1-
90 كيلو مترا قطعتها من مقر عملي في القاهرة إلى لجنتي الانتخابية بالمنوفية للإدلاء بصوتي في انتخابات برلمان 2011، كنت أعرف أن مرشحي الإخوان هم الأقرب للفوز، لكنني كنت أدرك أن صوتا واحدا ربما يغير المعادلة إما بترجيح كفة مرشح محسوب على الثورة أو حتى تقليل الفارق بينه وبين مرشح الإخوان حتى لا يظن الأخير أن هناك إجماعا على شخصه.
نفس المسافة قطعتها مرة أخرى في انتخابات الرئاسة عام 2012 للإدلاء بصوتي لصالح المرشح الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، حتى لا يكون الأمر مقتصرا على طرفي الاستقطاب، إخوان مرسي وفلول شفيق، وفي المساء جلست أمام التليفزيون أتابع عمليات الفرز التي تتم على الأهواء، تنبسط ملامحي مع كل صوت يحصل عليه مرشحي، وتعود للانقباض مع كل ورقة تحمل اسم مرشح آخر خاصة إن كان من المرشحين المحسوبين على نظام مبارك.
لكن الذي فعل كل ذلك لم يعد يتحرك للإدلاء بصوته ولو كانت اللجنة الانتخابية في غرفة بمنزله، والذين فتحوا صدورهم للنيران في محمد محمود من أجل تحديد موعد للانتخابات الرئاسية متهمون الآن بالسلبية ممن كانوا يعدّون الانتخابات مؤامرة صهيوأمريكية.
2-
أين الشباب؟
سؤال وجيه يطرحه مقدمو برامج التوك شو بعد كل انتخابات، وأطرحه قبل كل تخطيط للقاء على المقهى.
أقلب في قائمة الهاتف، هذا سافر إلى أمريكا، هذا يقيم حاليا في لندن، هذا يعمل الآن في شركة مقاولات بالخليج، هذا صدر ضده حكم بالحبس 15 عاما، هذا حظه أفضل، محبوس ثلاث سنوات فقط، هذا قتلته رصاصة بالخطأ في اشتباكات بين الإخوان والأهالي، وهذا مات برصاص ميري في مجلس الوزراء ولم أجرؤ على حذف رقمه إلى الآن، أما الأصدقاء الذين مازالوا أحياء أحرارا يقيمون في
مصر فالحديث معهم لم يعد كما كان في السابق، أحلامهم الجميلة انقلبت إلى سيناريوهات بائسة للمستقبل، وانتظارهم للحظة انتصار الثورة تحول إلى انتظار لأول فرصة هجرة.
سيقولون إن شباب مصر بالملايين وأكبر كثيرا من هذه النماذج السوداوية، هذا صحيح، هؤلاء ليسوا كل شباب مصر، لكنهم غالبية شباب مصر المهتمين بالشأن العام، الراغبين في ممارسة السياسة، العارفين بأهمية الانتخابات وجدوى التصويت فيها، هؤلاء الذين نجوا من محرقة الوعي في عصر مبارك، ناصبتهم العداء وتعاملت معهم كخصوم واستغل كل إمكانيات دولتك وأمنك لقتلهم معنويا وفعليا، لذلك عليك الآن أن تطارد شبابا آخرين يقفون على كورنيش النيل في انتظار فتاة يتحرشون بها، أو يقفون بسياراتهم على نواصي ميت عقبة في انتظار الديلر، أو يجلسون أمام جهاز بلاي ستيشن في انتظار الدور، أن الانتخابات مهمة وأن البرلمان موجود في شارع القصر العيني.
قديما كانت قمة البجاحة أن يقتلوا القتيل ويمشوا في جنازته، الآن وصلت البجاحة بهم إلى قتل القتيل ومطالبته بالإدلاء بصوته.
3-
يفرز أي نظام نوابه، ويقاس عمره بعمر ناخبيه، نظامكم يليق به برلمان يجلس على مقاعده مخبرون وشتامون ومعالجون بالأعشاب وآكلون على كل الموائد، نظامكم عجوز كما ناخبيه.
نعلم أن الناس لم تحجم عن المشاركة في الانتخابات استجابة لدعوتنا للمقاطعة، لكن الأهم أنها لم تستجب لدعوتكم للنزول، الناس لم تعد تصدقكم، لم تعد تتفاءل بالمستقبل معكم، لم تعد تتحرك بإشارة من إعلامكم، لم تعد تنزل بالملايين استجابة لطلب من رئيسكم.
قولوا إن الناس تخشى على الرئيس من البرلمان ولذلك قاطعته، قولوا إنهم يثقون في إدارة الرئيس ولذلك لا يريدون له شريكا في الحكم، قولوا إنهم لم ينزلوا لأنهم لا يريدون رؤية مندوبي حزب النور، قولوا ما شئتم، فيكفي أننا نعلم أنكم تكذبون، وأنكم تعلمون أنكم تكذبون، وأننا نعرف أنكم خائفون، وأنكم تعرفون أنكم خائفون.
يكفي أنكم تلومون معارضوكم لعدم خوضهم الانتخابات ترشحا وتصويتا، بينما يشكو حلفاؤكم من ممارساتكم معهم، فحزب النور الذي أراق ماء وجهه تحت أقدامكم يقول إنه سيحاججكم أمام الله، وتيار الاستقلال الذي نصب نفسه "بودي جارد" لكم يدرس الانسحاب من الانتخابات بسبب انحيازكم لقائمة "نهب مصر".
منعتم أحمد عز من خوض الانتخابات واستعنتم بأجندته التي أدار بها انتخابات 2010، وقتها أيضا كانوا يلومون على المعارضين عدم خوض الانتخابات، ويتهمون الشعب بالسلبية لإحجامه عنها، ويزعمون أن القوى السياسية انسحبت في المرحلة الثانية لأنها تأكدت من هزيمتها ليس أكثر، ويقولون أيضا: خليهم يتسلوا، ويؤكدون أن مصر ليست تونس، وأن الشعب كله مع مبارك، وبعدها بأيام كان مبارك حبيس قصره.
استمروا.