منذ أن فجر رئيس الانقلاب عبدالفتاح
السيسي تصريحه الذي قال فيه: "
الدستور المصري كُتب بنوايا حسنة، والدول لا تُبنى بالنوايا الحسنة"، يوم الأحد الماضي، والمفاجآت لا تتوقف بخصوص خفايا دستور عام 2014، الذي وضعته "لجنة الخمسين" المعينة من قبل
العسكر، والذي وقف السيسي، والموالون له، موقفا مؤيدا له في البداية، ثم عادوا الآن يطالبون بتعديله!
وطيلة الأيام القليلة الماضية، وحتى اللحظة، ما زالت ردود الأفعال تتواصل إزاء التصريح المذكور، بعدما أثار غضبا شديدا بين أنصار السيسي ومؤيديه، فضلا عن أعضاء لجنة الخمسين ذاتها، أو من تبنوا هذا الدستور، أو روجوه، ما رأت معه صحيفة "عربي21" أهمية تجميع شهادات هؤلاء، التي أدلوا بها طيلة الأيام الماضية، وبلغ بعضها حد "
الفضائح"، ما يكشف إلى أي مدى تعرض الشعب المصري للتلاعب والخداع.
غضب أعضاء "لجنة الخمسين"
في البداية، ساد الغضب بين أعضاء لجنة "الخمسين" التي وضعت الدستور من تصريح السيسي.
وكان أسرع من علق عليه، عضو اللجنة، وأحد مؤسسي حركة "تمرد"، المخابراتية، محمد عبدالعزيز، إذ قال على حسابه بموقع "فيسبوك" ساخرا: "درس اليوم: الدساتير يجب أن تكتب بنوايا سيئة عشان تعجب" (!)
عضو ثان باللجنة، هو رئيس حزب الكرامة، محمد سامي، قال أيضا: "أنا مصدوم من كلام الرئيس عن الدستور، واعتبره مؤشرا خطيرا أن يتحدث رئيس الدولة بهذا الشكل"، مشددا على أن أي تعديل للدستور يفتح المجال لنار جهنم"، وفق تعبيره.
العضو الثالث بلجنة الخمسين، هو القيادي في حزب التجمع اليساري، حسين عبدالرازق، الذي وصف تصريح السيسي بأنه لا يليق أن يصدر عن "رئيس الجمهورية".
اعترافات خطيرة لصانعيه ومروجيه
مع الغضب كانت هناك اعترافات خطيرة تكشف مدى العبث الذي ساد عملية وضع ذلك الدستور.
فقد أكدت رئيسة المركز المصري لحقوق المرأة، نهاد أبو القمصان، التي حضرت عملية وضع الدستور، غياب القانونيين عن المناقشات التي دارت داخل اللجان النوعية المنبثقة عن لجنة الخمسين، مشددة على أن بعض الأعضاء بحثوا عن مصالحهم الخاصة، حتى وصل الأمر إلى مقايضة ممثلي العمال والفلاحين في اللجنة على تمرير المواد الخاصة بحقوق المرأة، مقابل الاحتفاظ بنسبهم في مقاعد البرلمان، وفق قولها.
وصرح مقرر لجنة الحوار المجتمعي (المنبثقة عن لجنة الخمسين)، وعضو لجنة الخبراء لصياغة الدستور، نقيب المحامين، سامح عاشور، بأن له تحفظات على بعض مواد الدستور، قد تشكل نسبة 20 بالمئة، إلا أنه رأى -في حواره مع صحيفة "الوطن"- أن الإفصاح عنها في هذا التوقيت ليس من المصلحة الوطنية في شيء، على حد تذرعه.
وفي مداخلة هاتفية ببرنامج "البيت بيتك"، قال: الدستور الحالي هو تعديل للدستور السابق، أي الخاص بالإخوان المسلمين، وليس جديدا!
