ناقش الباحث الأمريكي مايكل نايتس، الخبير في "
معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى"، واقع مليشيات
الحشد الشعبي في
العراق، ودورها، في مقال بعنوان: "خفايا السيئات".
وفي مقابلة أجراها منتدى "بوست وور ووتش"، مع نايتس، أوضح الباحث أن هناك طيفا واسعا "من القوات العسكرية المقاتلة تحت مظلة (وحدات الحشد الشعبي)"، مضيفا أنها "لجنة رسمية منبثقة عن مكتب رئيس الوزراء، وخصصت لها حصة من الميزانية الوطنية لعام 2015، في حين تلجأ مجموعات مشاركة وغير مشاركة في هذه المؤسسة الحكومية للتعبئة الشعبية ضد
تنظيم الدولة.
وأضاف الباحث أن بعض هذه الجماعات ترتبط بـ"ديواني الوقف الشيعي" في النجف وكربلاء، في حين يُعتبر حجم هذين الكيانين كبيرا إلى حد بعيد بوجود أكثر من عشرة آلاف فرد يحملون السلاح، وتموّلهما جزئيا لجنة رئيس الوزراء، فضلا عن التمويل الناتج عن العشور الدينية.
وتعمل هذه "المليشيات لحماية الأضرحة" جنبا إلى جنب مع قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، وهي غير مدججة بالسلاح بقدر بعض العناصر الأخرى في "وحدات الحشد الشعبي"، وتخضع لقيادة المؤسسات الدينية في النجف وكربلاء وسيطرتها، مشيرا إلى أن هذه الجماعات من وجهة نظر غربية: "معتدلة وجديرة بالثقة"، بحسب نايتس.
وحذر نايتس من ارتباط "عناصر أخرى بالحشد مع الجماعات المسلحة أو الإرهابية التي قتلت الكثير من جنود التحالف الأمريكيين والبريطانيين وغيرهم بين عامي 2003 و2011، مع كونها تتلقى تمويلا من لجنة رئيس الوزراء، لكنها تتلقّى كذلك الأموال مباشرة من الحكومة الإيرانية عبر الحرس الثوري الإيراني، فضلا عن الأسلحة الثقيلة والخفيفة والمدرّبين المنخرطين مباشرة والدعم الجوي الإيراني".
وأشار نايتس أن عددا من قادة "الحرس الثوري الإيراني" لقوا مصرعهم وهم يقاتلون إلى جانب وحدات الحشد الشعبي، مضيفا أن هذا الدعم الذي تقدّمه دولة مجاورة هو ما يجعل من "كتائب حزب الله" و"عصائب أهل الحق" و"مليشيات بدر" جماعات فعالة عسكريا، قادرة على إجراء عمليات هجومية ضد تنظيم الدولة، موضحا أن هذا سبب جذبها للعراقيين، إذ "لا تكتفي هذه الجماعات بمنحهم راتبا يعول عليه، بل توظف أيضا دعاية ماكرة وتتمتع بمعدات جيّدة ويسهل للغاية الانضمام إليها"، مشيرا إلى أنه بخلاف الجيش العراقي، تتسم هذه المليشيات بتراخ في الانضباط إلى حد ما، فهي "مؤسسات تتمتع بمظهر ديناميكي، على عكس القوات المسلحة العراقية النظامية والقديمة والمتعبة"، ولا تتم مساءلة مقاتلي هذه المليشيات بموجب نفس قانون القضاء العسكري كجنود حقيقيين، بحسب قوله.
وأشار نايتس إلى أن وحدات "الحشد الشعبي" شاركت في عدد من العمليات الدفاعية "الشجاعة" التي حافظت فيها على مواقعها، معتبرا أن الفضل يعود إلى سامراء وعدم تعرض بغداد قط لهجوم خطير من قبل تنظيم الدولة إلى "وحدات الحشد الشعبي".
بالإضافة إلى ذلك، استعيد الجزء الأكبر من ديالى، وتم تحرير جرف الصخر من حكم تنظيم الدولة، بينما ظلّت طرق الحجّ الشيعية مفتوحة خلال عاشوراء وأربعينية الإمام الحسين، وبقيت كربلاء والنجف آمنتين، وهذه كلها نجاحات تجمعها "وحدات الحشد الشعبي" في رصيدها، ومع ذلك، بحسب نايتس، فإن الحشد غير قادرة على الانتصار في كل معركة تخوضها، إذ إنها تكافح عناصر حاليا للزحف قدما في مدينة بيجي، وقد عجزت عن استعادة تكريت إلا بعد تدخّل الجيش العراقي والقوات الجوية الدولية، وهي لا تقود كذلك المعارك لتحرير الرمادي.
