كتاب عربي 21

"العجلاتية" لا يديرون اقتصادا

1300x600
"العجلاتي" في كل بلاد الدنيا هو ذلك الشخص الذي يقوم بإصلاح الدراجات المتعطلة، لكنه في مصر هو ذلك الشخص الذي يدير اقتصاد الدولة.

بعد توقعات بدخول عشرات المليارات لخزينة الدولة من عائدات قناة السويس الجديدة والمؤتمر الاقتصادي، وبعد قرارات اقتصادية قيل وقتها إنها تهدف للقضاء على السوق السوداء للدولار ومحاصرته وتثبيت سعره، فوجئ الناس باختفاء الدولار من الأسواق وارتفاعه أمام الجنيه لمعدلات قياسية، وفوجئوا بالمسؤولين يكشفون عن خطط استدانة داخلية وخارجية بعشرات المليارات.

فما الذي أوصل الأمور إلى هذا الحد؟ وكيف انقلبت التوقعات الإيجابية إلى كوابيس؟ وهل كانت توقعات أصلا أم كانت مسكنات؟ ولماذا تحولت الإجراءات التي كانوا يعتقدون إنها ستقضي على السوق السوداء إلى غذاء قواها حتى أصبحت تهدد بالتهام الدولة نفسها؟

الإجابة عن كل هذه الأسئلة بجملة واحدة: لأن من يدير الاقتصاد في مصر لا يعرف شيئا عنه سوى أنه مادة يدرسها طلاب الصف الثالث الثانوي!

وإليك الأدلة:

1- المهندس شريف إسماعيل، رئيس الوزراء، تعهد بحل أزمة نقص الدولار وإعادة النظر في سياسات البنك المركزي النقدية الخاصة بالتعامل على الدولار، وتحديدا فيما يتعلق بقرارات الإيداع بالبنوك، دعك من التعهد بحل الأزمة، فالتعهد لم يتحدث عن أي خطة أو إجراءات أو جدول زمني، وتوقف قليلا عند عبارة "إعادة النظر في قرارات الإيداع بالبنوك، لأنها وحدها كافية لكشف قدرات القائمين على الاقتصاد"، هل تعرف ما هي هذه الإجراءات التي يدرسون الآن إعادة النظر فيها؟.

في شهر شباط/ فبراير الماضي اتخذ الدكتور هشام رامز محافظ البنك المركزي قرارا غريبا بتقييد الإيداع النقدي بالدولار للأفراد والشركات بحيث لا يتعدى 10 آلاف دولار يوميا، وبحد أقصى 50 ألف دولار شهريا، هذا يعني أن من يريد إيداع مليون دولار في حسابه البنكي يحتاج 20 شهرا ليفعل ذلك.

لو سألت أحد المارة في الشارع عن ما يمكن أن يسببه هذا القرار، سيقول لك ببساطة إنه سيجعل الدولارات في البنوك شحيحة، ويجعلها موجودة بشكل أكبر في خزائن رجال الأعمال والمستثمرين وشركات الصرافة، لكن المسؤولين عن الاقتصاد وعلى رأسهم رئيس البنك المركزي كانوا يرون وقتها إن هذا الإجراء سيحاصر السوق السوداء ويخفض سعر الدولار، والنتيجة هي ما نراه الآن.
 
2- قبل أسبوع من الآن أدلى أشرف سالمان، وزير الاستثمار، بتصريحات كارثية عن احتمالية تخفيض الجنيه المصري أمام الدولار، رغم أن البنك المركزي هو الجهة الوحيدة المعنية بالحديث عن أسعار العملات، وما يتعلق بتخفيضها أو زيادتها، ولا يجوز لأي وزير أو مسؤول في الحكومة إصدار تصريحات من هذا النوع.

تصاعدت أزمة الدولار بشكل غير مسبوق بعد تصريح الوزير، لأنه لا يوجد شخص عاقل يملك مبلغا بالدولار، وفي الوقت نفسه يملك تصريحا من وزير في الحكومة بأن سعر الدولار سيرتفع مجددا خلال أيام، يمكن أن ينزل ليبيع دولاراته الآن، الطبيعي أن ينتظر حتى يرتفع سعره كما بشّره الوزير.
 
