أكد المسؤول العام الجديد لجماعة الإخوان المسلمين الليبية، أحمد عبد الله السوقي، أن الجماعة ترحب بأي حكومة يتوافق عليها الليبيون في عمومهم ويرتضونها، مطالبا كل الأطراف بالتنازل وتقديم مصلحة الوطن العليا فوق كل المصالح، وتغليب لغة العقل، والسعي للخروج من هذه الأزمة.
وحول من يرفضون حكومة الوفاق التي أعلنت عنها بعثة الأمم المتحدة للدعم في
ليبيا، قال السوقي في حوار خاص لـ"
عربي21"- إنه من الطبيعي أن تكون هناك آراء مختلفة ومتباينة حول مخرجات
الحوار، إلا أن المهم هو استمراره بين الليبيين لتحقيق توافق يرضي الجميع.
وكشف "السوقي" عن أن الجماعة قامت بدعوة جميع أفرادها لتقديم مقترحات للتصحيح والاستدراك والتطوير وتلقت قيادتها العديد من الأفكار والرؤى، وعكفت لجان من أجل دراسة هذه المقترحات، مضيفا: "سيتم بلورة هذه المراجعات ووضعها في سياقات عملية تظهر للعيان، لكنها قد تأخذ بعض الوقت".
"عربي21": انتخابات قيادة الجماعة في عام 2011 اتسمت، لأول مرة، بالإعلان والشفافية وسط حضور وسائل الإعلام، بينما الانتخابات الأخيرة لم تكن كذلك.. فما السبب وراء هذا؟
"
السوقي": الأصل في دعوة الإخوان المسلمين هو العلن والتواصل مع الناس بشتى الوسائل، وعندما أتيحت فرصة العمل العلني بعد اندلاع ثورة 17 شباط/ فبراير قامت الجماعة بعقد مؤتمرها التاسع في أجواء الحرية والأمن والأمان.
بيد أن ما آلت إليه الأمور في دول الربيع العربي، وليبيا على وجه الخصوص، من صعود للثورة المضادة واستهداف لرموز "فبراير" جعل الحالة الأمنية تستدعي الحيطة والحذر، ومع هذا عقد المؤتمر العاشر ولمدة ثلاثة أيام متوالية، وحقق كل مستهدفاته والحمد لله.
"عربي21": ذكرتم أن المؤتمر العاشر شهد اتخاذ جملة من القرارات التي تستهدف تطوير أداء الجماعة ومواكبتها للمتغيرات الدولية والمحلية، فما هي أبرز تلك القرارات؟
"
السوقي": نؤمن في الجماعة أن دواعي استمرار أي مكوّن تنظيمي يكمن في قدرته على التصحيح والمراجعة والتطوير، وبدورنا نقوم بين الفينة والأخرى بإجراء هذه العملية من خلال الاستفادة من العقل الجمعي للمؤسسة، وكذلك من خلال قبول نصح الناصحين ومقترحات من هم من غير الإخوان المسلمين الذين يسدون النصح، ويقترحون الحلول والتعديل والتطوير، وبابنا مفتوح لاستقبال النقد البناء الذي يعبر عن تفاعل طبيعي بين الجماعة والمكونات المجتمعية بشتى أطيافها وتنوع مشاربها.
وتناولت المقترحات تطويرا في آليات وطرق عمل الجماعة، وأيضا في بنيتها التنظيمية وفي اللوائح والنظم الموجودة وصورة تلمس دور الجماعة الدعوي والنفعي العام وغير ذلك.
"عربي21": بيان الجماعة الأخير قال إنه تم اعتماد عدد من المبادرات الرامية إلى التصويب والمراجعة والتجديد، فما هي أبرز الخطوط العريضة لتلك المبادرات؟
"
السوقي": فيما يتعلق بالمراجعات والتصحيحات، قامت الجماعة بدعوة جميع أفرادها لتقديم مقترحات للتصحيح والاستدراك والتطوير وتلقت قيادتها العديد من الأفكار والرؤى النيرة، وعكفت لجان من أجل دراسة هذه المقترحات لتوفير أرضية مشتركة بينها.
والمقترحات شملت تطويرا في آليات العمل وفي البنية التنظيمية وفي اللوائح والنظم الموجودة وفي إصلاح المنظومة التربوية والاهتمام بالدعوة وأعمال البر والعمل النفعي العام وغير ذلك، وسيتم بلورة هذه المراجعات ووضعها في سياقات عملية تظهر للعيان، وقد يحتاج ذلك بعض الوقت، وأظن أن هذه التغييرات أملتها المرحلة الحالية بما فيها من تداعيات وأملاها تفاعل الجماعة مع واقعها والاستفادة من تجربة أربع سنوات من العمل.
