رغم حداثة العمر التاريخي لدولة
الإمارات الفتية، فقد دخلت التاريخ من أوسع أبوابه بإنجازات عملاقة تجاوزت من خلالها الكثير من الدول الأعرق منها. وتجلت الإنجازات في جوانب كثيرة ساهمت في تطوير المستوى الحياتي للمواطن الإماراتي إلى مستويات متقدمة جعلته يتبوأ الصدارة على المستوى العالمي..
ومع ضخامة هذه الإنجازات إلا أن الجانب السياسي والحقوقي لم يواكب هذه التطورات العملاقة حتى يتكامل بنيان الإنجازات بتعزيز كرامة المواطن الإماراتي وتعزيز مشاركته في الحياة السياسية والاجتماعية والتنموية.
ولو أن أهداف الإتحاد التي تضمنتها مقدمة الدستور قبل خمسة وأربعين سنة وجدت طريقها إلى الترجمة العملية لتكاملت المنجزات وغابت الثغرات، فقد أكدت المقدمة على مبدأ هام ينص على "إعداد شعب الاتحاد للحياة الدستورية الحرة الكريمة، مع السير به قدما نحو حكم ديمقراطي نيابي متكامل الأركان، في مجتمع عربي إسلامي متحرر من الخوف والقلق".
ورغم عراقة هذا المبدأ التاريخية المرتبط بتاريخ تأسيس الدولة قبل قرابة نصف قرن من الزمان وتأكيده على حق مشاركة جميع المواطنين في الحياة الدستورية والسياسية إلا أن الواقع السياسي اليوم يؤكد تجاهل هذا الحق بدون أي مسوغات أو مبررات منطقية فما تزال شريحة كبيرة من المواطنين ممنوعة من حق التصويت والترشح . و ينطوي هذا التجاوز على مخالفة دستورية جسيمة تتناقض مع مبدأ سواسية جميع المواطنين في الحقوق والواجبات، وترسيخ منهجية التمييز بين مواطني شعب الاتحاد.
لقد أثبتت الأيام أن التهرب من الإصلاح السياسي تحت لافتة التدرج لا يفضي إلى ترسيخ حقوق الترشح والتصويت لجميع المواطنين. وإذا جاز لنا أن نتفهم الحديث عن التدرج في الصلاحيات المتاحة وفي التحول الديمقراطي مع جدولة خطوات التدرج وتحديد مراحله بصورة مدروسة وشفافة فإن التدرج لا معنى له قبل منح الجميع حق التصويت والترشح.. وبدون ذلك فإن الحديث عن التدرج ليس له أي معنى ولم يلمس المواطن أي حقيقة تؤكد وجود تدرج عملي سوى زيادة عدد الأسماء في القوائم الانتخابية والذي هو في حقيقته مخالفة دستورية، ما يؤكد أن الحديث عن التدرج مجرد شعار للاستهلاك الإعلامي والتهرب من مقتضيات الإصلاح الحقيقي والتطبيق الجاد للدستور. وما يؤكد أن الحديث عن التدرج مجرد لافتة للتهرب من تبعات الإصلاح الحقيقي أننا لم نشهد حتى الآن أي تطور في صلاحيات
المجلس الوطني في الرقابة والتشريع. فلازال المجلس يمارس دوره الاستشاري الغير ملزم.
ولو كان مجلسا وطنيا حقيقيا يمثل الشعب فأين هو دوره تجاه الممارسات القمعية التي مارستها وما تزال تمارسها الأجهزة الأمنية في حق شريحة كبيرة من المجتمع؟
ولماذا يلوذ المجلس بالصمت حول شكاوى كثيرة عن التعذيب في السجون، ولم يجرؤ المجلس حتى على المطالبة بالتحقيق في صحة هذه الشكاوى؟
ولماذا يدفن المجلس الوطني رأسه في رمال التجاهل ليتهرب من مسؤولياته تجاه الانتهاكات الخطيرة في السجن السياسي "الرزين"؟ ولماذا لم يتم تشكيل فريق من أعضاء المجلس لزيارة السجن ومتابعة حالة المعتقلين هناك؟
وما هو موقف المجلس وممثلي صوت الشعب من قوائم الممنوعين من السفر التي تضم المئات من المواطنين ومنهم أطفال؟
لقد سمع العالم أجمع باختطاف الدكتور ناصر بن غيث، ولم نسمع صوت ممثلي الشعب يحرك ساكنا أو يكلف نفسه السؤال عن أحد المواطنين المختطفين بالدولة؟
هذه التساؤلات وغيرها الكثير يؤكد حاجتنا الماسة إلى إصلاح سياسي يعمل على تحقيق أهداف الاتحاد عبر خارطة طريق تضمن للمواطن حقوقه و تنهض بالإصلاح السياسي إلى أرقى مستوياته. ولا أجد أفضل من عريضة مارس التي رسمت معالم الإصلاح السياسي لتمكين الشعب من المشاركة السياسية الحقيقية والفاعلة. إنها تمثل الإنطلاقة الحقيقية لمن أراد أن يثبت أنه حقا يؤسس للمشاركة السياسية للشعب الإماراتي.