تناول معهد واشنطن في تقرير له البعد التاريخي والسياسي للنفوذ
الإيراني في
العراق، حيث عرض تفاصيل استراتيجية طهران التي اعتمدتها للهيمنة السياسية والعسكرية والدينية داخل جارتها الغربية.
وتتلخص استراتيجية إيران في العراق، وفق تقرير المعهد، من خلال التأثير على الأحزاب السياسية في العراق ودعمها، وإيجاد مليشيا مسلحة تابعة لها هناك، إلى جانب علاقاتها الجيدة مع الأحزاب الكردية و"حكومة إقليم كردستان"، بالإضافة إلى تعيين سفراء لها كانوا مجندين في "
فيلق القدس"، ما يعكس دور الأجهزة الأمنية الإيرانية في صياغة السياسة في العراق، وأخيرا محاولتها التأثير على نتائج الانتخابات البرلمانية وانتخابات مجالس المحافظات، من خلال تمويل المرشحين المفضلين لديها، وتقديم المشورة لهم، والتدخل في عملية تشكيل الحكومة الأخيرة.
وأوضح التقرير الذي أعدّه مدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في معهد واشنطن، مايكل آيزنشتات، أن إيران حاولت منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003، التأثير على السياسة العراقية من خلال العمل مع الأحزاب الشيعية والكردية، لإنشاء دولة فدرالية ضعيفة يهيمن عليها
الشيعة، وتكون أكثر انصياعا للنفوذ الإيراني.
وأورد أن طهران كانت قد دعمت الجماعات المسلحة والمليشيات الشيعية أيضا، وعززت من قوتها الناعمة في المجالات الاقتصادية والدينية والمعلوماتية.
وبحسب تقرير معهد واشنطن، الذي اطلعت عليه "عربي21"، فإن استراتيجية إيران قامت على "توحيد الأحزاب الشيعية في العراق"، لكي تتمكن هذه الأحزاب من ترجمة أهميتها الديموغرافية إلى نفوذ سياسي، وبالتالي تعزيز السيادة الشيعية في بغداد.
واتضحت هذه الاستراتيجية من خلال تشجيع طهران أقرب حلفائها، "فيلق بدر" و"المجلس الأعلى الإسلامي في العراق" و"حزب الدعوة الإسلامية" والتيار الصدري، على المشاركة في الحياة السياسية، والمساعدة في تشكيل المؤسسات الناشئة في العراق.
وأضاف تقرير المعهد أن إيران دعمت مجموعة من الأحزاب والحركات المختلفة لتوسيع خياراتها وضمان تقدم مصالحها، بغض النظر عن الطرف العراقي الذي يصل إلى القمة.
وذكر المعهد الأمريكي أن المليشيا التابعة لإيران المتمثلة بـ"فيلق بدر" قام "فيلق الحرس الثوري الإيراني"، بتدريبها والسيطرة عليها، مشيرة إلى أنها قاتلت إلى جانب القوات الإيرانية خلال الحرب بين إيران والعراق.
وأشار إلى أن
مليشيا بدر تزعمت الحملة العسكرية ضد تنظيم الدولة بعد سقوط الموصل في حزيران/ يونيو 2014، وهو الأمر الذي "عزز إلى حد كبير من صورة المنظمة السياسية على الصعيد الداخلي"، بحسب المعهد.
ولفت المعهد إلى أن رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، كان متقاربا بشكل عام من النظرة الشيعية في طهران، ولكن ليس من عقيدتها حول ولاية الفقيه.
وحيث أخذ بعين الاعتبار اعتماده على واشنطن من أجل البقاء، حاول السير في طريق وسطي بين طهران وواشنطن، وتجنب احتضان كامل لطهران.
ورأى مايكل أن العبادي تابع سياسة المالكي بمحاولة شق طريق وسطي بين واشنطن وطهران، والدعوة للمصالحة مع العرب السنة في العراق في الوقت ذاته. لكن تأثير العناصر الطائفية داخل "ائتلاف دولة القانون" الذي ينتمي إليه و"التحالف الوطني العراقي" الحاكم منعه من تنفيذ هذه الأجندة.
أما بالنسبة للتيار الصدري، فعلى الرغم من انحيازه السياسي مع "المجلس الأعلى الإسلامي في العراق" و"منظمة بدر" و"حزب الدعوة"، إلا أن له علاقة مثيرة للجدل وعنيفة مع العديد من هذه الأحزاب، بحسب معهد واشنطن.
