أظهرت قصة الفتاة الأردنية، التي غادرت قريتها الصغيرة (عي) في محافظة الكرك جنوب الأردن، وسافرت إلى تركيا للانضمام إلى
تنظيم الدولة في الأسبوع الأول من الشهر الجاري، مدى اهتمام التنظيم باستقطاب أنصاره وتجنيدهم عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.
قصة الفتاة الأردنية واحدة من عشرات أو مئات القصص المشابهة التي تحكي وقائع ومشاهد التحاق الشباب (وبينهم شابات) بتنظيم الدولة من العالم العربي، ودول العالم الأخرى، تاركين وراء ظهورهم أوطانهم التي نشأوا فيها، ومفارقين لأهلهم الذين تربوا في أكنافهم.
بعد بسط نفوذه وسيطرته على مدن ومساحات واسعة في
العراق وسوريا، وبعد قيام مجموعات تابعة له، بأعمال تفجيرية مروعة، كتفجير الضاحية الجنوبية في بيروت، وتفجير الطائرة الروسية في سيناء، والهجمات الأخيرة في باريس، بات "تنظيم الدولة يلعب دورا حاسما في كونه فكرة عابرة للحدود" بحسب وزير الخارجية الأمريكية الأسبق هنري كيسنجر.
فما الذي يدفع أولئك الشباب للانضمام إلى تنظيم الدولة، وما هي عوامل الجذب التي تشدهم إليه؟ وما دور وتأثير عوامل الطرد الذاتية في المجتمعات والأنظمة السياسية العربية التي ضيقت خيارات أولئك الشباب، ما يدفعهم دفعا للالتحاق بتنظيم الدولة؟.
عوامل جاذبية تنظيم الدولة
أرجع الباحث السوداني المتخصص في السياسة الشرعية، حسن سلمان أسباب جاذبية تنظيم الدولة، خاصة في أوساط الشباب، إلى عدة عوامل، من أهمها ما يطرحه التنظيم من مثالية فكرية جسد فيها الإسلام بحسب رؤيته، وعبر عنه في أبهى صورة، بعيدا عن الخضوع لأنماط التعاطي الواقعي والإكراهات السياسية والضرورات المرحلية الشائعة عند الآخرين.
ووفقا لسلمان، فإن هذا الطرح يجد اهتماما بالغا خاصة لدى الفئات العمرية الشبابية التي تجنح بطبيعتها للمثاليات، لا سيما مع ضعف تحصيلها العلمي، وخبرتها العملية، يضاف إلى ذلك ما يقوم به التنظيم من ترويج وتسويق إعلامي احترافي، حرك العواطف ولبى الحاجة النفسية للانتقام عند الشعوب المقهورة التي وجدت عند التنظيم ما يشبع أشواقها الملتهبة.
واعتبر الدكتور سلمان إعلان التنظيم عن إقامة الخلافة – بغض النظر عن شرعية هذا الطرح وواقعيته – أحد الأسباب الهامة في جذب الشباب لما تمثله الخلافة لهم من تطلعات وأشواق مكبوتة، مع وجود قوة فاعلة ومؤثرة للتنظيم على الأرض.
وأوضح سلمان في حديثه لـ"
عربي21" أن "جاذبية التنظيم اقتصرت في تأثيرها على قطاعات شبابية، وفئات عمرية محددة، لكنها لم تستطع جذب القطاع الأوسع من التيارات الإسلامية بمختلف مدارسها، لأن التنظيم لا يهتم كثيرا بالرأي العام ولا يحفل به".
وأشار سلمان إلى أن جنوح التنظيم في ممارساته إلى التكفير والتفجير، ودخوله في مواجهات مع المجاهدين، وعدم وضوح علاقاته مع قوى الثورة، والشكوك التي تساور البعض حول طريقة أدائه العسكري والميداني أفقدت التنظيم كثيرا من المتعاطفين معه، وأثرت على جاذبيته السابقة.