"عربي21": ما هي أبرز الملفات والتحديات التي تواجه القيادة الجديدة للإخوان؟
"
السوقي": من أبرز الملفات والتحديات التي تواجه القيادة الجديدة هي المساهمة مع الخيّرين من بني الوطن في ردم الهوة وإصلاح تفكك النسيج الاجتماعي الذي حدث بسبب النزاع الحاصل بالبلاد، وكذلك تحقيق المصالحة الوطنية بين الليبيين، وأظن أن الوقت قد حان للّقاء والتوافق والتصالح من أجل بناء وطن ينعم الجميع بخيره ويعيشون في ظلاله.
"عربي21": بالتأكيد لكل كيان أو جماعة بشرية أخطاء، فما هي أبرز الأخطاء التي وقعت فيها "الإخوان" سابقا؟
"
السوقي": من مظاهر ذلك؛ هو تحقيق التوازن بين الدعوي والسياسي، فأولويات الجماعة في هذه المرحلة تكمن في التركيز على العمل التربوي الداخلي التكويني، وكذلك العمل الدعوي والعمل العام وخدمة المجتمع، حيث إننا نعتبر أن انشغال أفرادنا بالعمل السياسي على حساب العمل العام والدعوي خلال السنوات الماضية هو وضع طارئ فرضته الأوضاع السياسية وظروف الثورة.
"عربي21": هل يمكن القول بأننا إزاء مرحلة جديدة في تاريخ الجماعة في ليبيا؟
"
السوقي": تؤمن الجماعة بأن كل جسم حيوي لابد أن تكون له وقفة جادة مع الذات ومحطات تقويمية تصحيحية تستلهمها من التجربة السابقة والفهم الدقيق للمرحلة ووسائل وطرق العمل المفتوح واحتياجاته، وكذلك من خلال استشراف الآتي، بحيث يكون العمل وفق نظرة واقعية تراعي الخصوصية وتدرك دقة المرحلة وخطورتها، أخذا في الاعتبار نصح الناصحين وتسديد من لديهم الغيرة الذين نكن لهم كل تقدير واحترام.
ونحن نقبل النصح ونقدره بأي شكل جاء وعلى أي وضع بدا، وبابنا مفتوح وسيظل مفتوحا للجميع، للإخوان وغيرهم، لتقديم النقد والنصح والمقترحات، والتي نستقبلها بصدر رحب وبكل احترام وتقدير، ونحن نفرق بين الناقد الحريص وبين من يوجه لنا التهم الكاذبة من دون دليل بهدف صناعة الفتن والتحريض والتشويه.
"عربي21": ليبيا تعتبر من أوائل البلدان التي بدأ بها نشر فكر الإخوان، فكيف ترى حجم حضور وقوة الجماعة حاليا؟
"
السوقي": فكر الجماعة واسع الانتشار لوسطيته وموضوعيته، فهو يعكس منهج الإسلام ويستلهم تعاليمه ويعيش في ظلاله، ففكر الجماعة ومنهجها ووسائل سيرها منبثق من فهم دقيق وصحيح لكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وسير أصحاب القرون المشهود لها بالخير والصلاح من الصحابة الأبرار وتابعيهم.
جماعة الإخوان المسلمين هي أكثر الفصائل أو الجماعات التي تعرضت للتشويه والحرب الإعلامية ابتداء من زمن القذافي مرورا بالمراحل الانتقالية المختلفة بعد الثورة، حيث شنت حملة إعلامية تحريضية لتشويه الجماعة ومنتسبيها وأسست قنوات مرئية ومسموعة للنيل منها ومن رجالاتها.
وكل ما تم نشره بحق الجماعة من اتهامات هو محض افتراء لا يستند إلى أدلة، وللأسف لا أحد يطالب بهذه الأدلة ولا يعبأ بها المشاهد أو المستمع أو القارئ، وفي ظل عدم تفعيل القوانين، أصبح الافتراء والكذب على الجماعة وسيلة لنيل المناصب والحظوة والترحيب لدى بعضهم.
نعترف أيضا بأن سبب ذلك هو تأخر الجماعة في التعريف عن نفسها وعدم اهتمامها بشكل مناسب بدحض كثير من الشبهات وتفنيد كل تلك الإدعاءات والاتهامات.