الأحزاب الكردية
بحسب معهد واشنطن، فإن استراتيجية إيران في العراق لم تغفل
الأكراد، أحد المكونات المهمة في العراق، فالأحزاب الكردية مثل "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني"، تربطها علاقات طويلة الأمد مع إيران.
وأشار إلى أن قوات "البيشمركة" الكردية قاتلت إلى جانب إيران خلال الحرب بين إيران والعراق.
ولفت إلى أن طهران قامت بتسليح "الاتحاد الوطني الكردستاني" أثناء قتاله مع "الحزب الديمقراطي الكردستاني" بين عامي 1994 و1998.
ووفقا لتقرير المعهد الذي أعده مايكل، فإن إيران لا تزال تتمتع بعلاقات وثيقة مع "الاتحاد الوطني الكردستاني" و"الحزب الديمقراطي الكردستاني"، وكذلك مع "حكومة إقليم كردستان" شمال العراق.
ويعتبر المعهد أن علاقة إيران مع الأكراد قد تحسنت، وأصبحت "حكومة إقليم كردستان" شريكا تجاريا هاما لإيران، لتمثّل مركز لخرق العقوبات الدولية المفروضة على الجمهورية الإسلامية.
وسائل التأثير
لفت المعهد إلى أن إيران تمارس نفوذها من خلال سفارتها في بغداد، وقنصلياتها في البصرة وكربلاء وأربيل والسليمانية.
وبحسب معلوماته، فإن كلا من سفيريها في بغداد بعد عام 2003، حسن كاظم قمي وحسن دانائي فر خدما في "قوة القدس" النخبوية التابعة لـ"الحرس الثوري الإيراني"، وبالتالي، يعكس تعيينهما دور الأجهزة الأمنية الإيرانية في صياغة السياسة في العراق وتنفيذها.
ويعدّ "فيلق القدس" وحدة "الحرس الثوري" المسؤولة عن العمليات الخارجية السرية الأكثر حساسية في ايران.
وأفادت بعض التقارير بأن إيران حاولت التأثير على نتائج الانتخابات البرلمانية في عامي 2005 و2010 وانتخابات مجالس المحافظات في عام 2009، من خلال تمويل المرشحين المفضلين لديها وتقديم المشورة لهم.
وأشار التقرير إلى أن قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني لعب دورا رئيسا في المفاوضات لتشكيل الحكومة العراقية عام 2005.
وكشفت بعض التقارير أيضا أنه توسط في وقف إطلاق النار بين "المجلس الأعلى الإسلامي العراقي" و"جيش المهدي" في عام 2007، وبين الحكومة العراقية و"جيش المهدي" في عام 2008.
ولعبت إيران أيضا دورا أقل أهمية في عملية تشكيل الحكومة عقب الانتخابات عام 2014. فقد تم استبدال مرشحها المفضل لرئاسة الوزراء، نوري المالكي، بحيدر العبادي بناء على طلب من الولايات المتحدة، والأهم من ذلك، علي السيستاني.
وبعد ذلك لعب أمين عام "مجلس الأمن القومي" الإيراني، الأدميرال علي شمخاني، دورا رئيسا في عملية تشكيل الحكومة (بديلا لسليماني الذي أصبح غير ملائم لهذه المهمة، بسبب دعمه المتواصل لولاية ثالثة للمالكي).
النفوذ العسكري
تناول معهد واشنطن الكيفية التي من خلالها تمكنت إيران بسط نفوذ عسكري لها، وذلك من خلال تسليح وتدريب وتمويل المليشيات المرتبطة بالسياسيين العراقيين الذين تدعمهم طهران.
وأشار إلى أن إيران ركزت بعد عام 2003 مواردها في البداية على حلفائها التقليديين في "فيلق بدر" التابع لـ"المجلس الأعلى الإسلامي في العراق"، لكنها سرعان ما وسّعت من مساعداتها لتشمل "جيش المهدي" التابع لـ"التيار الصدري"، والجماعات الخاصة المرتبطة فيها، حتى بعض الجماعات السنية المسلحة.
كما أنها استخدمت في بعض الأحيان عناصر "حزب الله" اللبناني الناطقين باللغة العربية لتسهيل هذه الجهود، وفق المعهد.
ونقل المعهد عن تقارير أفادت بأن إيران قد سهّلت أنشطة "جماعة أنصار الإسلام" وهي جماعة جهادية سلفية في شمال العراق، التي مكنت طهران من ممارسة النفوذ على "حكومة إقليم كردستان"، وأمّنت مدخلا إلى الدوائر الجهادية السنية.
