كان من نتائج الحملات الأمنية للنظام السوري تهجير
شباب المناطق التي تخضع لسيطرته في
سوريا، بدءا من ملاحقة المطلوبين والاعتقال في بداية الثورة، واعتقال أقارب المطلوبين، وصولا إلى سحب المطلوبين للخدمة العسكرية الإلزامية وخدمة الاحتياط، ويضاف إلى ذلك تدهور الوضع الاقتصادي وتزايد صعوبات الحياة.
كل هذه الحملات أدت إلى تفريغ مدينة مثل
حماة من سكانها شيئا فشيئا، وخصوصا فئة الشباب الخريجين الجدد الذين أصبحت حماة بالنسبة لهم أشبه بسجن كبير، مع تدني الأجور وندرة العمل.
يقول الناشط أبو يزن لـ"
عربي21"؛ إنه لم يعد بإمكان أي شخص أن يسير في شوارع المدينة ويأمن على نفسه من الاعتقال أو الضرب أو الاستغلال بأبسط الطرق. ففي كل مكان دورية للأمن، أو عنصر يتجول بين المحلات أو بين الناس، إضافة إلى المداهمات اليومية التي لا يستطيع أحد توقعها. فكل حي معرض للمداهمة، وكل شخص فيه معرض للاعتقال دون معرفة السبب، "وهذا أحد أهم الأسباب التي تدفع الناس إلى
الهجرة وترى فيها الحل الوحيد للخلاص"، بحسب ما قاله أبو يزن.
ويروي عبد الكريم، وهو أحد أبناء مدينة حماة والمتخرج من كلية الطب البشري، وبدأ بممارسة اختصاصه في مشفى حماة الوطني، قصته؛ حيث يقول: "مصاعب الحياة هنا لا تنتهي، عدا عن وضع المدينة الأمني، أشعر أني محاصر داخل المشفى الذي أعمل فيه بسبب انتشار عناصر النظام والفوضى التي ينشرونها فيه"، بحسب قوله لـ"
عربي21".
ويضيف: "يبلغ الراتب الذي يتقاضاه الطبيب المتدرب 17 ألف ليرة سورية (حوالي 60 دولارا) شهريا، وهو لا يكفي حتى لدفع أجور المواصلات، وهذا ما دفعني لأفكر بالهجرة، فأنا أشعر أني أراوح في مكاني هنا".
ويشرح عبد الكريم عن انتشار فكرة الهجرة بين أهالي حماة، فقد أصبحت حديث الشباب، وحتى العائلات التي أصبحت ترى فيها الجنة المنتظرة لأولادها، وبات الكثيرون يبيعون أملاكهم ليؤمنوا ثمن الرحلة لأبنائهم، حيث يرون أنها ستخلصهم من الحياة التي يعيشونها داخل المدينة.
وأوضح عبد الكريم أن الكثيرين ليس لديهم أدنى فكرة عن خطورة الرحلة ومصاعبها، حيث سمع بكثير من الناس قرروا السفر إلى تركيا للعبور إلى ألمانيا على متن البواخر التي سترسلها ألمانيا لنقل اللاجئين السوريين، وتبين فيما بعد أنها إشاعة، حيث يرى عبد الكريم أن النظام وأتباعه هم من أطلقوها ليغروا الناس بالخروج.
ويرى سكان في حماة أن النظام يعمد إلى الضغط الأمني على المدينة وتعقيد الوضع المعيشي فيها؛ ليجبر الناس على الخروج منها، ولينفذ خطته في التغيير الديموغرافي الذي بدأ به منذ عام 2012، بعد أن خرج الثوار من المدينة، ثم تدفق النازحون إلى داخل المدينة من المحافظات الأخرى.
ويقول أبو أدهم، الذي يسكن في حي القصور، لـ"
عربي21": "أصبح تعداد سكان حماة اليوم قرابة 4 ملايين شخص، بعد أن كان لا يتجاوز 900 ألف شخص قبل الثورة، هرب منهم أكثر من 400 ألف بسبب الظروف الأمنية. ومنذ أكثر من عام، بدأ النظام بجلب مواليه إلى المدينة ليسكنوها، فأصبحت لهم أحياء كاملة، كحي ضاحية أبي الفداء الذي يسكن أغلب ضباط النظام به".
ويرى أبو أدهم أن النظام مهد لقدوم مواليه إلى المدينة بنشر عناصره فيها بكثرة، ليعتاد الأهالي على وجودهم. فالسكن في حماة من قبل لم يكن فكرة واردة عند موالي بشار الأسد، على عكس حمص التي يسكن فيها قرابة 200 ألف من العلويين منذ سنوات قبل الثورة، ودمشق التي يبلغ العدد فيها أكثر من ذلك بكثير.