوات البرية التي تقودها السعودية، فبحسب قناة "الجزيرة" القطرية، فالعدد هو 10 آلاف جندي خليجي، تجمّعوا في اليمن منذ الأربعاء، مستدركا بأن المصادر العسكرية السعودية والمحللين يقولون إن الرقم هو 4 آلاف. ولكن كون قوات التحالف تضع صنعاء نصب عينيها، فيتوقع أن يتجاوز العدد 10 آلاف بسرعة.
وتشير الصحيفة إلى أن محافظة مأرب، وهي محافظة غير مأهولة بالسكان، لا تبدو مركزا للمعركة في سياسة الخليج العسكرية المستقبلية، ولكنها أصبحت بسبب وجود مصافي البترول ومخازن الأسلحة وخطوط إمداد الحوثيين على بعد 75 ميلا شمال صنعاء، محل تركيز قوات التحالف؛ لقطع الإمدادات للحوثيين في صنعاء، وهي مفتاح النصر.
أثر تزايد عدد الإصابات
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأنه بعد ثلاثة أيام فقط من بدء المعركة في مأرب، يظهر أن هذه أكبر عملية عسكرية تقوم بها السعودية منذ عام 1934 خلال الحرب السعودية اليمنية، وهي أول مرة يتعرض فيه كثير من حلفاء المملكة لتكاليف الحرب.
وينقل الكاتب عن الخبير في الخليج وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة (A&M) في تكساس جورج غوس، قوله: "هذه في الحقيقة هي المرة الأولى لكثير من هذه البلدان، التي تذهب فيها خارج حدودها، وبالنسبة للسعودية هذه هي المرة الأولى منذ ثلاثينيات القرن الماضي".
وتورد الصحيقة أن عدد الإصابات قد ازدياد، وقبل الاجتياح البري بقليل تسبب هجوم حوثي صاروخي على قاعدة عسكرية خارج مأرب يوم 4 أيلول/ سبتمبر، بمقتل 60 جنديا خليجيا، بينهم 45 إماراتيا، بحسب وكالات الأنباء الرسمية في الإمارات والبحرين.
ويجد التقرير أن هذا ما تسبب بزيادة التأييد في الخليج للحملة العسكرية، وبدا ذلك التأييد واضحا خلال الإعلام الاجتماعي في الإمارات والسعودية والبحرين. مشيرا إلى أنه لعب على مشاعر الشعب، حيث وعد ولي عهد الإمارات الشيخ محمد بن زايد "بالثأر"، بتخليص اليمن من "حثالة" الحوثيين، بينما قام ملك البحرين الملك حمد آل خليفة بتسجيل أولاده للالتحاق بالحملة.
ويستدرك لوك بأنه مع استمرار القتال، وبينما يهيئ التحالف لاجتياح العاصمة صنعاء، يتوقع المحللون العسكريون والمسؤولون في التحالف أن ترتفع الخسائر بشكل كبير، وأن يؤثر ذلك سلبا على معنويات المواطنين.
ويقول غوس للصحيفة: "أظن أن السؤال الأكبر هو عن مدى إمكانية تحمل الخسائر، فالإمارات والكويت وقطر، هذه المجتمعات لم تعان فعلا من خسائر في حروب خارجية، بحسب الذاكرة الحية لأي منها".
لعب كرت إيران
وينقل التقرير عن الخبراء العسكريين السعوديين قولهم إن الصراع في اليمن يصور على أنه جزء من الحرب الأوسع ضد إيران ونفوذها المتعدي في العالم العربي، لافتا إلى أن دول الخليج تحاول تجهيز الرأي العام لحرب أطول وأكثر كلفة مما كان متوقعا في الأصل.
ويعرض الكاتب ما يقوله مدير قسم الأمن الوطني في مركز دراسات الخليج مصطفى العاني: "النقاش العام في السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين بسيط للغاية: العمل العسكري في اليمن ليس فقط لإنقاذ اليمن من سيطرة المليشيات الحوثية، ولكنه جزء من مواجهة إقليمية متأخرة مع إيران".
ويضيف العاني للصحيفة: "الانتصار في اليمن أساسي للمعركة الأوسع ضد سياسات إيران العدوانية، وتفهم قوات التحالف تكلفة هذه المواجهة، واحتمال وقوع خسائر كبيرة في بعض المناطق".
ويورد التقرير أن المصادر العسكرية السعودية والمسؤولين في القصر يقولون إن لديهم استعدادا لاستخدام التحالف السني في العراق وسوريا، حيث تقوم القوات الإيرانية، مثل الحرس الثوري، بمحاربة الثوار السنة والمليشيات الإسلامية.
هل تستطيع هذه الإستراتيجية العيش بعد معركة صنعاء؟
ويجد لوك أن نتيجة تجربة اليمن لتحالف السعودية الإقليمي ستكون مؤشرا على مدى إمكانية انتصار سعودي أوسع.
ويرى الكاتب أنه إذا نجح التحالف في اجتثاث الحوثيين من صنعاء، وأعاد حكومة عبد ربه منصور هادي إلى العاصمة خلال الأشهر الثلاثة القادمة، فستثبت سياسة التدخل الجديدة التي تنتهجها الرياض نجاحها، بحسب ما يقوله المحللون العسكريون الخليجيون.
ويستدرك التقرير بأنه إن تعثر الهجوم على صنعاء وارتفعت الخسائر، فلن تكون هناك شهية لأعمال عسكرية مستقبلية في العراق أو سوريا، حيث الصراع أطول، وحيث تحتفظ إيران بتواجد عسكري قوي على الأرض.
وتتناول الصحيفة رأي غوس، الذي يقول: "هناك بعض السعوديين الذين يحاولون تسويق الخطوة على أنها الخطوة الأولى في إستراتيجية شجاعة جديدة. صحيح أنها جديدة، ولكن هل ستمتد إلى حالات أكثر صعوبة وتعقيدا، مثل سوريا والعراق؟ يجب أن ننتظر لنرى".
وتختم "كريستيان ساينس مونيتور" تقريرها بالإشارة إلى أن المراقبين يرون أنه إذا نجحت معركة مأرب وصنعاء فيتوقع أن يعتمد مجلس التعاون الخليجي تحالف اليمن رسميا على أنه قوة مقاتلة جاهزة. مستدركة بأنه إذا استمرت الحرب وارتفعت الخسائر، فقد تموت سياسة التدخل العسكري السعودية على حدودها الجنوبية.