وليست هذه النجاحات والإخفاقات نتاج "نوع" واحد من الحشد، فالمنظمة "مختلطة، ولن تجد اليوم تقريبا أي ساحة معركة تعمل فيها مليشيا واحدة أو فئة واحدة من المليشيات"، موضحا أن "منظمة بدر" تضمّ أقوى الجنود في الحشد في وادي نهر ديالى وعلى طول الطريق بين بغداد وكركوك، في حين أن قوات مقتدى الصدر قوية في بغداد وسامراء والنجف، وكربلاء؛ كما أن "مليشيات حماية الأضرحة" شديدة البأس حول المدن المقدّسة وعلى الأطراف المؤدية إلى محافظة الأنبار، أمّا "كتائب حزب الله" و"عصائب أهل الحق"، فتنتشر حول الكثير من ساحات المعارك المختلفة، حيث تؤدّي قواتهما أو تزعم أنّها تؤدّي دورا قياديا في تلك المنطقة.
وحول وضع بغداد، أشار الكاتب إلى أن "الوضع هناك أكثر إثارة للاهتمام وتعقيدا"، موضحا أن القوة القتالية العراقية، بسوادها الأعظم، أي أكثر من نصف ألوية "الشرطة الاتحادية" والجيش، تتركز قريبا جدا من العاصمة والمناطق الريفية المحيطة بها، في وقت لا يهدّد تنظيم الدولة باستمرار باجتياح بغداد أو اختراقها بطريقة جادّة.
وبدلا من ذلك، انعدمت الثقة بأنّ قوات الأمن الاتحادية قد تزحف شمالا أو غربا وتترك لمليشيات الحشد مهمة الحفاظ على السيطرة في العاصمة، إذ تفهم الحكومة أنها بحاجة إلى الحفاظ على قوة عسكرية كبيرة للإفراط في ضمان أمن بغداد، بحيث لا يخطئ أحد أنّ الحشد هو القوة الأمنية الأساسية في البلاد، مشيرا إلى أن "التوتر الكبير بين وحدات الحشد الشعبي والحكومة الاتحادية هو الذي يبلور الحرب برمتها ضدّ تنظيم الدولة، في حين يعيق هذا التنافس تحقيق تقدّم نحو الموصل أو حتى غرب وادي نهر الفرات"، بحسب نايتس.
وحدات الحشد الشعبي وأمريكا
وحول علاقة "الحشد" بالولايات المتحدة، أوضح الباحث أن الولايات المتحدة تلتزم بالعمل "من خلال وزارة الدفاع العراقية ومكتب رئيس الوزراء"، مشيرا إلى أن هناك أسبابا وجيهة لإرسال الأسلحة مباشرة إلى الأكراد، لكنّ الحكومة الأمريكية بذلت جهدا إضافيا لضمان توجيه جميع الشحنات عبر مطار بغداد، حيث يمكن لوزارة الدفاع القيام بتفتيشها.
وقال نايتس إن هناك "مستويات عالية من التعاون بين واشنطن وعناصر مختلفة من الحشد، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة تستخدم أحيانا لفظ "وحدات الحشد الشعبي الجيدة"، في إشارة إلى "مليشيات حماية الأضرحة"، وعناصر من تيار مقتدى الصدر، إذ تتمتع هاتان المجموعتان بمستوى من التفاهم مع أعضاء التحالف الدولي والأمريكيين فيما يتعلّق بالعمليات العسكرية والتعاون.
وتعمل الولايات المتحدة أيضا في ساحات القتال التي تنخرط فيها مجموعات أخرى غير ودية من "وحدات الحشد الشعبي"، إذ ستتوقف واشنطن عن توفير الدعم الجوي المباشر لهذه الوحدات، لكنّها ستعمل مع مقرّ الحكومة العراقية لكي تغطّي قطاعا معيّنا من المعركة، الأمر الذي يسمح بتوجيه الدعم الجوي الأمريكي إلى أجزاء من الجيش أو "الشرطة الاتحادية"، مع إبقاء الطائرات الحربية الأمريكية بعيدة عن المناطق التي تقاتل فيها "وحدات الحشد الشعبي السيئة"، وقد استُخدم هذا الأسلوب خلال العمليات في تكريت، على سبيل المثال، بحسب نايتس.