إفشال منهج السلمية وعوامل طرد أخرى
في السياق ذاته لفت الدكتور عارف حسونة، أستاذ الفقه الإسلامي وأصوله في الجامعة الأردنية إلى أن إفشال تجارب الحركات الإسلامية التي تنتهج سبيل الدعوة السلمية، في كثير من
الدول العربية، له تأثيرات بالغة في صعود تنظيم الدولة، وتنامي حضوره في أوساط إسلامية واسعة.
وذكر حسونه في حديثه لـ"
عربي 21" أنه لاحظ أن بعض الذين يتبنون المنهج الدعوي السلمي، باتوا يصرحون بعدم جدوى هذا المنهج بعد إجهاض تجاربهم واغتيال نجاحاتهم، ما قوى جنوحهم إلى منهج العنف والقوة الذي تتبناه جماعات السلفية الجهادية، وفي مقدمتها تنظيم الدولة.
وأضاف حسونة أن "من أسباب جاذبية تنظيم الدولة في أوساط الشباب، إعلانه عن تطبيق الشريعة، والتزامه بذلك بحسب رؤيته والطريقة التي اختارها لتطبيق تلك الأحكام، وهو ما يلبي تطلعات الشباب في قيام دولة إسلامية، تطبق الشريعة".
من جانبه قارب الكاتب والمحلل السياسي الأردني، حسين الرواشدة صعود أيدلوجية تنظيم الدولة، وتكاثر المنضمين إليه، من زاوية تضافر عوامل الطرد الذاتية في المجتمعات والأنظمة العربية والإسلامية التي تدفع الشباب للوقوع في غواية جماعات الغلو والتطرف، وفي مقدمتها تنظيم الدولة.
وقال الرواشدة لـ"
عربي 21" إن عوامل الطرد أكثر حضورا وتأثيرا من عوامل الجذب، فتنظيم الدولة لا يملك في حقيقة الأمر عوامل جذب مؤثرة، لولا توافر جملة من عوامل الطرد التي توفرها البيئة العربية، في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كالاستبداد والقمع والفساد وانسداد أفق العمل السياسي.. وما إلى ذلك.
وأضاف الرواشدة "عوامل الطرد ليست محصورة في البيئة العربية، أو الإقليمية، ولكنها تمتد كذلك لتطال البيئة الدولية، خاصة فيما يتعلق بعلاقتنا مع الغرب، وتراكمات الاستعمار الغربي للدول العربية، وما يشعر به الإنسان العربي من المهانة بسبب مشاريع الهيمنة الغربية على العالم العربي.
ولفت الرواشدة إلى أن تعاطف العشائر السنية العراقية مع تنظيم الدولة، باعتباره القوة المدافعة عنهم، في الصراع الهوياتي المحتدم هناك، كان بحكم الاضطرار له، لعدم وجود من يمثلهم ويدافع عنهم، وليس لقناعتهم بأيدلوجية التنظيم وأفكاره.
وردا على سؤال حول مدى استفادة تنظيم الدولة من إفشال دعاة السلمية، وإجهاض تجاربهم، أكد الرواشدة أن دعاة السلمية اليوم محرجون أمام الواقع العربي، ويجدون أنفسهم كمن يروج لبضاعة لا يشتريها أحد، لا في الداخل الإسلامي، ولا في الخارج.
وخلص الرواشدة إلى القول "إن ما يستهوي الشباب اليوم ويجذبهم، هو نموذج من يفرض نفسه بالقوة على الأرض، لذلك فإن وجود تنظيم الدولة، وما قام به من تفجيرات سواء في مصر أو فرنسا يجد تعاطفا لدى الكثيرين، لأنه يقدم لهم النموذج المفقود (كما يرونه)"، مشيرا إلى عجز الجميع عن تقديم النموذج البديل القابل للتطبيق رغم الدعاوى العريضة والكثيرة.