نشرت مواقع التواصل الاجتماعي صورا لشاحنة تابعة لقوات
نظام الأسد وهي تعلق أجساد مواطنين سوريين من قوات المعارضة، يقال بأنها جثث لشهداء ارتقوا في إحدى المعارك الدائرة بين النظام والمقاومة الشعبية المسلحة على الأراضي السورية وكأنها زينة أو صيد ثمين عرف باسم الديكور الشيطاني.
لقد حرص شبيحة الأسد ومقاتلوه على إظهار هذا الفعل الهمجي على أنه انتصار كبير على المقاومة، هذا الفعل البربري حسب قناعتهم يعد شكلا من أشكال الإذلال و"طق الرقبة" للمقاومة الشعبية المسلحة، ولكل من يرفض وجود الأسد، دون أن يفهموا أن مثل هذه التصرفات المشينة أردتهم إلى أقذر المستنقعات التي يمكن أن يسقط فيها البشر، ناهيك عن انعكاسات هذه الأفعال غير المسؤولة على ولي أمرهم؛ فبمثل هذه الأفعال يقدمون دليل إدانة جديد للمجتمع الدولي حول فظاعة نظامهم وهمجيته ودمويته، ويدفعون المجتمع الدولي إلى ترسيخ قناعته عن مدى إجرام الأسد ونظامه، وصعوبة الوصول إلى ما يطمح إليه سفراء الحلول السياسية من اندماج واتحاد بين قوات من النظام السوري وقوات من المقاومة الشعبية المسلحة لتشكيل قوة برية تتحكم برأسها قوات التحالف وتقودها إلى أن تكون في الخط الأول أثناء المعارك ضد تنظيم الدولة.
بوتين الذي بات صاحب القرار الأول في
سوريا اليوم يتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية عن أي عنف أو إجرام يصدر عن قوات الأسد التي باتت تأتمر بأوامر القيادات الروسية، وعلى الرغم من أننا نعلم مدى الإجرام الذي نشأت عليه القوات الروسية وشاهدنا أمثلة حية في الشيشان، إلا أن السقوط الأخلاقي في سوريا لن تحمد عقباه.
ونحن وإن لم يتسنّ لنا التأكد من أن من علقت أجسادهم على تلك الشاحنة، ومثل بجثثهم كانوا أحياء أم شهداء عندما علقوا، إلا أننا لا نستبعد إطلاقا الأسوأ، وخصوصا أننا قد خبرنا وحشية غير مألوفة في تعامله مع المعتقلين والأسرى، والتي يحاول إظهارها، ونشرها ظننا منه أن تلك الأفعال قد تثير الخوف والرعب في قلوب الشعب السوري، وتمنعه من المضي في ثورته ونضاله.
نذكّر بحوادث من الصعب أن تمحوها الذاكرة كرمي المعتقلين وهم مغمضي الأعين لضبع قبيح تم تجويعه لعدة أيام، أو ما تسرب عن بحيرة الأسيد التي تم التكتم عليها وحرص النظام على إخفائها بعد افتضاح أمره.. بحيرة الأسيد التي كانت تلتهم المعتقلين أحياء أو أمواتا، ناهيك عن الموت تحت التعذيب في أقبية الأمن والتمثيل في الجثث، والتي نشاهدها كل يوم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، موثقة بالصوت والصورة انتهاكات نظام الأسد وفنونهم الإجرامية، وما من رقيب ولا من حسيب على الأرض.
في السنوات الماضية شاهد الكثيرون فيديو للطفل أحمد نهار مسيلماني، ذي الخمسة عشر ربيعا وهو يعذب حتى الموت، من قبل قوات جميل الحسن، والتهمة أغنية ثورية في موبايله! أحمد من بين العديد من المعتقلين الذين قضوا تحت التعذيب في سجون الأسد، وعلى الرغم من أنه وإلى اليوم لا توجد أرقام حقيقية لأعداد الشهداء تحت التعذيب، إلا أن تعذيب طفل سوري حتى الموت كفيل بأن يجعلنا لا نطالب فقط بإسقاط النظام ومحاسبته بل ألا نقبل بأقل من محاسبة كل من وقف ويقف خلفه وساهم في بقائه.
على المجتمع الدولي اليوم أن يدرك أن نضال الشعب السوري مستمر حتى تطهير سوريا شبرا شبرا من براثن الأسد ومرتزقته، وأي اتفاقات دولية لن تأخذ قضايا المعتقلين وشهداء التعذيب كأولوية أولى في حلولهم، لن تثمر عن أي انفراج في أوضاع المنطقة.
إن واجب إخراج المعتقلين من سجون الأسد يقع على عاتق الدول التي تبحث عن تفاهمات مع روسيا.. وحسب ما أشارت إليه التحركات السياسية الأخيرة في المنطقة، فإن الاتفاق على نقل الصلاحيات الرئاسية إلى حكومة مؤقتة قد تم الإجماع عليه من قبل كل من حكومتي إسطنبول والرياض بمباركة موسكو التي تبحث في سبل تمكين علاقاتها مع الدول الداعمة للمعارضة السورية. وعلى هذا نأمل أن يتم طرح ملف المعتقلين السوريين في أقبية الأسد وأن يتم الضغط على موسكو كي تلعب دورا إيجابيا لإخراجهم ومنع النظام من ارتكاب المزيد من الانتهاكات على أقل تقدير تلك التي تتم بحق المدنيين وخاصة الأطفال والنساء والعجزة، وهنا نتساءل: هل تستفيق المعارضة السياسية من ثباتها وتحرك في هذه الملفات والقضايا المنسية وشبه المغيبة من ميزان الأولويات؟
إلى متى يبقى
المعتقلون في السجون مهملين.. منسيين؟! أما آن الأوان لإطلاق سراحهم؟ إذا كان الاعتقال من أجل الإبقاء على الأسد، فالأسد قد انتهى وفقد السلطة، وإذا كانت السلطة بيد روسيا الآن وهذا ما يبدو، فلماذا لا تبدي حسن نية وقليلا من الإنسانية في إخراج معتقلين قد قضي عليهم حيويا، ولم يعد بإمكانهم أن يبدوا أي رأي، لا في السياسة ولا في غيرها، فهم موتى وربما إخراجهم للحياة قد يحسن صورة روسيا فيما لا يضيرها عسكريا، وعلى العكس فسيكون مقدمة لحل سياسي تفتح شهية الثوار للتفاوض وتكون حجة لروسيا أمام الرأي العام العالمي بأنها مع الشعب، وجاءت لتخلص الشعب من
الإرهاب؟
أعتقد أن ملف المعتقلين ورقة رابحة بيد روسيا إن أحسنت استخدامها، وبدلا من أن تكون ورقة ضغط تثير الحنق والغضب لدى المعارضة، فإنها يمكن أن تربح باستغلالها إنسانيا ما يؤدي إلى إعادة النظر في نوايا روسيا وأهدافها في المنطقة.
لقد كان الشعب السوري صديقا للشعب الروسي، وبإمكان الصداقة أن تعود وأن تحقق روسيا أهدافها بالسلم واحترام الآخر، أما الحرب فلا نعتقد أن روسيا تسعى لـ"أفغانستان2" وهي تدرك نتائجها.