يعدّ تحذير السفارات الأجنبية لرعاياها من "خطر ما"، في الدول التي يقيمون فيها أمرا روتينيا، وعملا طبيعيا من صلب مهامها، إذ تلجأ هذه البعثات الدبلوماسية للطلب من رعاياها اتخاذ أقصى درجات الحذر والاحتياط في هذا الإطار.
لذلك يمكن فهم تحذير السفارة الأمريكية في الأردن لرعاياها مؤخرا، وذلك عبر بيان على موقعها الإلكتروني، دعت من خلاله إلى تجنب
قيادة المركبات بعد حلول الظلام على الطرق الصحراوية، استنادا على "قلق محدد وموثوق، بناء على معلومات قدمتها مديرية الأمن العام للسفارة، بشأن الاضطرابات وأحداث العنف والنشاط الإجرامي المتكرر على تلك الطرق".
على الرغم من ندرة التحذيرات الصادرة عن السفارة الأمريكية في الأردن لرعاياها، وقلة عددها، فإنه من غير المفهوم، أن تعبر السفارة في البيان نفسه، عن عدم إعجابها بقيادة السائقين الأردنيين لمركباتهم، الذين فيما يبدو أثاروا استهجان السفارة، التي وصفت سلوكهم بـ"غير المنظم"، علاوة على تسجيل انتقادها لـ"سوء" البنية التحتية للطرق، وافتقادها للإضاءة المناسبة، فهذا أمر جديد وسابقة في تاريخ السفارة لم يعهده الأردنيون.
وفي توضيح من الجهة المسؤولة عن الطرق والبنية التحتية في الأردن، أقر الأمين العام لوزارة الأشغال العامة والإسكان، أنمار الخصاونة أن "هناك طرقا صحراوية بحاجة إلى صيانة وتأهيل من جديد"، لكنه أكد في الوقت ذاته، من خلال تصريح مقتضب وقصير جدا لـ"
عربي21"، أن "الوزارة تعمل بكامل طاقتها وبحسب إمكانياتها على تحسين الطرق الخارجية".
ولأن الانتقاد صادر عن السفارة الأمريكية، فقد رأى الأمين العام لوزارة الأشغال أنمار الخصاونة، الاعتذار عن التوسع في التوضيح، لأن التصريح في هذا الأمر ليس من صلاحياته، فالشخص المخول بالرد على السفارة الأمريكية وزير الأشغال سامي هلسة، في حين حاولت "
عربي21" الاتصال به، ولكنها لم تحصل على إجابة.
وفي استعراض تاريخي للتحذيرات التي وجهتها السفارة الأمريكية لرعاياها في الأردن، نجد أن السفارة حذرت العام الماضي رعاياها من ارتياد المراكز التجارية في عمان، بعد أنباء عن هجوم محتمل يستهدف هذه الأماكن، كما أنها عممت بتحذير آخر في بداية الحراك الشعبي في العام 2011 من الوجود في أماكن التظاهرات الشعبية.
وفي تحذير ثالث، نستذكر مطالبة السفارة لرعاياها بالحذر، بعد تعرض عدد من موظفيها لمطاردة من مجهولين في منطقة الحدود الأردنية العراقية.
وبحسب إحصائيات رسمية صادرة عن إدارة السير المركزية، فقد بلغ عدد الحوادث في الأردن خلال العام الماضي 102441 حادثا نتج عنها 688 وفاة، و14790 جريحا، مسجلة بذلك انخفاضا عن العام 2013 الذي كان مجموع الحوادث فيه قد بلغ 107864 حادثا، نتج عنها 768 وفاة، و15954 جريحا.
ولم تكن السفارة الأمريكية وحدها التي تحدثت عن طبيعة قيادة السائقين الأردنيين، فقد أشار الكاتب الأردني فايز أبو حميدان في مقال له على موقع "حوار نيوز" الإخباري، إلى أن صحيفة الشرق الأوسط نشرت في أحد أعداداها مقالا نقلا عن صحيفة die tageszeitung الألمانية، بعنوان "على الطريقة الأردنية"، تناول سلبيات قيادة السيارات في الأردن.
إلا أنه على الرغم من السلوكيات المؤلمة في أثناء قيادة سائقين أردنيين، مثل الشتائم والتعارك بالأيدي وغيرها، إضافة إلى احتلال الأردن المرتبة الرابعة في العالم في عدد الحوادث، بحسب إحصائيات صادرة عن جمعية الحد من حوادث الطرق، إلا أن عدد الوفيات الناتجة عن
الحوادث المرورية في الولايات المتحدة، أكبر بكثير من عددها في الأردن، إذ وصلت إلى 19 ألف وفاة في النصف الأول من العام 2015، بزيادة قدرها 14 بالمئة عن العام الماضي.
هذه الإحصائيات الأمريكية، إن دلت على شيء فإنها تدل على أن سلوك السائقين الأمريكيين أكثر استهجانا وأعم مصيبة من سلوك السائقين الأردنيين، بحسب ما قاله السائق الأردني محمد الوادي.
وقال الوادي الذي يعمل سائق أجرة، في حديث لـ"
عربي21" إنه استنادا على هذه الأرقام، لا يحق للسفارة الأمريكية أن تنتقد سلوك السائقين الأردنيين، لأن ما ينتج عن سلوك سائقيهم من وفيات كثيرة، أدعى للانتباه إلى بلادها ومعالجة أخطاء سائقيهم، بدلا من توجيه سهام النقد للسائقين الأردنيين، وفق قوله.