كتب غاريث سميث من مكتب طهران في صحيفة "الغارديان" تقريرا عن الصراع المحتدم داخل المؤسسة السياسية في
إيران، مع اقتراب موعد
الانتخابات، المقررة شهر شباط/ فبراير 2016، والسؤال المثير للجدل هو من سيخلف
المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران.
ويقول سميث إن السياسة الإيرانية تدخل مرحلة دقيقة قد تكون حاسمة. فقد تزايد النزاع العلني منذ الاتفاق
النووي، الذي وقع في تموز/ يوليو، في وقت يدفع فيه الإصلاحيون وبرفق باتجاه العودة إلى التيار الرئيسي في السياسة الإيرانية.
ويشير التقرير إلى أن الاقتصاد الإيراني قد تراجع، ويعيش حالة من الركود، بانتظار الإفراج عن الأموال الإيرانية المجمدة في بداية عام 2016. حيث من المتوقع أن يبدأ النمو من جديد، مستدركا بأنها مرحلة مثيرة للارتباك لحكومة حسن روحاني، فستعقد الانتخابات في شباط/ فبراير المقبل لكل من مجلس النواب ومجلس الخبراء، وسيقوم الأخير بانتخاب المرشد الأعلى.
وتبين الصحيفة أن المناورات السياسية الحالية المحيطة بمجلس الخبراء تعد الأكثر غموضا. ولكن الانتخابات لمجلس الخبراء أو "مجلس خبرغان" هي الأكثر أهمية من الناحية التاريخية، وهناك فرصة لاختيار المرشد المقبل خلفا لآية الله علي
خامنئي البالغ من العمر 76 عاما، الذي خضع العام الماضي لعملية في البروستات.
ويلفت الكاتب إلى أن آية الله خامنئي هو المرشد الوحيد للثورة الذي اختاره المجلس بعد وفاة آية الله الخميني عام 1989، وجاء بعد نهاية مرة للحرب العراقية الإيرانية، التي استمرت ثمانية أعوام. مشيرا إلى أنه يمكن اختيار المرشد المقبل بالطريقة ذاتها، لكن ذلك سيكون بعد قرار صعب للتوصل إلى اتفاق نووي مع الدول الكبرى، وبينها الولايات المتحدة.
ويقول سميث: "عندما كانت إيران في مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي في الفترة ما بين 2003 إلى 2005، خاف عدد من المبدئيين/ الأصوليين من حصول الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي على شعبية من الاتفاق. ومع أنه تم استبعاد الإصلاحيين من السياسة منذ الاضطرابات التي شهدتها إيران عام 2009، إلا أن الكثير من الإصلاحيين يخشون من حصول السيناريو ذاته مع حسن روحاني".
ويضيف الكاتب أن "روحاني هو في الجوهر رجل محافظ وبراغماتي، وواثق بأنه يستطيع تقديم تسويات وإدارتها في الداخل وعلى صعيد السياسة الخارجية. فهو وفريقه من المفاوضين، خاصة وزير الخارجية محمد جواد ظريف، لم يتوصلوا إلى اتفاق مع (الشيطان الأكبر)، ولكنهم حملوا معهم الطبقة السياسية، بمن فيها خامنئي".
وتعلق الصحيفة: "لكن المعارضين للاتفاق لم ينهزموا بعد، وهم يعرفون أن خامنئي يريد دعمهم المستمر، وقد حصلوا على تطمينات من تحذيره للإصلاحيين وغيرهم، بعد توقيع الاتفاق مباشرة، بعدم "استغلال" الاتفاق، وتأكيده استمرار المخاطر التي تمثلها أمريكا على المبادئ الدستورية".
ويذكر التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، أنه لن يظل خامنئي قائدا للأبد، وسيفكر الكثيرون بولائهم، ليس للمرشد الحالي، ولكن للقائد الجديد. وفي هذا السياق تعد الفترة ما بين الآن وانتخابات شباط/ فبراير طويلة في السياسة الإيرانية.
ويشير سميث إلى النقاش الداخلي، الذي دار بعيدا عن الأضواء في عام 1989، لاختيار خليفة للخميني. وحتى آذار/ مارس كان هناك اعتقاد أن آية الله محمود هاشمي شهرودي هو المرشح لخلافة خامنئي، لكنه انسحب من الانتخابات في مجلس الخبراء. لافتا إلى أن سبب انسحاب شهرودي لا يزال مجهولا، مع أن هناك أدلة تشير إلى أنه طعن من المؤسسة القضائية التي يترأسها صادق لاريجاني، الذي سيؤدي دورا في السياسة الإيرانية، وربما كان هو من المرشحين لخلافة خامنئي.
