قال الكاتب ديفيد إغناطيوس في تقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست"، إن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أعلن أن بلاده في حرب مع "الدولة الإسلامية"، وبالتأكيد فإن أمريكا جزء من هذه الحرب أيضا. مستدركا بأن ما يحتاجه المقاتلون بشكل ضروري هو خريطة طريق للمستقبل بعد هزيمة التنظيم الإرهابي.
ويقول إغناطيوس إن "التخطيط لشكل الشرق الأوسط الجديد يبدو ضربا من الخيال الآن، مع توسيع المتطرفين حربهم، ولكنه ممارسة ضرورية للتحالف العريض، الذي يحارب
تنظيم الدولة، والذي يتضمن روسيا وإيران ومعظم الدول العربية السنية، بالإضافة إلى أمريكا وفرنسا ومعظم بقية أوروبا. إن هزيمة المتطرفين ستضيف إلى حالة الفوضى في الشرق الأوسط ما لم يكن هناك اتفاق على كيفية ملء الفراغ في
سوريا والعراق".
ويضيف الكاتب أنه "لتسهيل التخطيط الإستراتيجي، فإنه من المفيد أن ندرس بعض التواريخ التي حددت نهاية صراعات متشنجة: 1648 و1815 و1919 و1945 و1989. نتج عن أربعة منها أطر متينة عالجت أسباب عدم الاستقرار، ولكن أحدها تسبب بالكارثة التي يعيشها الشرق الأوسط الحديث. فلنلق نظرة سريعة على
اتفاقيات السلام هذه، ففي كل منها درس لما نعيشه اليوم".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن هذه الاتفاقيات هي:
•اتفاقية ويستفاليا عام 1648، ولعل الاتفاقية نفسها أشهر من الصراع الذي حلته، الذي يوصف بشكل مجتمع بأنه حرب الثلاثين عاما. وقد شبه العديد من المحللين الصراع الكاثوليكي /البروتستانتي في أوروبا بالحرب السنية الشيعية الطاحنة في الشرق الأوسط.
وتبين الصحيفة أن اتفاقية ويستفاليا عالجت صميم الخلل في أوروبا بخلق نظام سيادة، يقرر فيه كل حاكم ديانة دولته. وبقبولهم لفكرة عدم التدخل في شؤون الآخر. وينظر إلى هذه الاتفاقية على أنها أسست لخلق الدولة القطرية.
ويجد الكاتب أن اتفاقية ويستفاليا تبدو ليست ملائمة لمنطقة تعيش حالة ذوبان للحدود، ولكنها كانت تتضمن الاحترام المتبادلة وتقرير المصير، وهما فكرتان يحتاج الشرق الأوسط الحديث عنهما كثيرا.
•مؤتمر فيينا عام 1815، الذي أعاد إلى أوروبا توازنها بعد الاضطرابات التي تبعت الثورة الفرنسية والحروب النابليونية. وشرح هنري كيسنجر فحوى الاختراق الدبلوماسي في ذلك المؤتمر في رسالة الدكتوراة التي نشرها عام 1954 بعنوان "أوورلد رستورد"، الذي يعني "استعادة عالم"، وحققت الاتفاقية استقرارا عن طريق التوفيق بين مصالح القوى الناشئة في 1815، مثل فرنسا ما بعد الثورة، وبروسيا التي كانت في حالة تمدد مع القوى الموجودة على أرض الواقع؛ وبريطانيا وإمبراطورية النمسا – المجر.
ويلفت التقرير إلى أن الشرق الأوسط اليوم يحتاج إلى مثل هذا الإطار أمنيا، تركيبة توازن بين مصالح المملكة العربية السعودية ومصالح إيران التي لا تزال متطرفة. وقد تكون مفاوضات السلام في سوريا، التي جمعت السعوديين والسوريين في فيينا هي البداية.
•اتفاقية فرساي عام 1919 في نهاية الحرب العالمية الأولى، ولكنها في رأي البعض هي التي تسببت بما يعاني منه الشرق الأوسط الحديث. حيث تقاسمت القوى المنتصرة (بريطانيا وفرنسا) أراضي الإمبراطورية العثمانية بموجب اتفاقية سايكس بيكو (1916). وكانت الدول الجديدة
العراق وسوريا ولبنان خليطا من الطوائف والمجموعات الإثنية، وحكمتها الدول الاستعمارية بحسب قاعدة "فرق تسد"، ولكن الحدود خلقت فترة فوضى وظلم بعد الاستقلال.
وتورد الصحيفة أن المؤرخ ديفيد فرومكين يصف اتفاقية فرساي بأنها "السلام الذي أنهى كل سلام" في كتاب له حمل هذا العنوان، والدرس للحاضر هو: إن لم تستطع حدود 1919 العيش فعليها أن تكون حدودا لدول فيدرالية غير مركزية.
• ويستدرك إغناطيوس بأنه إذا كان استراتيجيو اليوم طموحين، فعليهم أن يدرسوا كيفية صياغة الولايات المتحدة لاتفاقية 1945، التي أنهت الحرب العالمية الثانية. فقد بدأت أمريكا بالتخطيط منذ عام 1944 عندما أصبحت هزيمة ألمانيا واليابان محتملة. وعندما انتهت الحرب كانت الأسس قد أنشئت للأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
ويجد التقرير أنه يجب على التحالف الذي يحارب تنظيم الدولة أن يمتلك بعد النظر ذاته، وتطويرا اقتصاديا يستطيعان إيقاف التوتر في الشرق الأوسط.
•أما الاتفاقية الأخيرة، فتستحق التأمل بينما نفكر فيما يحل محل "الدولة الإسلامية"، هي اتفاقية الطائف لعام 1989، التي أنهت 14 عاما من الحرب الأهلية اللبنانية. وأوجدت اتفاقية الطائف موازنة قوى بين طوائف لبنان المتناحرة، وكانت القاعدة للتوصل للاتفاق هي "لا منتصر ولا مهزوم"؛ حيث حصل الشيعة على المزيد من القوة وحافظ المسيحيون على تمثيليتهم الزائدة. وقوة عربية (أدارتها سوريا حتى عام 2005) تحافظ على النظام. وأثبتت هذه البنية فعاليتها في الاستقرار.
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى أن الحرب ضد تنظيم الدولة تمنح الفرصة لإصلاح ما كان فاسدا لقرن تقريبا، فالتحالف يحتاج إلى طائرات دون طيار ومقاتلات، ولكنه يحتاج أيضا إلى مراجعة بعض كتب
التاريخ.