سجل الميزان التجاري بالجزائر عجزا كبيرا بلغ أكثر من 10 ملايير دولار، خلال الشهور التسعة الأخيرة، ومن المنتظر أن يصل العجز إلى 12 مليار دولار، ويسجل هذا العجز لأول مرة منذ 15 سنة، وقد اتخذت الحكومة
الجزائرية قرار اللجوء إلى
الاستدانة من الخارج بعدما كانت الاستدانة مجرد شائعة.
دفع انهيار أسعار
النفط، وتراجع مداخيل الخزينة العامة بالجزائر، الحكومة الجزائرية إلى الاستدانة من الخارج، أعواما قليلة فقط من اتخاذ الحكومة الجزائرية، قرارات متوالية، بإلغاء ديون عدد من الدول، خاصة العربية والأفريقية.
وألغت الجزائر ديون 14 دولة عربية وأفريقية، العام 2012 ، وقدر إجمالي هذه الديون بـ 6 ملايير دولار، كما منحت الجزائر، صندوق النقد الدولي، قرضا بـ5 مليار دولار، لما حققت الخزينة العامة فائضا من خلال موارد النفط، الذي وصل إلى أعلى مستوياته عام 2012 (140 دولار للبرميل).
لكن الجزائر التي ألغت ديون عدد من الدول ، صارت بعد ثلاث سنوات غير قادرة على استكمال برنامج التنمية
الاقتصادية الذي أقره الرئيس بوتفليقة عام 2009، بسبب تراجع موارد الخزينة العامة، ولجأت برسم الموازنة السنوية للعام 2016 إلى إلغاء المشاريع الكبرى والاكتفاء بالمشاريع الاستعجالية، في إطار خطة تقشف.
وارتفعت أسعار المواد الاستهلاكية بشكل لافت منذ شهور قليلة، بينما شدد الرئيس الجزائري في اجتماع مجلس الوزراء، منتصف الشهر الجاري على ضرورة أن تصارح الحكومة الشعب بالحقيقة.
ويعتبر قرار الحكومة الاستدانة من الخارج، صادما للجزائريين، وانتقدت المعارضة السياسية القرار، متهمة الحكومة ونظام الرئيس بوتفليقة بالتبذير والفساد وعدم إحكام خطة صارمة لاستغلال أموال النفط لما كانت أسعاره تعرف مستويات قياسية.
وبلغت الصادرات في الفترة من كانون الأول/ يناير إلى أيلول/ سبتمبر الماضي، حسب الأرقام الرسمية لمصالح الجمارك، قرابة 28 مليار دولار متراجعة بـ40 في المئة، كما قدرت الواردات بـ39 مليار دولار مقابل 44 مليار دولار السنة الماضية، مسجلة انخفاضا يقدر بـ 11 بالمئة.
وقال المحلل الاقتصادي الجزائري، حفيظ صواليلي في تصريح لصحيفة "
عربي21"، الأحد، "إن قرار الاستدانة اتخذ بديباجة قانون الموازنة العامة للعام 2016. وفي سابقة سجل الميزان التجاري الجزائري عجزا لم يسجله منذ 15 سنة، يقدر بـ10 مليار دولار، فقط في الشهور التسعة المنقضية من عام 2015، وينتظر أن يرتفع العجز إلى 12 مليار دولار، نهاية العام الجاري".
وتابع صواليلي" لا حل للحكومة حاليا إلا الاستدانة من الخارج لنقص الموارد المالية.
وشدد الرئيس الجزائري على الحكومة، عدم المساس بالسياسات الاجتماعية، في إطار خطة التقشف، لكن مخاوف جمة وسط المواطنين من أن تطال الخطة، المناح الاجتماعي، بعد ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية.
وأكد الوزير الأول عبد المالك سلال، خلال لقاء الحكومة ورجال الأعمال والنقابات، بمحافظة بسكرة، شرق العاصمة، الخميس الماضي، أنه "لا خوف على الجزائر ولا يمكن زرع ثقافة التشاؤم وسط الجزائريين".
لكن، الخبير في الشؤون الاقتصادية عبد الرحمن مبتول، شدد في تصريح لصحيفة "
عربي21"، الأحد على أن "التطمينات التي تطلقها الحكومة والوزارات تتعارض والوضعية الحالية للاقتصاد الوطني"، وأن "التفاؤل الذي تبني عليه السلطات العمومية خطابها الموجه للشعب تخالفه الأرقام الرسمية الصادر عن الدوائر الصادرة عن الحكومة ذاتها، فضلا عن المؤشرات الاقتصادية التي تنشرها تقارير الهيئات العالمية، وهي الوضعية التي تفرض عليها إعادة النظر في الإستراتيجية الاقتصادية المتبعة ومصارحة المواطنين المعنيين بتطبيقات القرارات المتخذة من السلطة بحقيقة الوضعية العامة للاقتصاد الوطني".
وتابع مبتول قائلا "في نظري إن الاستدانة من الخارج ليس مشكلا في حد ذاته، وإنما الإشكال يتعلق بطريقة استغلال هذه الأموال، إذ من الضروري استعمالها في القطاعات المنتجة بدلا من مجرد إنفاقها على الواردات أو لتغطية الاحتياجات الوطنية من الغذاء وغيرها، وفي هذه الحالة اللجوء إلى استدانة مع معدل أرباح مقبول أفضل من الاغتراف من المخزون الوطني من احتياطي الصرف، من منطلق أن نفاذه يؤثر سلبا على قيمة العملة الوطنية، ويفتح المجال أكثر لاتساع نشاط السوق السوداء".