3- تركت الحكومة أبواب الاستيراد مفتوحة بسفه، فمصر تستورد سيارات بـ3 مليارات دولار سنويا، وملابس جاهزة بمليار دولار، وأجهزة محمول بـ600 مليون دولار، ودخان بمليار دولار، ولؤلؤ وأحجار كريمة ومشغولات بمليار دولار، وأكل كلاب وقطط بنصف مليار دولار، وفول صويا ومستلزمات أعلاف وذرة بـ2 مليار دولار، وتُفاح وكريز بنصف مليار دولار، وفول وعدس وزيوت طعام بمليار دولار، حتى أننا نستورد "خس" من كوريا، و"حلبة" من الفلبين!.

وكما قال الخبير الاقتصادي الدكتور محمود عمارة، فإن وزراء ومسؤولين في الحكومة ربما لم يقرأوا من قبل اتفاقية الجات، ويعتقدون أنها لا تجعل من حقنا منع الاستيراد، رغم أن بها عشرات الطرق والبنود لحماية المنتجات المحلية والحفاظ على الاقتصاد المصري.

الاتفاقية تمنحنا الحق في إحضار قائمة بالسلع اللي نستوردها، ومقارنة كل سلعة نستوردها بالسلعة المحلية لمعرفة حجم العجز فى إنتاجنا من كل سلعة، وبعدها نحدد الكمية التى نحتاج استيرادها منعا لإغراق أسواقنا، وإفلاس المُنتجين المصريين وإهدار المليارات من العملة الصعبة.
 
4- 55 مشروعا أسفر عنها المؤتمر الاقتصادي الأخير في شرم الشيخ، لم يتم توقيع سوى 7 مشروعات فقط منها، تتركز معظمها في قطاعي الإسكان والكهرباء، لتنتهي الحصيلة اليومية التي كانت تعلن عنها الصحف للمؤتمر والتي وصلت في بعض التقديرات إلى 70 مليار دولار إلى لا شيء. 

الخبراء أرجعوا فشل المؤتمر إلى الأداء الضعيف لوزراء المجموعة الاقتصادية بداية من عدم عرض دراسات جادة على المستثمرين، فضلا عن صدور قانون الاستثمار قبل انعقاد المؤتمر مباشرة والذي لم يتم ترجمته أيضا، وكذلك عدم تحديد جهة مختصة للتواصل مع المستثمرين، وعدم الإعلان عن ملكية الأراضي المقرر إقامة المشروعات عليها، وقضايا التحكيم الدولي المرفوعة ضد مصر والتي يبلغ عددها 31 قضية تطالب مصر بـ 100 مليار جنيه لم تحل الدولة منها سوى ثلاث قضايا فقط، ثم البيروقراطية وانتشار الفساد في أجهزة الدولة.
 
5- الأفورة والمبالغة كانت السمة السائدة على تصريحات الجميع بدءا من رئيس الجمهورية مرورا بالحكومة ووصولا إلى رؤساء الهيئات الاقتصادية، 100 مليار من القناة الجديدة، 70 مليارا من المؤتمر الاقتصادي، نظرة متفائلة دوما للاقتصاد ونموّه، والجنيه واستقراره، والاستثمار ومستقبله.

على أرض الواقع الأمر دوما مختلف، مانحون خليجيون يوقفون تدفق الأموال إلى القاهرة، سياحة نضربها بالطائرات، قناة لا تزيد عوائدها بل تقل، إجراءات يتخذونها بهدف إصلاح الاقتصاد فإذا بها تقتله، إن لم يكن الأمر محاولة للتضليل فهو جهل وفشل يستحق المحاسبة.

لكن من يحاسب من؟

الذين يريدون تبرئة الرئيس دوما من أي كارثة حملوا وزراء المجموعة الاقتصادية المسؤولية كاملة عن كل هذه السقطات الاقتصادية إضافة إلى رئيس الوزراء السابق إبراهيم محلب، لكن عندما حدث التغيير الوزاري في سبتمبر الماضي، حرص السيسي على استمرار غالبية وزراء المجموعة الاقتصادية، من عينة أشرف العربي ومصطفى مدبولي وهاني قدري دميان، وحتى رئيس الوزراء السابق عينه السيسي مستشارا له للاستفادة من خبرته العظيمة في اللاشيء.

نعم الأزمة أن من يديرون الاقتصاد "عجلاتية"، لكن الأزمة الأكبر فيمن عين "عجلاتية" ليديروا الاقتصاد.