وتوضح الصحيفة أن حسن روحاني عضو في المجلس، كما هو الحال مع علي أكبر رفسنجاني، الذي خسر انتخابات عام 2005. مبينة أن هناك رغبة بأن يحقق براغماتيون مثلهما نجاحا في انتخابات شباط/ فبراير.
ويرى الكاتب أن الخيارات المطروحة أمام المبدئيين أو الأصوليين تنحصر في معارضة الاتفاق النووي، ولكنها لن تكون ناجحة في ضوء شعبية روحاني، مثلما لن تنجح فكرة العداء للغرب. ويشير هنا إلى اعتقال صحافيين وآخرين كصورة عن تصعيد النزاع بين المعسكرات، خاصة داخل الحرس الثوري الإيراني. ويتساءل: هل يتم الحديث عن مؤامرة خارجية واختراق جاسوسي؟
ويورد التقرير أن روحاني لم يظهر أي علامات بأنه قد تأثر بالاستفزازات، وحذر من مظاهر القلق حول وجود "اختراق"، وهو المصطلح الذي استخدمه خامنئي في أيلول/ سبتمبر. ودعا إلى عدم استغلاله من الفصائل لتحقيق أهداف سياسية، وقال: "علينا القتال بطريقة جدية وحقيقية أي نوع من الاختراق الأجنبي، وينبغي عدم السماح لعدد قليل من الأفراد للاستفادة منه". وأضاف: "عندما يقوم المرشد الأعلى بتقديم كلمة علينا أن نفهمها جيدا ونطبقها، لا أن نسمح لفئة أو جماعة أو حزب بالاستفادة منها لمصالحه الشخصية".
وبحسب الصحيفة، فإن المبدئيين أو الأصوليين ربما كان لديهم سلاح آخر في مجلس الوصاية، الذي يقوم بتصفية المرشحين للبرلمان ومجلس الخبراء. وبالتأكيد فسيقوم بمنع أي شخص له وجهة إصلاحية، وبينهم أعضاء التحالف الإسلامي الوطني الإيراني ومن هم على صلة بالحركة الخضراء، من الترشح للانتخابات.
وينوه سميث إلى أنه لا يمكن التعرف على المدى الذي سيقوم به المجلس لمنع إيرانيين من الترشح، لكنه قام في عام 2013 بمنع رفسنجاني من الترشح للانتخابات الرئاسية بسبب العمر. رغم أن هذا العامل لن يكون مهما في عضوية مجلس الخبراء، خاصة أن عمر رئيسه آية الله محمد يزدي قد تجاوز 84 عاما، أي أكبر من رفسنجاني بثلاثة أعوام. وهو ما سيعطي خامنئي حالة من الرضا لرؤية منافسه القديم قد منع من أي دور في عملية التحضير لانتخاب خليفة له. موضحا أن الأمر لن يحدث دون مخاطر. ففي عام 2005 ربما فكر خامنئي مرتين عندما أمر مجلس الوصاية السماح لإصلاحيين بالترشح للرئاسة.
ويفيد التقرير بأن هناك بعض الإشارات إلى أن المبدئيين يريدون نقل معركتهم مع روحاني من الملف النووي إلى الاقتصاد، وهي البطاقة التي ربح من خلالها محمود أحمدي نجاد الانتخابات عام 2005، خاصة أن الاتفاق النووي لم يؤد إلى تغييرات ملموسة، كما توقع الكثير من الإيرانيين.
وتوضح الصحيفة أن الاقتصاد لم يظهر أي مؤشرات للنمو في العام الجاري الذي ينتهي في نهاية آذار/ مارس ،2016 بعد 3% من النمو في الفترة ما بين 2014-2015. وانخفضت نسبة التضخم من 40% قبل عامين إلى 15%، ومع ذلك لم يتوقف ارتفاع الأسعار في المحلات. لافتة إلى أن العقوبات المالية والنفطية على إيران ستظل حتى بداية عام 2016، ولن يساعد التراجع في أسعار النفط العالمية على توليد عائدات جديدة للحكومة.
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى أن روحاني اعترف بحصول نوع من النمو السلبي في العام المالي، الذي انتهى في آذار/ مارس 2015، وهو ما ورد في تقرير لصندوق النقد الدولي، حيث توقع نموا من -0.5% إلى 0.5%، وهذا كله يعتمد على التوقيت الدقيق لرفع العقوبات عن البلد.