وبحلول عام 2010، كانت إيران قد ضيقت من نطاق دعمها لثلاث جماعات شيعية مسلحة: "لواء اليوم الموعود" التابع للحركة الصدرية وهو خليفة "جيش المهدي"، وجماعتين خاصتين هما: "عصائب أهل الحق" و"كتائب حزب الله".
وتفيد بعض التقارير بأن مستشارين إيرانيين عادوا إلى العراق في منتصف عام 2010، إلى جانب نشطاء "كتائب حزب الله" الذين تدربوا في إيران لشن هجمات على القوات الأمريكية مع تقلص عددها.
وقد كمن هدفهم في خلق انطباع يوحي بأن الولايات المتحدة أُجبرت على الخروج من العراق، وفق معهد واشنطن.
فتوى السيستاني والحشد الشعبي
بعد الانسحاب الأمريكي من العراق في عام 2011، تنحت العديد من الجماعات المسلحة. ولكن عندما استولى تنظيم الدولة على الموصل، وبدأ يتقدم نحو بغداد، أصدر علي السيستاني فتواه الشهيرة التي تدعو العراقيين إلى الالتفاف حول "قوات الأمن العراقية" للدفاع عن بلدهم وشعبهم وأماكنهم المقدسة.
وتم إثر ذلك تنظيم أعداد هائلة من الشيعة الذين تطوعوا في مختلف المليشيات المعروفة باسم "وحدات الحشد الشعبي".
ولكن التقرير أشار إلى أن العديد من مسلحي الحشد هم مسلحون من قبل إيران، ويعكسون التوجه الإيديولوجي الخاص بالخميني.
ووصف تقرير المعهد هذه الجماعات إلى جانب حلفاء إيران التقليديين مثل "منظمة بدر" و"عصائب أهل الحق" و"كتائب حزب الله" بـ"جهات طائفية اعتمدت نهجا عسكريا حازما، وشاركت في كثير من الأحيان في انتهاكات حقوق الإنسان ضد العرب السنة. وبالتالي فإنها ساهمت أيضا في الاستقطاب الطائفي في المجتمع العراقي".
ووفقا لمجرى الأمور في عام 2015، بقيت التداعيات الطويلة الأمد لبروز وحدات الحشد الشعبي" غير واضحة.
التأثير الديني
يرى مايكل معدّ التقرير أن إيران سعت إلى جانب الهيمنة السياسية والعسكرية في العراق إلى تمكين الهيمنة الدينية أيضا، حيق تعمل على ضمان الأسبقية لرجال الدين الذين تدربوا في قم، المنغمسين في الأيديولوجية الرسمية للجمهورية الإسلامية، وتفضيلهم على رجال الدين الذين تدربوا في حوزات النجف غير السياسية نسبيا، التي تعتمد "موقف السكينية"، أي الهدوء واللافعالية السياسية.
وبحسب الباحث الأمريكي، فإن إيران تهدف من وراء ذلك إلى "ضمان كَوْن نسختها من الإسلام، الأيديولوجيا السائدة بين الشيعة في جميع أنحاء العالم".
وتمكنت إيران من الهيمنة الدينية من خلال:
- استخدامها المُسرف لأموال الدولة من أجل أنشطة رجال الدين المسيّسين.
- استغلال وفاة حسين فضل الله في عام 2010، وهو رجل دين لبناني مؤثر تلقى تدريبه في النجف.
- السن المتقدمة لعلي السيستاني، أهم أعضاء مرجعية النجف وأحد المراجع الدينية، أو مصدر اقتداء، لـ80 في المائة من الشيعة تقريبا. وقد وُلد في عام 1930 ويُقال إنه مريض.
- تحويل العراق إلى مقصد رئيس للسياح الدينيين الإيرانيين.
ضمانات إيران
وتتمثل بحسب معهد واشنطن بالتالي:
- الجغرافيا والسياسة والاقتصاد والدين. إذ دائما سيكون هناك عراقيين على استعداد للدخول في شراكة مع إيران لأسباب عملية أو أيديولوجية أو أخرى تتعلق بالمرتزقة.
- القومية العراقية والسياسات الإيرانية الخاصة، وسلوك طهران المتعالي في بعض الأحيان، هي التي تشكّل القيود الأكثر قوة على النفوذ الإيراني في العراق.
- اعتماد العراق على إيران في علاقاتها إلى حد كبير، من حيث وضعها الأمني، والنسيج السياسي لحكومتها، ونوع العلاقة طويلة المدى التي تقيمها مع الولايات المتحدة وجيرانها العرب.