نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا لهبة صالح تصف فيه شكل التحول السياسي الذي يتم ببطء في
المغرب.
وتقول الكاتبة: "تصطف ثلاث صور كبيرة لملك المغرب الملك
محمد الخامس، على حوامل خاصة في القاعة المؤدية إلى مكتب العمدة الإسلامي المنتخب للعاصمة المغربية الرباط. هذه الصور هي إشارة قوية إلى حجم السلطة التي لا يزال الملك يتمتع بها في هذه البلد الشمال أفريقي، وإن كان في السنوات الأخيرة بدأ تحولا بطيئا نحو السياسة التمثيلية؛ لامتصاص الاحتقان في الشارع لأجل التغيير بعد الثورات العربية في 2011".
وتضيف صالح أن "السيد صديقي من حزب
العدالة والتنمية الحاكم هو واحد من عدة رؤساء بلديات إسلاميين، تم انتخابهم في أيلول/ سبتمبر، لقيادة عدة مدن، بما في ذلك عاصمة البلاد السياسية الرباط، وعصب البلاد الاقتصادي كزبلانكا، وكذلك طنجة وفاس وأغادير، تطور كان غير ممكن قبل عدة سنوات، حيث كانت ستتدخل الدولة لمنع مثل هذا النجاح".
وتنقل الصحيفة عن صديقي قوله إنه ينتظر أن يتمتع بسلطات أوسع تبدأ مع بداية العام الجديد، كون ذلك جزءا من الإصلاحات، حيث تم نقل صلاحية اتخاذ القرارات المحلية والميزانيات المحلية إلى المجالس المحلية.
ويضيف صديقي للصحيفة: "في الماضي كانت المجالس تحدد الميزانيات، ولكن الحاكم المعين من الملك هو الذي يوقع على قرار الصرف، أما الآن فكل مجلس مسؤول عن قراراته ويحاسب عليها".
ويشير التقرير إلى أن هذه الإصلاحات، التي بدأها ويسيطر عليها الملك محمد لنزع فتيل الاحتجاجات بعد الثورة في تونس ومصر وليبيا، سمحت للمغرب بأن تهرب من الاضطرابات التي أصابت البلدان الأخرى في المنطقة، وأفسدت فيها الاقتصاد، وأدت إلى الحروب الأهلية. وما ساعد على الاستقرار هو التعاون الحذر بين الملك والإسلاميين المعتدلين في حزب العدالة والتنمية، الذي يقوده رئيس الوزراء عبدالإله بن كيران، الذي قاد حكومة ائتلاف منذ انتخابات 2011. وجاءت الانتخابات بعد تبني دستور يتطلب من الملك أن يختار شخصا من أكبر حزب في البرلمان ليكون رئيسا للوزراء.
وتنقل الكاتبة عن الباحث غير المقيم في معهد كارنيغي للشرق الأوسط محمد مصباح، قوله: "الوضع هو أن هناك عملية إصلاح سياسي بطيئة جدا تراوح بين السلب والإيجاب. ولكن التوجه العام هو إيجابي. مثلا الدستور الجديد أعطى الحكومة والبرلمان صلاحيات أكبر يمكنهم عمل الكثير بها إن قرروا استخدامها. ولا يزال الملك هو القائد الأعلى واللاعب الأقوى، ولكنه لم يعد يملك الامتيازات كلها".
وتوضح الصحيفة أنه بعد أربع سنوات من وصوله إلى سدة الحكم، بقي حزب العدالة والتنمية يحظى بشعبية، مع أنه لم يحقق إلا القليل من خططه لتحسين ظروف الفقراء، مع اتخاذه إجراءت شد أحزمة، مثل إلغاء الدعم عن الطاقة لتحقيق عجز قيمته 4.3% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام.
ويلفت التقرير إلى أن نجاح الحزب الكبير في الانتخابات المحلية في المراكز المدنية الكبرى يشير إلى أن الحزب قد يكون في طريقه لتحقيق نتائج جيدة في الانتخابات البرلمانية العام القادم. ويقول المحللون إن الكثير صوتوا للحزب، لا لإسلاميته ولكن لسمعته النظيفة في بلد يقول الناس فيها إنهم تعبوا جدا من الفساد المتفشي.
وتبين صالح أنه بينما حققت إصلاحات الملك محمد نظاما سياسيا أكثر استيعابا، إلا أن حزب العدالة والتنمية حذر من تخطي الخطوط الحمراء. وهو لا يشكل أي تهديد لدور الملكية، التي دامت قرونا، مارس فيها الملك سلطات سياسية ودينية كـ "أمير المؤمنين".
