نشرت صحيفة لاتريبين الفرنسية تقريرا عن سعي
تنظيم الدولة لبناء نموذج
اقتصادي في المناطق التي يديرها، لتأمين موارد مالية لتمويل الحرب التي يخوضها، وإثبات فكرة الدولة التي يجتذب من خلالها آلاف الشباب من كل أصقاع العالم.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن تنظيم الدولة يحاول بناء هيكل اقتصادي لإثبات وجود دولته، ويحاول خلق ضجة إعلامية، بإعلانه عن انتداب مترشحين من ذوي الكفاءة في مجال المالية، من أجل إنشاء بنك خاص للدولة التي يطمح إلى إنشائها، كما أنه يسعى لإعطاء انطباع بأن القاطنين في المناطق الخاضعة لسيطرته يعيشون في رغد العيش، رغم تأكيد الكثير من المتابعين والشهود العيان أن كل ذلك لا يعدو أن يكون تمويها ودعاية مزيفة، تخفي صعوبة الوضع الاقتصادي.
وذكرت الصحيفة أن تنظيم الدولة يسير على خطى بقية التنظيمات المسلحة، من خلال سعيه لإرساء دعائم دولة حقيقية، وإرسال رسالة طمأنة للمتعاطفين معه خارج
سوريا والعراق، واستقطابهم عبر إيهامهم بتوفير فرص عمل وظروف عيش ملائمة.
وقالت إن تنظيم الدولة ينشر شائعات مفادها بأنه قام بتعيين موظفين سابقين لدى السلطات
العراقية والسورية، وخبراء محترفين في المالية قادمين من دول عربية ودول شمال أفريقيا، سيعتمد عليهم في إنشاء بنكه المركزي وتسييره، إلى جانب إصدار عملته الخاصة.
واعتبرت الصحيفة أن تنظيم الدولة لا زال في مرحلة التشكل، ولا زال يحاول بناء شرعيته، فقد أعلن مؤخرا عن تخصيص مبلغ ملياري دولار لهذا العام، من أجل توفير الحاجيات الأساسية لسكان المناطق الخاضعة لسيطرته، كالتعليم والصحة والمساعدات الاجتماعية للفقراء وإنشاء المباني وتطوير البنية التحتية.
وأكدت أن التنظيم يفرض رقابة صارمة على الاقتصاد المحلي، أي في المناطق الخاضعة لسيطرته، ويقوم بمصادرة الملكيات الخاصة والمصانع التي ما زالت قادرة على الإنتاج، ويعمل على اختراق كل شبكات التجارة والأعمال في المنطقة.
وقالت إن التنظيم يعتمد على مندوبين من السكان المحليين، يسعون إلى تنفيذ أوامر القيادة المركزية والتحكم في الاقتصاد المحلي. ويكون هؤلاء عادة من التجار الذين خسروا أعمالهم ومشاريعهم خلال الحرب.
ويتمركز هؤلاء المندوبون المحليون خاصة في دير الزور والحسكة والرقة، التي تحولت إلى عاصمة للتنظيم، ويسيطرون هناك على مجمل المخزون الاقتصادي السوري، خاصة قطاعي النقل والفلاحة، بالإضافة إلى قيامهم بفرض تسعيرة معينة للبضائع في الأسواق.
ويعاني الناس في هذه المناطق أوضاعا اقتصادية هشة، بسبب الأسعار الاعتباطية المفروضة، التي لا تخضع إلى أي قواعد منطقية، بالإضافة إلى تعرضهم إلى الاضطهاد والمضايقات من قبل المندوبين المحليين للتنظيم.
وقال الصحيفة إن النساء عامة لا يسمح لهن بالعمل إلا في بعض الاستثناءات، حيث يتم إجبارهن على العمل في ظروف صعبة لا يمكن تحملها. إذ يجبر التنظيم أطباء العيون على إجراء عمليات جراحية للمريضات دون خلع البرقع، كما يمنع التنظيم النساء من ممارسة مهنة الحلاقة، لأنه يعتبر أن تصفيف الشعر "مهنة تشجع على الفجور".
وقالت الصحيفة إن أناسا كثيرين في مناطق سيطرة التنظيم فقدوا مهنهم التي كانوا يمارسونها، ولم يعد لديهم موارد تضمن لهم حياة كريمة، في ظل وضع زادت من صعوبته الضرائب المرتفعة التي يفرضها التنظيم على فواتير الماء والكهرباء.
واعتبرت الصحيفة أن البضائع الموجودة وطرق تسويقها تدل على أن السلع موجهة فقط لمقاتلي التنظيم، لأنهم الوحيدون القادرون على دفع ثمنها، بفضل الأجور المرتفعة التي يحصلون عليها.
فأسعار المواد الأساسية في دير الزور، مثلا، شهدت ارتفاعا بنسبة ألف في المئة خلال بضعة أشهر، وأقدم التنظيم على هذه الخطوة كإجراء لمعاقبة الذين لا يقاتلون معه. فهذه الخطة المحكمة التي يعتمدها التنظيم تقوم على إجبار الناس على الوقوع في مشكلة البطالة، ودفع الضرائب الثقيلة، بهدف إجبارهم على الانضمام للقتال في صفوفه.
ومن المظاهر العملية لهذه الخطة أن المقاتلين يتمتعون بأكل اللحم والدجاج، في حين يعيش السكان على أنواع بسيطة من الخضروات، كالطماطم والبطاطس والكرنب.
وتهدف هذه السياسة إلى تكثيف الرصيد البشري للتنظيم، الذي يعتمد على عدد كبير من السوريين والعراقيين الذين أصابهم اليأس بسبب الظروف المعيشية الصعبة، حتى وجدوا أنفسهم مجبرين على الالتحاق بصفوف تنظيم الدولة. فخلال الأسابيع الأخيرة انضم 1200 شاب إلى صفوف التنظيم في منطقة تدمر السورية.
وختمت الصحيفة تقريرها بالإشارة إلى أن مظاهر البذخ والرفاهية التي يحاول التنظيم إظهارها وتسويقها للعالم، عبر منصات الدعاية التي يعتمد عليها، ليست متاحة في الحقيقة إلا لمن هو مستعد للقتال في صفوفه. بينما يوصف الوضع الميداني بأنه جحيم، بالنسبة لمن يرغب في العيش تحت راية تنظيم الدولة دون أن يقاتل في صفوفه.