"عربي21": ومن يقف وراء تلك الحملات المضادة لكم، برأيك؟
"
السوقي": الهجمة التي تهدف لتشويه الجماعة ورموزها تقاد من دول إقليمية لها مصالح في وأد الربيع العربي وثوراته، عملت بطرق ممنهجة وسخّرت وسائل متعددة لتحقيق ذلك، فأسست إذاعات وفضائيات، وجندت جيوشا إلكترونية محترفة، ومواقع تواصل اجتماعي وغيرها، همها تلفيق التهم للجماعة ومن والاها أو ناصرها من دون أدلة أو تبين أو تحقق، فقامت بالتحريض على الرموز، وساهمت في تنفيذ اغتيالات لأبناء الجماعة وأنصارها، ما أسهم في إذكاء روح الكراهية وتعقيد مشهد التنوع والتعدد والتوافق الذي كنا نتمناه أن يسود بين بني الوطن الواحد.
"عربي21": ما موقفكم من العنف الذي يمارسه البعض؟
"
السوقي": أعلنّا مرارا وتكرارا بأننا ضد العنف والإرهاب أيا كانت جهته، ونعتبر أن الانقلاب على السلطة ومحاولة الاستيلاء عليها أيضا هو شكل من أشكال الإرهاب، ونعتقد جازمين بأن الحل يكمن في التعدد واحترام الآخر وممارسة الحقوق المدنية في جو من التنافس الشريف والتوافق المأمول.
"عربي21": كيف ترون تسمية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لرئاسة وعضوية حكومة الوفاق الوطني؟ وما موقفكم منها؟
"
السوقي": نرحب بأي حكومة يتوافق عليها الليبيون في عمومهم ويرتضونها، وإذا توافق الليبيون على أي حكومة فنحن معها وسندعمها، لأننا مع خيارات شعبنا وننحاز لمصلحة الوطن ونقدر أن المشهد الحالي غاية في التعقيد.
ونعلم أنه على أي حكومة قادمة أن تجعل في مقدمة أولوياتها تحقيق السلم الاجتماعي وإنهاء حالة الانقسام وتوفير الأمن والأمان لكل الليبيين، وكذلك السعي لتوفير الخدمات والاحتياجات للمواطن وعلى الجميع في هذه الحالة دعم الحكومة وتوفير السبل الكفيلة لإنجاحها.
"عربي21": كيف تنظرون لرفض بعض الليبيين نتائج حوار الصخيرات؟
"
السوقي": من الطبيعي أن يكون هناك فروقات وآراء مختلفة ومتباينة حول مخرجات الحوار، والمهم هو استمراره بين الليبيين لتحقيق توافق يرضي الجميع في ظل الانقسام الحاد بين بني الوطن الواحد.
وهذا
التوافق لن يكون إلا بتنازل الأطراف وتقديم مصلحة الوطن العليا فوق كل المصالح وتغليب لغة العقل والسعي للخروج من هذه الأزمة التي تسببت في الاحتراب والتنازع، فيجب الالتفاف حول خيارات الشعب الذي عانى ولا يزال يعاني ويلات الحرب والانقسام.
"عربي21": ناقشتم أيضا خلال اجتماعكم الأخير الأوضاع الليبية والجهود الدولية الرامية إلى تحقيق المصالحة والتوافق، فكيف يمكن إنهاء تلك الأزمة برأيك؟
"
السوقي": إنهاء الانقسام الليبي هو مسؤولية تضامنية تعتمد على التواصل بين الفرقاء وتحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية، ولا يجب أن تكون مخرجات الحوار نصوصا تدون وتعتمد ويوقع عليها في ردهات مكاتب الصخيرات أو جنيف أو حتى غدامس، إنما هي ميثاق غليظ بين الإنسان وربه وتوافق حقيقي بين جموع بني الوطن وعهد مكتوب يحترمه الجميع يؤسس لمرحلة جديدة يخرج الوطن فيها من محنته، ويهنأ الجميع بالعيش في ظلاله.
"عربي21": كيف ترون العدوان الروسي على سوريا؟ وما موقفكم منه؟
"
السوقي": نعتقد أن دخول روسيا على المشهد السوري قد عقّده، مؤذنا بتدويل الصراع، وهو محاولة أخيرة من دولة الكرملين لإعادة إنتاج نظام الاستبداد، ونعتقد جازمين أن الشعوب ستنتصر في النهاية مهما بلغ حجم الصراع وتعددت أطرافه وأطيافه.
"عربي21": وماذا عن الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة ضد المسجد الأقصى؟
"
السوقي": نحن ندين كل أشكال الاحتلال الصهيوني، ونندد بالاعتداءات التي يتعرض لها المسجد الأقصى المبارك، وندعو عموم المسلمين وكل أحرار العالم للوقوف ضد تلك الاعتداءات أو النيل من الشعب الفلسطيني الذي يمثل خط المقاومة الأول ضد الاحتلال.