كتب كمال أوزتورك: ستتحقّق خلال أيام أهم اتفاقية لحزب
العدالة والتنمية منذ بداية حكمه وحتى اليوم. وستكون هذه الاتفاقية مؤثرة بشكل عميق جدا على مستقبل الحزب والانتخابات ومستقبل
تركيا.
لقد بات السيد داود أوغلو مجبرا على قيادة الدولة مع حكومته من جهة، ومواجهة الإرهاب من جهة، وتنفيذ هذه الاتفاقية من جهة أخرى. ولذلك نمر بفترة صعبة وامتحان عسير. لكن هذه هي الفترات التي يظهر فيها السياسيون الحقيقيون.
لقد قلت قبل انتخابات 7 حزيران إنهم إن شكّلوا حكومة ائتلافية وأسقطوا حزب العدالة والتنمية من السلطة، فسينهبون الميراث الذي سيتركه أردوغان، كما فعلوا بالميراث الذي تركه أوزال من قبل. واليوم جميعنا نرى النتيجة. فليس من الممكن تخيّل تركيا مستقرة بلا حزب العدالة والتنمية ولا السلطة دونه.
بعض الميزّات ليست متاحة لحزب العدالة والتنمية
ذلك لأن حزب العدالة والتنمية تمكّن من الاستقرار في مركز سياسة قوية وكبيرة، لدرجة أنه أصبح الرمز الرئيسي للدولة. والآن إن لم يقف هذا الرمز بثبات، فسيحل الضرر الأكبر بالدولة، فهو العمود الذي تستند عليه الدولة، فإن أصابه ضرر اهتزّت الدولة بأكملها. وكأن قدر الدولة التركية أصبح هو ذاته قدر حزب العدالة والتنمية. ولهذا يزداد العبء والمسؤولية عليه.
ولهذا السبب، فإن حزب العدالة محروم من الكثير من الرفاهيات التي تتمتع بها باقي الأحزاب السياسية. فلا يستطيع أن يفعل ما يشاء مثلهم، ولا يستطيع أن يتصرّف تصرفا غير مسؤول. ولا يستطيع أن يقول: "فليسقط خصمي السياسي مهما كان الثمن" كباقي الأحزاب. فقد حمّل الشعب حزب العدالة مسؤولية ضخمة حين منحه هذا المنصب. ولذلك على كل من يعمل في هذا الحزب أن يفكر في مستقبل الدولة والشعب.
ربما على هؤلاء العاملين في حزب العدالة أن يتحدثوا أقل من الجميع ويعملوا أكثر منهم. وأحيانا عليهم أن يسكتوا أمام الانتقادات ويكتموا ألمها في داخلهم. تماما كربّ المنزل لا يملكون حق الشكوى.
النسخة الثانية لحزب العدالة والتنمية
إن هذه الاتفاقية ستبدأ عهدا جديدا لحزب العدالة والتنمية، وهذا ما يجب أن يحدث. وسيكون اسم هذا العهد "النسخة الثانية لحزب العدالة والتنمية". فقد بدأت النسخة الأولى للحزب -التي نقلت الدولة من نجاح لنجاح لمدة 13 سنة- بارتكاب بعض الأخطاء، وظهرت أخطاؤها في انتخابات 7 حزيران، فاشتكى الناخب من بعض المشكلات في النظام والتطبيق والإجراءات، فأصبحت الحاجة ملحّة لإصدار نسخة جديدة للحزب.
ويجب أن تُكتب هذه النسخة الجديدة مع وضع تغيّر الناخبين الشباب، وتغيّر الأوضاع (الإرهاب)، وتغيّر العوامل المؤثّرة (علاقته مع العالم)، ومطالب المجتمع (مشكلة التعايش) بعين الاعتبار.