ويقول مصباح للصحيفة إن الحزب تعمد تقييد رغبته في السلطة، مع الإشارة إلى أن الحواجز توضع في طريق الحزب من وقت لآخر من "الدولة العميقة"؛ وذلك للحد من نموه. وقرار وزير المالية تجاوز بن كيران الشهر الماضي، ودفع مبلغ خمسة مليار دولار لوزير الزراعة، الذي هو من حزب آخر موال للقصر لأجل تطوير الريف، نظر إليه على أنه محاولة لقصقصة جناح الحزب.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن المغرب مثل غيره من الدول العربية، حيث ظهر الإسلاميون قوة سياسية، فهناك حالة من الاستقطاب فيه بين القطاعات العلمانية من المجتمع والنخب المدنية والمتدينين المحافظين. ولكن الفرق هو أن حزب العدالة والتنمية تجنب الدفع بأجندة دينية، أو التصدي لقضايا مثيرة للجدل، مثل تطبيق الشريعة، الأمر الذي كان سيشجع الانقسام.
وتورد الكاتبة نقلا عن القيادي في حزب العدالة والتنمية، سعد الدين العثماني، الذي شغل منصب وزير خارجية في حكوم بن كيران الأولى، قوله: "ننظر إلى الشريعة على أنها أوسع بكثير مما ينظر إليه آخرون. فهي بالدرجة الأولى تؤكد كرامة وحقوق الناس، وإصلاح النظام القضائي؛ لجعل العدالة حقيقة. إنها إصلاح الشؤون العامة لجعلها أكثر شفافية ولتكون في خدمة المواطنين".
وتنوه الصحيفة إلى أن المغرب قد وصل إلى مرحلة من التوافق السياسي، يسمح له بمعالجة التحديات الاجتماعية والاقتصادية، من ضعف في التعليم وفقر وقلة إنتاجية وبطالة تصل على مستوى البلد إلى 8.7%.. مشيرة إلى أن هذه النسبة أعلى بين شباب المدينة والمتعلمين، حيث تصل إلى 40% و20% بالترتيب، بحسب البنك الدولي.
وبحسب التقرير، فقد قامت المملكة بتنويع اقتصادها وجذب الاستثمار الغربي في مجالات تصنيع السيارات والطائرات، حيث تبحث مثل هذه الصناعات قاعدة قريبة لأوروبا تكون فيها تكلفة الإنتاج أقل. وبدعم من الملك والحكومة تمددت الأعمال المغربية في أفريقيا؛ للتعويض عن النمو البطيء في المغرب؛ بسبب المشكلات الاقتصادية في أوروبا، التي تعد الشريك التجاري والاستثماري الرئيس للمغرب.
وتنقل صالح عن مدير شركة "ريتشبوند" للعقارات والصناعة كريم التازي، قوله إن التخفيف من البيروقراطية والفساد سيحسن الجو للشركات الصغيرة والمتوسطة. ويضيف: "القطاع الخاص المغربي لا يزال ضعيفا. السيارات والطيران ونقل الصناعات (الأوروبية) للخارج، هي ثلاث جزر للنمو في محيط من اللانمو؛ لأن رجال الأعمال المغاربة لم يعودوا راغبين بالمغامرة".
وتذكر الصحيفة أن المغرب كسب إشادة صندوق النقد الدولي؛ لتمكنه من السيطرة على النفقة العامة، والتزامه بالحد من العجز. ويقول مدير البنك المركزي عبد اللطيف الجواهري إن ما وفرته الحكومة من رفع الدعم عن الطاقة اعطى السلطات فرصا أفضل للاستثمار، وتقوية شبكة الأمان للفقراء. وأضاف أن الإصلاحات في التعليم والقضاء وتحسين قوانين العمل ضرورية لتحسين جو التجارة وخلق فرص العمل.
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن المطر ساعد على تحسين المنتوج الزراعي، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل النمو إلى 4.7%، قبل أن يتراجع إلى 3% من 2016. وقال البنك الدولي في أيلول/ سبتمبر: "وبالرغم من الأداء الاقتصادي المحترم، بقي الاقتصاد يميل بنيويا إلى الأنشطة غير القابلة للبيع، مثل البناء والأشغال العامة والخدمات، ويبقى ضعيفا في الإنتاج الزراعي"، مضيفا أن التحدي الأساسي للمغرب هو تحويل مميزاته من "استقرار سياسي وقرب من أوروبا وجاذبية استثمارية نسبيا، إلى عملية لحاق سريع بالركب الاقتصادي".