كتاب عربي 21

روسيا والتحالف الكوني ضد الدولة الإسلامية

1300x600
لم يعد أحد في العالم يرغب بإسقاط الأسد، كما أن المسألة السورية باتت ثانوية، فتنظيم الدولة الإسلامية هو السؤال والمسألة، وإذا كان العالم قد احتفظ حتى وقت قريب ببعض الخلافات والاجتهادات في تدبير شؤون العالم العربي عقب ربيع ثوري قصير أجهض عبر المحطة السورية، فقد أصبح موحدا ضد الدولة الإسلامية التي تبسط سيطرتها على مساحات واسعة في العراق وسوريا بعد أن تمكنت من خلق فضاء جيوسياسي جديد على مخلفات الدولة المابعد كولينيالية مع اقتراب تداعي منظومة الدولة الوطنية في المنطقة التي لم تعد قادرة على الصمود بسبب مشاكلها البنيوية العميقة في عصر العولمة.

بخصوص العالم العربي المرتعب من تمدد تنظيم الدولة الإسلامية، أصبحت الثورة السورية كارثة محققة تتطلب التخلي عن كافة المطالب العادلة للثورات العربية عموما والثورة السورية خصوصا، وأصبحت برانويا الدولة الإسلامية متلازمة تتطلب البحث عن علاجات غير تقليدية، الأمر الذي ينطبق على كافة أطراف الكون المرعوب، فعلى صعيد الإقليم عانقت إيران الشيطان الأكبر، وتخلت تركيا عن يوتوبيا العدالة والحرية، أما اليابان فقد عدّلت دستورها ليسمح بمشاركة قواتها خارجيا، ونسقت إسرائيل مع كافة الفرقاء لاستثمار خبراتها، وأخبرا دخلت روسيا على خط حرب الدولة الإسلامية، والجميع يعمل على الحفاظ على نظام الأسد باعتباره مدخلا سياسيا وقانونيا لا غنى عنه للتدخل.

لا جدال بأن الحرب التي تقودها الولايات المتحدة وحلفائها ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق وسوريا متعثرة وخائبة، الأمر الذي دفع واشنطن إلى إبداء استعدادها للتعاون مع روسيا في سوريا ضد الدولة الإسلامية، وفي هذا السياق، أعلن البيت الأبيض أن واشنطن ستسعى في مباحثات مرتقبة إلى أن تطلب من روسيا تركيز جهودها على مواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية"، لافتا إلى أن "الإجراءات العسكرية الروسية داخل سوريا، اذا ما استخدمت لدعم نظام الأسد، من شأنها أن تزعزع الاستقرار وتأتي بنتائج عكسية"، إلا أن الولايات المتحدة تدرك تماما فشل حملتها مع حلفائها ضد الدولة الإسلامية، فهي على الرغم من بدء ضرباتها في سوريا  في 19 أيلول/ سبتمبر  2014، لم تتمكن من وقف تمدد التنظيم، الأمر الذي يتكرر في العراق منذ تنفيذ الضربات في 8 آب/ أغسطس 2014.

لقد حسمت كافة الأطراف موقفها بالوقوف إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية في حربها ضد الدولة الإسلامية، حيث توالت البيعات للبيت الأبيض وفق إدراك مختلف الأطراف لطبيعة خطر الدولة الإسلامية، تأخر بعضها وسارع بعضها الآخر، ولا تختلف روسيا عن غيرها في هذا السياق، فالتدخل الروسي لا يأتي حرصا على نظام الأسد ولا خوفا على مصالحه في سوريا بصورة أساسية، ولكنه نابع من مخاوف الروس من صعود الدولة الإسلامية أساسا، فقد تمكن تنظيم الدولة الإسلامية من الحصول على بيعات في منطقة القوقاز، حيث تم تأسيس ولايات القوقاز والتي تضم كل من: داغستان والشيشان وأنغوشيا وكابيكا، وجاء في شريط صوتي في 21 حزيران/ يونيو 2015، باللغتين العربية والروسية بعنوان "بيان من مجاهدي ولاية القوقاز ببيعة خليفة المسلمين أبي بكر البغدادي وانضمامهم إلى الدولة الإسلامية"، أنه "طاعة لأمر الله .. نعلن مبايعة الخليفة إبراهيم بن عواد بن إبراهيم القريشي الحسيني على السمع والطاعة"، وتابع البيان "نحن مجاهدو القوقاز في ولايات الشيشان وداغستان وإنغوشيا وكابيكا، نشهد بأننا كلنا متفقون على هذا الرأي، ولا يوجد أي اختلاف بيننا في هذا الموضوع". 