إعادة ضبط المصنع مرفوضة
إن عودة حزب العدالة والتنمية لضبط المصنع لن تكون استراتيجية صائبة. فضبط المصنع لم يوصلنا إلا إلى 2015، وبعد ذلك أعطى النظام "error"، ففي التاريخ الذي وضعت فيه عيارات المصنع لم يكن الوضع في الشرق الأوسط يشبه وضع اليوم، ولم تكن أوروبا كذلك، ولم تكن الولايات المتحدة كذلك، ولم يكن وضع الإرهاب كذلك، ولم يكن الوضع الاجتماعي كذلك، فإن تمّت استعادة ضبط المصنع، وعدنا لهذا النظام الذي وضع تحت شروط مختلفة عن اليوم، فسيعود النظام ليعطينا "error".
إن شركات التكنولوجيا تصدر تجديدات عديدة؛ لتحافظ على قوتّها في السوق، ولا تعود لغيارات المصنع القديمة، وهكذا هو الوضع في السياسة، يجب أن نقوم بالتجديد كل حين لنتعامل مع الشروط والأوضاع الجديدة، ولهذا، فإن هذه الاتفاقية ستتيح لنا فرصة التعرف على التحديث الجديد لحزب العدالة والتنمية.
كيف يجب أن تكون النسخة الجديدة؟
وجوه جديدة، سياسيون جدد، استراتيجيات جديدة، رسائل جديدة... النسخة الجديدة لحزب العدالة والتنمية يجب أن ترسم مستقبل تركيا من منطلق مصالح الدولة. على حزب العدالة الجديد أن يفكّر بجميع الفصائل التي تعيش في تركيا لحل مشكلة التعايش. عليه أن يرسم مستقبله آخذا بعين الاعتبار وضع العالم الإسلامي والاتحاد الأوروبي وعلاقته بالغرب ومستقبل حضارتنا.
لا شك أن هذه الاتفاقية ستكون نقطة التحول في حزب العدالة والتنمية. قد يقول البعض لم يكن هناك داع لهذا التغيير في وضع الحرب مع الإرهاب والانتخابات، وهؤلاء الأشخاص هم الذين يدافعون عن النسخة القديمة. ولكن عليهم أن يتغيروا بالفعل.
فمن الخطر جدا أن ندخل الانتخابات بالنسخة القديمة إن لم نصدر الثانية؛ فقد أثبت الشعب عدم رضاه عن النسخة القديمة في انتخابات 7 حزيران. ولهذا يجب أن يتم التغيير وإصلاح المشكلات في النسخة القديمة التي اشتكى الشعب منها.
ستظهر النسخة الثانية ذاتها في شكلين:
1.الطواقم التي سترسم مستقبل الحزب، وتقوده وتخطط للنسخة الثانية، أي المؤسسة المركزية للإدارة والتخطيط (MKYK) والمؤسسة المركزية للإدارة (MYK).
2.البرنامج الانتخابي.
ستتشكّل الكوادر التي ستدخل الانتخابات والبرامج التي ستعرض على الشعب تحت هذين العنوانين.
ما هو الخطر الأكبر على حزب العدالة والتنمية؟
إن الخطر الأكبر هو عدم التفكير بالمستقبل، ونسخة 2023، وعدم فهم أهمية الاتفاقية. ورغم أنه حدثت الكثير من الأقوال بعد 7 حزيران عن تلقّي الرسالة الموجّهة من الشعب، وفهم سبب انخفاض الأصوات، إلا أنه لم يحدث أي شيء حتى اليوم. والشعب يراقب ذلك وينتظر. ولذلك، فإن الاتفاقية مهمة جدا لأجل التغيير الذي يترقبه الشعب.
إن حدث اختلاف في داخل حزب العدالة والتنمية في هذه الاتفاقية، ودخلوا في منازعة "هذا رجلي وهذا طاقمي" فستكون هي الضربة القاضية التي سيتلقاها الحزب. فيجب على الجميع ترجيح المصلحة العامة على الشخصية والحفاظ على اللباقة والتعاون.
فالشعب لا يحب الذين يتشاجرون، وقد عشنا هذا من قبل في 7 حزيران، ورأينا نتيجته في 8 حزيران. والآن إن عدنا للشجار، فسيعيش الحزب مشكلة لا عودة عنها، ولا حل لها.
(عن صحيفة "يني شفق" التركية، مترجم خصيصا لـ"عربي21"، 16 أيلول/ سبتمبر 2015)