وافق خبير اقتصادي أردني على ما تردد بين مجتمع رجال الأعمال في الأردن من أحاديث تفيد بأن الأزمات والأحداث والظروف الجارية في
سوريا والعراق هي من الأسباب الرئيسة في تراجع
الاستثمار الأجنبي في المملكة الصغيرة.
وتراجع الاستثمار الأجنبي في الأردن خلال الربع الثاني من العام الجاري بنسبة 65 في المئة، مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي، وذلك بحسب بيانات البنك المركزي الأردني، في حين بلغ حجم صافي الاستثمار 177 مليون دينار، مقارنة مع 510.8 مليون دينار من الفترة ذاتها أيضا.
وقال الخبير الاقتصادي، حسام عايش، في تصريحات خاصة لـ"
عربي21": "كان للأزمة في سوريا البلد التي تقع إلى الحدود الشمالية مع الأردن، والأحداث في
العراق الدولة التي تحد المملكة شرقا، أثر كبير وواضح في التأثير السلبي على واقع الاستثمار الأجنبي في الداخل الأردني، على الرغم من أن تاريخ الاستثمار الأجنبي في الأردن لم يكن على الدوام بوتيرة أو مستوى ثابت، إلا أن المنطقة وظروفها السائدة باتت تلعب دورا رئيسيا بالتراجع الاستثماري".
ورأى المحلل المالي أنه من أجل عودة المستثمر الأجنبي وزيادة مشاريعه الاقتصادية داخل المملكة، لا بد من توفير "بيئة حاضنة تتصف بالاستقرار والأمن الاقتصادي، تعمل على توفر الديمومة الاستثمارية، الأمر الذي يشجع المستثمر للحصول على عائد مالي مجزي، وربح مناسب، وزيادة دائمة في رأس المال".
واعتبر الخبير المصرفي أن أسباب تراجع الاستثمار الأجنبي في الأردن بات يستند إلى "أسباب غير تقليدية، فالتراجع لم يعد يرتبط بحجم الدين الخارجي، أو مؤشر التنافسية، أو حجم التسهيلات، أو حتى معدل الضرائب، بل بات مرتبطا بعنصر الأمن والاستقرار".
ونوّه الخبير الاقتصادي حسام عايش إلى أن غياب الاستقرار والأمن "سبب طارد لرأس المال الجبان"، الذي ما يلبث أن يهرب عند أول مؤشر يمكن أن يهدد وجوده أو أن يتسبب في ضياعه وتبخره، مشددا في الوقت ذاته على "ضرورة البناء على عاملي الأمن والاستقرار، وتسويقهما ليصبحا دعامتين من دعامات الاقتصاد، ووسيلتين مهمتين لتشجيع الاستثمار وتنشيط الأسواق".
يشار إلى أن أعلى مستوى وصل له صافي الاستثمار الأجنبي المتدفق لداخل المملكة كان في العام 2006 عندما بلغ مستواه 2.512 مليار دينار.
أما من الناحية السياسية، لم يكن رأي أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك، الدكتور أحمد سعيد نوفل، مخالفا لرأي الخبير الاقتصادي حسام عايش، فقد اعتبر أنه من الطبيعي تراجع الاستثمار الأجنبي في الأردن، في ضوء الأوضاع المشتعلة بالمنطقة".
وقال نوفل، في تصريحات خاصة لـ"
عربي21": "إن المستثمر الأجنبي الناظر للمنطقة، يرى وضعا استثماريا صعبا للغاية، فكل الدول المحيطة في الأردن مشتعلة، فمن ناحية فلسطين، ومن جهة سوريا، وفي مكان آخر العراق، ونهاية بلبنان، حتى السعودية، وما لحقها من إجراءات تقشفية جراء هبوط أسعار النفط، فكيف للمستثمر أن يأتمن على أمواله في بلد واقع وسط النيران واللهب، علاوة على تخوفات من مستقبل للمنطقة غير واضح المعالم؟".
وتساءل نوفل أيضا: "كيف للمستثمر الأجنبي أن يغامر في هكذا أجواء وظروف؟"، مشيرا إلى أن "المستثمر الأجنبي ينظر إلى الأردن على أنه جزء من لوحة بانورامية وليست فسيفسائية، أي بمعنى أنه يريد منطقة محيطة هادئة بالكامل حتى يتوسع في استثماره ويتمدد، لا أن ينحصر في بلد واحد دون غيره، فبذلك فائدته تقل، وهو ما لا يريد ولا يرغب به".
وفي الجهود الحكومية التي من الممكن أن تعيد المستثمر إلى البلاد وتشجعه وتحضه على الاستثمار، رأى أستاذ السياسة أن ذلك يعني "تقديم ضمانات من الحكومة للمستثمر، وهذا ما لا يمكن أن تقوم به الحكومة، لأن هذا الأمر خارج عن إرادتها، بالرغم من نواياها الجادة في جذب الاستثمار، ولكن التنبؤ الحكومي تجاه مستقبل المنطقة صعب، لأن عودة المستثمر الأجنبي مرتبط بعودة الهدوء لدول المنطقة، وهذا ما لا تستطيع الحكومة فعله أو توقعه".
وفي نهاية حديثه، لم يبد أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك، الدكتور أحمد سعيد نوفل، تفاؤلا في عودة الهدوء للمنطقة، بل قال: "إن الأمر يزداد سوءا وتعقيدا، ولا بد من التركيز على المستثمر العربي غير الرسمي، الذي من الممكن أن يتقدم ويستثمر ليكون بديلا عن المستثمر الأجنبي، بالرغم من الظروف والأحوال، فهو ابن المنطقة وليس من خارجها".
وبالعودة إلى الناحية الاقتصادية، يدلي الكاتب الصحفي المتخصص بالشأن الاقتصادي، زياد الدباس، برأيه حول الموضوع قائلا: "تتنافس دول العالم على استقطاب الاستثمارات الأجنبية إلى أسواقها المالية، من خلال تقديم الحوافز إليهم، وطمأنتهم، وحفظ حقوقهم، إضافة إلى إيجاد بيئة مواتية تضمن عائدات وأخطارا مقبولة نظرا إلى أهمية العلاقة بين نشاط الأسواق المالية والنمو الاقتصادي".
وقال الدباس في مقال له عبر المواقع الإلكترونية، اطلعت عليه "
عربي21": "يستمر تراجع تدفقات الاستثمار الأجنبي إلى الأردن بنسبة كبيرة، بسبب الأحداث الجارية في الجوار، على الرغم من أن السوق الأردني من أكثر أسواق المنطقة انفتاحا على العالم".
وأشار الدباس إلى أن "تدفقات المال الأجنبي تساهم في زيادة رؤوس أموال الشركات القائمة التي يساهم فيها، ويساعد في تعزيز نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة كبيرة"، منوها إلى "أهمية ترويج الفرص المتوافرة في السوق للمغتربين الأردنيين الذين تشكل استثماراتهم وتداولاتهم حصة مهمة من تداولات الأسواق العربية، وذلك من أجل تخطي عقبة تراجع الاستثمار الأجنبي في البلاد".