دستور ترضيات ومواءمات
من جهته، اعتبر نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية، عمرو هاشم ربيع، دستور 2014 "دستور الترضيات"، قائلا: "جاء لترضية بعض الفئات، فأدخل مصر في دوامة أزمات لا تنتهي، في ظل وجود كثير من العبارات الفضفاضة التي أحدثت مشكلات عدة بعد ذلك، كان آخرها قانون تقسيم الدوائر".
كما أقر عضو لجنة الخمسين الاحتياطي، الدكتور صلاح عبد الله، بأن دستور 2014 مليء بالعبارات الإنشائية والمطاطة التي لا تصلح للتطبيق، مثل كلمات "متكافئ، وعادل، ومناسب"، مؤكدا أنها مسألة نسبية، ولا يمكن تحويلها لمواد قانونية على أرض الواقع.
وأضاف: "في اجتماعات اللجنة، حذر بعض الأعضاء، وأنا منهم، من الطعون التي ستظهر مستقبلا بسبب بعض مواد الدستور المشوهة، لكن بسبب أمر ما لا نعرفه تم تمرير هذه المواد بهذه الصياغات، برغم تأكيدنا أن الدستور ليس ملحمة شعرية، ويجب أن يكون منزها عن عبارات المجاز، وأن يركن للتوصيف، لا إلى المبالغة"، بحسب قوله.
والأمر هكذا، اتهم عبد الله "لجنة الخمسين" بأنها راعت المواءمات السياسية، والمصالح الحزبية، على حساب الوطن، والمواطن البسيط، وفق قوله.
ونأتي إلى ممثل الكتلة الإسلامية في لجنة الخمسين، كمال الهلباوي، الذي قال: "هناك مواد موجودة بالدستور يجب مراجعتها، وإعادة النظر فيها.. هذا صحيح، خصوصا المتعلقة باختصاصات مجلس النواب، واختصاصات الرئيس، لأن الوضع الحالي أصبح معقدا جدا، بسبب الظروف المحيطة بالدولة المصرية، وانتشار الإرهاب بشكل غير مسبوق"، وفق وصفه!
دستور "مهلهل" وحالم.. حاكموا واضعيه
أما أمين عام الحزب المصري الديمقراطي، أحمد فوزي، فعلق بالقول: دستور 2014 جاء في ظروف صعبة توصف بالضعف الشديد، ووجود مؤسسات ضعيفة، وتصارع بين كل الفئات للحصول على مكاسب، ما أنتج "دستورا مهلهلا"، وفق وصفه.
من جهته، وصف رئيس حزب الإصلاح والتنمية، محمد أنور عصمت السادات، دستور 2014 بـ"الحالم"؛ لأنه نص على مواد كثيرة تدعم الطبقات الاجتماعية البسيطة، وتعترف بحقوق المواطنين في مجالات عدة، قائلا: "أغلب من كتبوه شخصيات تنتمي إلى تيار اليسار الاشتراكي، ولذلك خرجت مواده بهذا الشكل".
وفي رأي رئيس مجلس الدولة الأسبق، محمد حامد الجمل، فإن دستور 2014 مصاب بـ"عوار دستوري خطير".
وكشف أن صياغة بعض المواد ركيكة، ما أدى لوجود أخطاء جسيمة في الدستور، وأن قانون تقسيم الدوائر من القوانين غير واضحة الدلالة.
وعن مسؤولية رئيس اللجنة، عمرو موسى، عن تلك الأخطاء، وصفت جريدة "الوطن"، موسى بأنه لجأ إلى بعض المواءمات السياسية التي أخرجت مواد الدستور بهذا الشكل، في ظل مطالب فئوية ونوعية وتهديدات ممثلين لقوى وفئات بالانسحاب، على حد قولها.
والختام مع سخرية أستاذ فلسفة القانون بجامعة الزقازيق، محمد نور فرحات في تدوينة له على حسابه بموقع "فيسبوك" من الاتجاه لإجراء تعديل على دستور "الخمسين"، إذ قال: "البعض قد يقترح محاكمة أعضاء لجنة الخمسين"، ما قد يطالب البعض بأن يصبح حقيقة!