وقد أعلن أبو محمد العدناني الناطق باسم تنظيم الدولة الإسلامية عن قبول البغدادي للبيعة وتأسيس ولاية القوقاز وتعيين أبو محمد القدري واليا، في كلمة صوتية بعنوان "يا قومنا أجيبوا داعي الله" في  23 حزيران/ يونيو 2015، جاء فيها  أن "الخليفة قبل بيعة أسود الدولة في القوقاز"، وعيّن "الشيخ الفاضل أبا محمد القَدَري والياً" هناك.

 لقد بدأت روسيا تتعامل مع خطر تنامي نفوذ الدولة الإسلامية على محمل الجد، بعد أن كانت تنظر إليه كتهديد محدود يمكن السيطرة عليه تستثمره الولايات المتحدة في فرض هيمنها وسيطرتها، فقد تبدلت الرؤية الروسية، فهيئة الأمن الروسية أعلنت أن نحو 2400 من مواطني روسيا يحاربون في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية، وهو ما أكده الجنرال سيرغي سميرنوف النائب الأول لمدير هيئة الأمن الفيدرالية الروسية عقب اجتماع عقدته الهيئة الإقليمية لمكافحة الإرهاب التابعة لمنظمة شنغهاي للتعاون في طشقند الجمعة 18 أيلول/ سبتمبر، وقد عزز تنظيم الدولة الإسلامية ترويجه الإعلامي في دول الاتحاد السوفيتي سابقًا بإطلاق جناح إعلامي ناطق بالروسية في 18 حزيران/ يونيو 2015،  حيث أسس منصة إعلامية باسم "فرات ميديا"، تشتمل على مجموعة حسابات على مواقع  التواصل الاجتماعي. 

في هذا السياق تخلت موسكو عن نظرتها المتعلقة بسوريا، والتي كانت أكدت مرارا رفضها المشاركة في أي جهود خارج القانون الدولي، ومن دون تفويض من مجلس الأمن، وقد وصف وزير خارجيتها سيرغي لافروف في وقت سابق التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة بأنه لم يقم على قواعد سليمة، مشددا على عدم جواز محاربة الشر بأساليب غير شرعية، وعبر انتهاك سيادة بلد مستقل وتجاهل حكومته، لكن روسيا تدرك اليوم أنه لم تعد هناك بلد اسمه سورية فضلا عن جود حكومة، فالمنطقة الجغرافية التي كانت تدعى سورية يسبطر على أكثر من نصفها تنظيم الدولة الإسلامية، ولا يسيطر النظام الإيراني وحلفائه على أكثر من خمس مساحة سورية، ويسيطر على ما تبقى خليط من الجماعات والحركات الوطنية والمعولمة كجبهة النصرة.

التدخل الروسي جاء على وقع برانويا الدولة الإسلامية، التي بدأت تتماهى مع رهاب الولايات المتحدة، التي فشلت في البحث عن معتدلين في إطار "القوة السورية الجديدة"، إذ لم يجدوا على الأرض ممن قاموا بتدريبهم وتسليحهم من المعارضة السورية "المعتدلة" إلا 4 أشخاص، ولذلك اقترح الجنرال ديفيد بترايوس مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية السابق ومهندس استرتيجية مكافحة التمرد  على بلاده ضم مقاتلين من "جبهة النصرة" المرتبطة بتنظيم "القاعدة" إلى التحالف الذي تقوده لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا.

لا يبدو أن روسيا تتوافر على أوهام كبيرة بخصوص تدخلها في سورية، وتدرك تماما أن دعمها لنظام الأسد لن يفضي لتحولات جذرية على أرض الواقع، فسورية التي كانت حليفة لروسيا لم تعد موجودة، وهي تستند إلى استراتيجية صد واحتواء بعد أن فشلت استراتيجية لا تتدخل، لا تلحق أضرار،   فالسؤال الأبرز في روسيا اليوم: هل  بالإمكان منع وصول الدولة الإسلامية إلى دمشق؟، وخصوصا بعد أن شن التنظيم هجوما تكتيكيا اختباريا على العاصمة قبل فترة قريبة، الأمر الذي دفع إلى إجراء اتصالات ديبلوماسية مكثّفة في الصيف الماضي حيث تقاطر إلى موسكو عدد من حكام ومسؤولي المنطقة، وغاية الجميع في إطار التحالف الكوني هو الحفاظ على الوضع الراهن والحيلولة دون حدوث انهيار دراماتيكي لا أكثر ولا أقل، فالدولة الإسلامية باتت حقيقة موضوعية مدركة.