علقت صحيفة " الغارديان" في افتتاحيتها على
حادث مقتل الحجيج في مشعر منى بسبب تدافع
الحجاج وردة الفعل، خاصة من
إيران، التي طالبت المملكة العربية
السعودية باعتذار على لسان المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي.
وتقول الصحيفة إنه عندما دخلت قوات عبد العزيز بن سعود إلى
مكة، وسيطرت عليها عام 1924، قام بالإعلان عن تعهده بالعناية بالمشاعر المقدسة، وتحسين أوضاع الحجاج، التي قال إنها تدهورت في ظل الحكام الهاشميين من قبله.
وتضيف "الغارديان" أن رعاية الأماكن المقدسة من الحاكم السعودي لم تحظ بإجماع في مناطق من العالم الإسلامي، رغم المؤتمر الذي انعقد، حيث تم الحصول على موافقة من مشاركي بعض الدول، وإن على تردد.
وتستدرك الافتتاحية بأن رعاية الأماكن المقدسة تظل المصدر المهم لشرعية العائلة السعودية الحاكمة، التي تعاني من انقسام داخلي سياسي وديني، ولم تحظ الرعاية بشعبية في المنطقة؛ لأن معظم أنظمة المنطقة تتبع تفسيرا للدين يختلف عن ذلك التي تطبقه الرياض.
وتجد الصحيفة أنه لهذا السبب فقد ظلت رعاية وخدمة الأماكن المقدسة واحدة من عمادين استند عليهما الحكم في السعودية، والعماد الثاني هو الاحتياطي النفطي الهائل الذي لم يكتشف بعد.
وتعلق الافتتاحية بأنه "لهذا السبب، فالكارثة التي وقعت بوادي منى قرب مكة الأسبوع الماضي، التي ربما مات فيها حوالي ألف حاج، هي أكبر من كونها مأساة. فهي حادث سياسي قد يترك الكثير من التداعيات، كما أنها ليست الأولى".
وتشير الصحيفة إلى أن هناك حوادث مشابهة حدثت، وإن كانت على قاعدة صغيرة، في عام 2006، ووقع حادث أسوأ في عام 1990. وجاء حادث هذا العام بعد حادث آخر هذا الشهر، عندما وقعت رافعة على المصلين في الكعبة. وهو ما قاد البعض إلى التساؤل عن قدرة السعودية، من ناحية فنية وكونها بلدا حديثا، على استخدام ثروتها، للتأكيد على معايير السلامة العالية وتجاوز الأخطاء بسبب العجز وسوء التقدير محتومة الحدوث.
وتذكر الافتتاحية أن هذا هو بالتأكيد ما تقوله إيران، وهي المنافس الرئيسي للسعودية. مشيرة إلى مطلب خامنئي باعتذار من المملكة العربية السعودية عن الحادث. ومطالبة الرئيس حسن روحاني أمام الأمم المتحدة بتحقيق شامل.
وتلفت الصحيفة إلى أن السلطات السعودية ستقوم بالتحقيق، ولكن الإيرانيين قد يرفصون النتائج باعتبارها متحيزة للسعوديين.
وتجد الافتتاحية، التي ترجمتها "
عربي21"، أن غضب إيران مفهوم، خاصة أن 140 من حجاجها قتلوا في الحادث. مستدركة بأن إيران تحاول استخدام الكارثة للتقليل من شأن منافستها الإقليمية. فالبلدان متنافسان منذ سنوات، إلا أن الحرب الأهلية في سوريا والتدخل السعودي في اليمن، قد زادا من حدة المواجهة بينهما.
وتورد الصحيفة أن محاولات للتصالح ظهرت في بعض الأحيان بين طهران والرياض، كما حدث في الشهر الماضي، من خلال التحركات الدبلوماسية، إلا أن أشكال المواجهة لم تتغير.
وترى الافتتاحية أن الرأي الموضوعي يقول إن كلا البلدين ليست لديه الوسائل الكافية لسيادة المنطقة: إيران الشيعية بسبب خلافاتها العرقية عن العرب، وأن سكان الشرق الأوسط غالبيتهم من السنة. والسعودية بسبب موقعها الجغرافي، وعدد سكانها القليل. فالجائزة التي يريد كل طرف الحصول عليها تظل خارج قدرة أي منهما. ولكن هذا لم يمنعهما من المحاولة. وفي قلب المسألة هي قدرة النظامين على البقاء.
وتبين الصحيفة أن لدى إيران مظاهر ضعفها، لكنها مستقرة. ففي ظل روحاني كانت ناجحة في سوريا أكثر من السعودية، وقوت الترتيبات النووية الأخيرة من موقعها. أما السعودية فلديها مشكلات أعمق، من أبرزها تراجع أسعار النفط، وهو ما يصعب عليها مواجهة الحنق السياسي. فيما أصبحت طبقة الأمراء كبيرة بدرجة لم تعد قادرة على مواصلة أسلوب حياتها الذي تعودت عليه، وفي الوقت ذاته لا يمكن استرضاء الطبقة المتوسطة وبشكل دائم، من خلال توفير الرفاه والدعم المقدم للاحتياجات الرئيسة. بالإضافة إلى أن التدخل في اليمن مكلف، وسيضع على الرياض أعباء كبيرة من أجل إدارة عمليات الإعمار في هذا البلد.
وتنوه الافتتاحية إلى أن قدرة الرجال، الذين هم في قمة المسؤولية، قد تأثرت بالحادث، فولي العهد الأمير محمد بن نايف، الذي كلفه الملك سلمان بتوفير السلامة للحجاج، قد تأثر موقعه.
وتختم "الغارديان" افتتاحيتها بالإشارة إلى أنه يقال إن ولي ولي العهد الأمير الطامح محمد بن سلمان، الذي يدير الحملة العسكرية في اليمن، كان من الذين قادوا حملة النقد داخل العائلة المالكة لولي العهد. ولا تعرف الصحيفة حجم الخلافات داخل العائلة المالكة، لكن حادثا بهذا المستوى، إضافة إلى التحديات الأخرى التي تواجهها العائلة المالكة، تطرح عددا من الأسئلة الجادة أمام صناع القرار فيها.