كان حادثا جللا في الشهر الماضي عندما فشلت قوة أفغانية، دربها الأمريكيون وزودوها بالعتاد في الدفاع عن مدينة قندوز الشمالية، أمام قوة أصغر بكثير من حركة طالبان.
لكن هذه الانتكاسة ليست سوى أحدث مؤشر على استمرار عجز القوات الأجنبية التي تلقت تدريبا أمريكيا عن القتال بكفاءة اعتمادا على قدراتها الذاتية.
ولم يكن في ذلك مفاجأة. وقد مرت واشنطن بذلك في
العراق العام الماضي. فبعد أن أنفقت 25 مليار دولار في
تدريب قوة عراقية كبيرة وتجهيزها بالعتاد، ألقت هذه القوة أسلحتها وتخلت عن مدينتين كبيرتين، هما الموصل والرمادي، لصالح متشددي تنظيم
تنظيم الدولة. وهزم ما بين 800 و1000 مقاتل من تنظيم الدولة 30 ألف جندي عراقي.
وقد حدث ذلك أيضا في فيتنام عام 1975، حيث انهار الجيش الفيتنامي الجنوبي الذي دربه الأمريكيون وزودوه بالعتاد في مواجهة هجوم للفيتناميين الشماليين. وسلمت القوات الجنوبية البلاد للشيوعيين في هانوي.
والآن نرى أن هذا الأمر يحدث في سوريا. فالقوات السورية التي دربها الأمريكيون لا تمتنع فحسب عن قتال تنظيم الدولة، بل إنها تنضم بدلا من ذلك لجماعات مثل جبهة النصرة المنبثقة عن تنظيم القاعدة.
وهذه الهزائم يجب أن تثير سؤالين لدى المسؤولين عن رسم السياسة الأمريكية: لماذا يحدث ذلك؟ ولماذا نواصل هذا النهج ونتوقع نتيجة مختلفة؟
يقول البعض مثل وزير الدفاع السابق روبرت غيتس، إن الجيش الأمريكي عاجز عن القيام بالتدريب الفعال بل إنه غير راغب في ذلك.
لكن هذا غير صحيح. فضباط الصف الأمريكيون يدربون الشبان والشابات من الأمريكيين طوال الوقت ويحولونهم على الدوام إلى مقاتلين أكفاء في غضون 12 أسبوعا.
والسبب في أن القوات الأجنبية التي تلقت تدريبا أمريكيا لا تنتصر في العادة، ليس أنها تلقت تدريبا سيئا أو زودت بعتاد رديء، بل إنه في واقع الأمر، تمتلك هذه القوات في كثير من الأحيان معدات أفضل وتتلقى تدريبا أشمل من خصومها.
ومع ذلك، فهي تفشل لأنها لا تملك الحافز. فالنجاح العسكري في ساحة القتال يعتمد بدرجة أكبر على ما إذا كان الأفراد مستعدين للقتال والموت في سبيل حكومة يؤمنون بها.. فالأمر لا يعتمد على حسن التدريب بقدر ما يعتمد على إيمان الجنود بأن حكومتهم تتصرف في صالح جميع مواطنيها.
ولم تكن القوات العراقية والفيتنامية الجنوبية تؤمن بذلك. ولا تؤمن به اليوم القوات في أفغانستان. فالجنود يرون أن هذه الحكومات عاجزة وفاسدة وطائفية. بمعنى آخر، لا يرى الجنود أن هذه النظم تستحق أن يضحوا بأرواحهم في سبيلها.
لماذا إذن تواصل الولايات المتحدة تدريب القوات الأجنبية رغم إدراكها لمشكلة الحافز؟
الإجابة بسيطة: فواشنطن تفعل ذلك حتى يمكنها أن تتحاشى الصراعات التي لم يكن ينبغي أن تتورط فيها في المقام الأول ثم يمكنها التظاهر بأنها حققت أهدافها.
في فيتنام كان من الواضح مثلا بعد (هجوم تيت) عام 1968 أن الولايات المتحدة لا يمكنها تحقيق هدفها بتأسيس دولة فيتنام الجنوبية المستقلة القابلة للاستمرار، رغم أن لها 500 ألف جندي على الأرض و1.3 مليون فرد في ساحة العمليات. ومن ثم بدأت واشنطن بسحب قواتها وتركت المعركة للقوات الفيتنامية الجنوبية التي دربتها، وتلك سياسة أطلق عليها الفتنمة.
