نشرت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية، تقريرا حول المأزق العسكري والسياسي الذي تواجهه
اليمن، قالت فيه إن لعبة
التحالفات الإقليمية والحروب بالوكالة التي تدور في اليمن؛ وصلت إلى طريق مسدود، والمتضرر الأكبر هو الشعب اليمني.
وأضافت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، أن اليمن يشهد حربا متعددة الواجهات، بين عدة خصوم، "فهي حرب دينية وعرقية وأيديولوجية، كما أنها حرب برية وجوية وبحرية، تمتزج فيها العوامل الخارجية المتناقضة، وتمثل مخبرا لمراقبة جميع التنظيمات والمجموعات المسلحة، وخاصة المتطرفة منها"، على حد تعبيرها.
واعتبرت أن هذه الحرب أدت إلى حالة غير مسبوقة من الفوضى؛ جعلت فهم حقيقة
الصراع ومتابعة مجرياته أمرا صعبا جدا، والأسوأ من ذلك هو أن الشعب اليمني وجد نفسه في قلب معركة متعددة الأطراف، وهو ضحيتها الأولى.
وقالت إنه منذ بداية الصيف المنقضي؛ استعادت القوات الحكومية زمام المبادرة، وتمكنت من كسب معركة هامة في ميناء عدن، ثاني أكبر المدن اليمنية، بفضل الدعم الجوي والبري الذي وفره التحالف العربي بقيادة المملكة العربية
السعودية ودول الخليج، التي اجتمعت بدافع واحد؛ هو الخوف من المد الشيعي.
وأشارت الصحيفة إلى أن
تنظيم القاعدة مثّل أحد المستفيدين من هذه الحرب، حيث نجح في بسط نفوذه بمدينة مأرب التاريخية في شرق اليمن، "ويوجد في هذه المنطقة بالإضافة للقوات الحكومية، وحدات عسكرية سعودية ودول عربية أخرى، وخاصة من الإمارات".
وأضافت أن التحالف الآخر "لا يقل هشاشة وتعقيدا عن التحالف السني، حيث إنه يجمع المتمردين الحوثيين، وهم فرقة يزيدية شيعية متطرفة، ينحدرون من شمال البلاد، ويخوضون صراعا ضد الدولة منذ سنوات، بلغ أوجه في السنة الماضية؛ عندما نجحوا في الدخول إلى صنعاء، والسيطرة على جزء كبير من البلاد. ويتحالف الحوثيون في هذا الصراع مع القوات التابعة للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، الذي أطاحت به الثورة الشعبية في سنة 2011".
وأكدت الصحيفة أن "الصراع لا يدور فقط بين هذين المعسكرين، حيث إن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية؛ استفاد أيضا من ضعف السلطة المركزية، والفوضى التي شهدها اليمن؛ لتوسيع نفوذه، وبعد أن ظل نشاط هذا التنظيم منحصرا منذ وقت طويل في جنوب وشرق البلاد؛ وجد الفرصة المناسبة لتوسعة نطاق نفوذه، وهو يسيطر اليوم على منطقة حضرموت التي تعود إليها أصول عائلة أسامة بن لادن، وميناء المكلا، وبعض أحياء عدن، وبعض الجيوب الأخرى المتفرقة".
وقالت إن قوة جديدة ظهرت في المشهد اليمني منذ أشهر، وهي
تنظيم الدولة الذي أصبح يمثل عدوا لكلا الطرفين المتصارعين، مشيرة إلى تقرير أصدره مركز ستوفان غروب الأمريكي للدراسات الاستراتيجية، جاء فيه أن "حرب اليمن تمثل بيئة مثالية لتنظيم الدولة لتنفيذ سياساته، فهو يسعى لبسط نفوذه في منطقة الشرق الأوسط، ويتبع لتحقيق ذلك استراتيجية جربها سابقا في العراق وسوريا، تعتمد خاصة على استغلال مناخ انعدام الأمن والاستقرار".
وأضافت الصحيفة أن اليمن تمثل ساحة أخرى للصراع السعودي
الإيراني، باعتبار أن الحوثيين مدعومون من قبل طهران، فيما تعتمد قوات المقاومة الشعبية على الدعم القادم من الرياض.
وتابعت: "لطالما اعتبرت المملكة أن أرض اليمن هي ساحتها الخلفية، وأن أمنها مرتبط بأمن اليمن، ولهذا اعتبرت أن سيطرة الحوثيين على جزء هام من البلاد؛ يأتي في إطار مخطط إيراني لمحاصرة المملكة، وتهديد أمنها؛ من خلال دعم هذه المليشيات التي تلعب دورا مشابها لدور حزب الله في لبنان، وهو ما يفسر قوة وسرعة رد الفعل السعودي".
وفي المقابل؛ حذرت الصحيفة من أن هذا التدخل العسكري السعودي، الذي يحظى بشعبية كبيرة في المملكة، يمثل تحديا خطيرا للنظام الحاكم؛ لأنه إذا فشل سيؤدي لإضعاف حكم عائلة السديريين، الذين سيطروا على مقاليد الحكم منذ وفاة الملك عبدالله في كانون الثاني/ يناير 2015.
وقالت إن الصراع في اليمن يمثل بالنسبة لإيران مسألة غير مصيرية، لا تتعلق بأمنها الداخلي، كما هو الأمر في سوريا والعراق، "ولكن رغم ذلك؛ فإن النظام الإيراني يمتلك فرصة لإضعاف المملكة السعودية، من خلال دعم الحوثيين، واعتمادهم كورقة في اللعبة التي تدور بين القوتين السنية والشيعية، وهو ما يفسر تدفق الأسلحة الإيرانية على هؤلاء المتمردين في الفترة الأخيرة".
وأشارت إلى أن ظهور تنظيم الدولة؛ زاد من تعقيد هذه الحرب؛ لأن هذا التنظيم، كما هو الشأن بالنسبة لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، يعرف جيدا كيف يجمع زعماء القبائل وأعيان البلاد حوله، وهذا ما يزيد من تعقيد مهمة التحالف العربي، الذي بعد أن عجز عن تحقيق انتصار ساحق ضد الحوثيين رغم الغارات الجوية المكثفة؛ يجد نفسه الآن في قلب لعبة أكثر تعقيدا، في مواجهة الحوثيين و"التنظيمات السنية المتشددة".
وفي الختام؛ اعتبرت صحيفة "ليبراسيون" أن الصراع اليمني يمثل انعكاسا حقيقيا لمسار التغيير الذي تشهده التوازنات في منطقة الشرق الأوسط، حيث تبدو السعودية كقوة عسكرية تحاول فرض نفسها كقائد للعالم العربي، بعد أن فقدت مصر هذا الموقع، وتخلت الولايات المتحدة عن حلفائها مع المنطقة، "كما أن التعاون المباشر أو غير المباشر بين المملكة، وبين بعض المجموعات المتشددة في اليمن؛ يبين بوضوح أن الهاجس الأساسي للمملكة؛ هو الخطر الشيعي، وليس هذه التنظيمات المسلحة".