شهدت عمليات الخطف والاعتقال في مناطق الثوار في مدينة
حلب، تصاعدا كبيرا، ما دفع إعلاميين ونشطاء ثوريين لتنظيم اعتصام في حي الفردوس الشعبي، حيث نددوا بعمليات الخطف، وقاموا بحرق الإطارات وقطع الشارع الرئيسي بين دوار جسر الحج ودوار الصالحين تعبيرا عن رفضهم لهذه العمليات.
وكان خطف الناشط محمد ماهر كرمان (أبو ماجد)، المستشار السياسي لمجلس ثوار حلب ورئيس مكتب حزب الوعد الذي أسسه فراس طلاس، الشرارة لهذا الاعتصام.
وكان أبو ماجد (56 عاما) قد خطف بالقرب من كازية الكنج في حي الكلاسة منذ أيام قليلة، دون أن تعرف خلفيات الخطف وحقيقة الجهة الخاطفة، كحال معظم حالات الخطف التي سجلت غالبيتها ضد مجهول.
واتهم مجلس ثوار حلب جبهة
النصرة صراحة بخطف أبي ماجد، وحملها مسؤولية سلامته، مطالبا بإطلاق سراحه فورا.
وفي السياق ذاته، اتهم الناشط ناجي الجرف، رئيسُ تحرير مجلة حنطة، جبهة النصرةَ قائلا لـ"عربي21": "حالات
الاختطاف الأخيرة وراءها جبهة النصرة".
لكن أمراء في النصرة في المنطقة نفوا مسؤوليتهم. ويقول أبو قصي لـ"عربي21": "التهم الموجهة للنصرة خطيرة، ولا تلامس الحقيقة، فالنصرة تعمل تحت الشمس، ولا تخجل من أفعالها"، مضيفا: "نحن لا نعتقل إلا من يعمل ضد المسلمين، ويبيع دينه وقضيته للغرب"، بحسب تعبيره.
وكانت الجبهة قد أعلنت سابقا اعتقال عدد من الإعلاميين، كما لم تنف خبر اعتقالها لقيادات الفرقة 30 التي تلقت تدريبات على يد الأمريكيين، أو الحرب على حركة حزم أو جمال معروف قبل ذلك.
ويشير مقربون من النصرة إلى احتمال تورط جهات "تضمر الشر للنصرة" بعمليات الخطف بهدف تشويه سمعة الجبهة.
ويقول معتز من سكان الكلاسة لـ"عربي21": "أعداء النصرة -والحمد لله- كثر، بدءا من النظام والتنظيم (تنظيم الدولة)، وليس انتهاء بفصائل اللصوص والعمالة كحركة حزم، وجمال معروف"، وفق تعبيره. وتبدي النصرة حساسية تجاه أي فصيل أو جهة تتعامل مع الغرب.
ويتهم ناجي الجرف النصرة قائلا: "هناك تهديدات للناشطين حذيفة دهمان وكرم المصري من النصرة، أو أشخاص محسوبين عليها".
ويرى الناشط منذر سلال أن الخطف يتم غالبا من فصائل إسلامية؛ لأنها، بحسب قوله لـ"عربي21"، "تقوم بالخطف بدافع ديني غالبا لا علاقة له بالحقوق، أي بتهمة التكفير أو الردة أو الخيانة".
وتنفي الفصائل الإسلامية هذه التهم، وترى أن هذا نهج تنظيم الدولة فقط، كما أوضح أبو قصي لـ"عربي21".
وتندرج عملية خطف أبي ماجد ضمن سلسلة طويلة من العمليات كان النظام والتنظيم المتهمين الرئيسين والوحيدين فيها بهدف وأد الثورة وخنقها، وبث الرعب ونشر البلبلة بين صفوف الشريحة الثورية.
ويشير الناشط أبو محمد الحلبي إلى أن التنظيم قطع أشواطا عن النظام في عمليات الخطف، وقال لـ"عربي21": "خطف الإعلاميين بالنسبة لتنظيم الدولة عمل ممنهج منذ كان التنظيم عاملا مع الثوار، وتميزت عملياته بالسرية والحرفية العالية".
ولا يستبعد ناشطون احتمال وقوف فصائل ثورية وراء عمليات الخطف، فتدخل المصالح الشخصية في هذا الإطار، إذ يعد الناشط الحلقة الأضعف بالمعادلة.
ويقول الناشط أبو حذيفة لـ"عربي21": "تلعب الغايات الشخصية دورها عند ضعاف النفوس، فلا يطيقون سماع صوت الحق، ولا يتحملون أن تكشفَ أخطاؤهم وعوراتهم"، بينما لا يجد الثوار وسيلة سوى الطرق الشرعية.
ويشير منذر سلال في هذا السياق إلى أنه "اعتاد الثوار عندما يكون لديهم مشكلة مع شخص ثوري أو أيّ شخص آخر، أن يتم استدعاؤه رسميا عبر هيئة قضائية أو شرعيّة".
لكن في المقابل، لا ينفي ناشطون وجود بعض الإعلاميين ممن يعملون لـ"جهات معادية للثورة". وفي هذا السياق، يقول الناشط أبو حذيفة: "في جبهة صوران، وأثناء رباط الثوار، اكتشفوا عمالة ناشط إعلامي يعمل لصالح تنظيم الدولة ويزودهم بمعلومات"، غير أنّ تهمة العمالة تبقى شماعة يصلب عليها أصحاب الرأي الحر، بحسب كثيرين.
لكن يبقى أن معظم
الناشطين المختطفين من "المعتدلين" الذين يعملون تحت علم الثورة، خلافا لحال الإعلاميين الآخرين الذين تحميهم فصائلهم.
ويقول الناشط محمد لـ"عربي21": "تتبع عمليات الاختطاف يُظهر بشكل لا لبس فيه أن المستهدف هو الصوت الثوري الذي يرفض الظلم، ويأبى التستر على العيوب والأخطاء".
ويرجح النشطاء الإعلاميون استمرار عمليات الخطف، بل وزيادة وتيرتها، نظرا لغياب المؤسسات الأمنية، ولغياب الهيئات القضائية الموحدة.
ويقول أبو حذيفة: "للأسف نجد كل فصيل له مؤسسته الأمنية ومحاكمه الخاصة به، وكلهم قادرون على اعتقال أي ناشط أو إعلامي، لكن لا أحد منهم قادر على حمايته". ومن هنا يستبعد محمد أن تتم الاستجابة لمطالب الناشطين بنصب حواجز أمنية مشتركة بين الفصائل، نظرا لتنوع التوجهات والمشارب من أقصى اليمين لأقصى اليسار.
ويخشى الإعلاميون أن تؤدي عمليات الخطف لإسكات الصوت الحر، وخلق فتنة تمزق صفوف الثوار عبر إثارة الشبهات، وتبادل التهم.