ووقعت إدارة نيكسون اتفاقات باريس للسلام بعد ذلك بخمسة أعوام، وسحبت رسميا كل القوات الأمريكية وتركت القتال بالكامل للقوات الفيتنامية الجنوبية التي وصفت بأنها قوية وقادرة بما يكفي للدفاع عن بلادها. وكان ذلك على الورق فقط.
لكن إدارة نيكسون، دربت الجيش الفيتنامي الجنوبي كوسيلة لإضفاء المصداقية على الانسحاب الأمريكي وتبرير تضحيات 60 ألف أمريكي وأمريكية سقطوا قتلى في ذلك الصراع ونصف مليون أصيبوا بجروح فيه. وفي واقع الأمر، فقد أعلن الرئيس ريتشارد م. نيكسون وهو يوقع اتفاقات باريس عام 1973 أنه "سلام بشرف".
لكن عندما شن الفيتناميون الشماليون هجوما في 19 آذار/ مارس 1975، انهار الجيش الفيتنامي الجنوبي أسرع مما توقع الأمريكيون بل والفيتناميون الشماليون أنفسهم. وكان ذلك لضعف قيادة بعض الوحدات، ولأن كثيرا من الجنود الفيتناميين الجنوبيين لم يستطيعوا حتى الاقتراب مما كان لدى الشيوعيين الفيتناميين من حماسة وشغف بالنصر. وكذلك كان كثيرون في الجيش الفيتنامي الجنوبي يؤمنون إيمانا قويا بأن الولايات المتحدة ستهب مرة أخرى لنجدتهم.
وبالمثل في العراق، عندما اتضح أن الغزو لم يكن الرحلة السهلة التي وعد بها نائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد - وقامت الولايات المتحدة بحماقة بتسريح الجيش العراقي - اضطرت واشنطن للبدء في تدريب قوة عراقية جديدة بعد شهور من الغزو. ولو لم يحدث ذلك لاضطرت الولايات المتحدة على الأرجح للالتزام باحتلال دولة إسلامية لمدة عقد كامل. وكما أوضح الرئيس جورج دبليو بوش، فقد أصبحت السياسة الأمريكية، هي "عندما يقف العراقيون فسنجلس نحن".
وللأسف، ولظهور تنظيم القاعدة في العراق الذي تحول فيما بعد إلى تنظيم الدولة، فإنها لم تستطع الولايات المتحدة البدء في سحب قواتها قبل خمس سنوات أخرى. لكنها عندما انسحبت، فقد تركت خلفها قوة أمنية عراقية يفترض أنها مدربة تدريبا جيدا مكونة من 500 ألف جندي.
وتطرح أفغانستان موقفا مماثلا. فبعد أن رفضت طالبان تسليم أسامة بن لادن وقواته التابعة لتنظيم القاعدة، فإنه لم يكن أمام الولايات المتحدة من خيار سوى غزو هذا البلد وإزاحة طالبان عن السلطة. لكن واشنطن قررت بعد تحقيق ذلك أن تحاول تشكيل حكومة مستقلة مستقرة في بلد عرف عنه على مر التاريخ أنه "مقبرة للإمبراطوريات".
وفي إطار ذلك، عرف الجيش الأمريكي أن عليه أن يبدأ بتدريب قوة عسكرية لتوفير الأمن الوطني في الأجل البعيد والتصدي لطالبان التي بدأت تعيد تنظيم صفوفها في باكستان. لكن بعد زيادة الوجود الأمريكي في العام الأول للرئيس باراك أوباما في السلطة، فقد حدد أوباما موعدا نهائيا لسحب القوات الأمريكية وعجل بتدريب قوات الأمن الأفغانية التي أصبحت الآن تتجاوز الـ300 ألف.
ومع ذلك، فإن هذه القوة المجهزة تجهيزا جيدا لا يمكنها أن تصمد أمام طالبان. ورغم أن الأفغان اشتهروا بأنهم مقاتلون ذوو بأس على مر القرون، فإنه لا يمكنهم النصر حتى الآن لأن قوات الأمن الأفغانية التي دربها الأمريكيون تعاني من ارتفاع معدلات الهروب من الخدمة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن كثيرين من الضباط أكثر ولاء لقبائلهم ومذاهبهم من ولائهم للحكومة المركزية التي يعتبرونها فاسدة وعاجزة.
وأحد الأشخاص الذين يرتابون ارتيابا شديدا في القدرة الأمريكية على تدريب الجيوش الأجنبية بنجاح هو أوباما الذي قاوم دعوات كثيرة لترك عشرات الآلاف من الأمريكيين في العراق وأفغانستان لأجل غير مسمى. بل إن أوباما يصر على أن تكوين قوة من المعارضة السورية وتسليحها محض خيال.