تراجع
مصر في العديد من المؤشرات التنموية، يجعل من مشروع
التنمية ضرورة لا بد منها، لمواجهة تحديات تعداد سكاني يقترب من 95 مليون نسمة، ولتلبية متطلبات وضع مصر الإقليمي والدولي. فمصر كقوة إقليمية، لم يعد يناسبها هذا التراجع التنموي، وتدهور أوضاعها
الاقتصادية.
إن تراجع مستويات التعليم بمصر في مؤشر التنافسية للعام 2015/ 2016، لتكون في المرتبة قبل الأخيرة له دلالات شديدة السلبية على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فمعنى ذلك أن ما يتم تخصيصه من الإنفاق العام بالموازنة العامة للدولة بنحو 105 مليارات جنيه، هو مجرد إهدار للموارد، كما إنه يعكس دلالة سلبية أخرى حول مهارات اليد العاملة المصرية، فتدني مستوى التعليم، يؤدي إلى اتساع شريحة العمال غير المهرة، وبالتالي انخفاض إنتاجيتهم.
وثمة مؤشرات أخرى، من بطالة وفقر وزيادة العجز بالميزان التجاري، نتيجة لانخفاض الأداء التنموي لمصر، ومنذ تموز/ يوليو 2013 (تاريخ انقلاب الجيش على أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا في مصر، محمد مرسي)، تصدرت دولة
الإمارات مشهد تقديم الدعم للاقتصاد المصري مع كل من السعودية والكويت.
إلا أن المشاركة الإماراتية كان لها ملمح مميز عن بقية دول الخليج، إذا اشترطت دولة الإمارات أن يكون جزء من مساعداتها في صورة عينية، كما أن بعض المشاريع التي تكفلت بتنفيذها في مصر، عهدت بها إلى القوات المسلحة لتنفيذها، وهذه إشارة تحمل عدة سلبيات منها، إصرار الإمارات على تواجد الجيش المصري في الحياة الاقتصادية المدنية.. والأمر الثاني حرمان القطاع الخاص من المشاركة في تنفيذ هذه المشروعات، ما يعد مساهمة في زيادة معدلات الركود الاقتصادي الذي تعاني منه مصر.
والمتابع للنشاط الاقتصادي في مصر، يلاحظ أن الإمارات تحظى بجانب كبير من اهتمام الحكومة المصرية، فمحافظ البنك المركزي المصري السابق وكذلك وزراء المجموعة الاقتصادية، لم تنقطع زياراتهم لدولة الإمارات، ما أعطى انطباعًا بأن الإمارات تدير الملفات الاقتصادية المصرية، أو أنه قد عُهد إليها بإدارة ملف التنمية بمصر..
كما أن مشاركة الإمارات في مؤتمرين اقتصاديين بمصر، خلال آذار/ مارس وأيلول/ سبتمبر الماضيين كانت واضحة، من خلال طبيعة المشروعات المطروحة في المؤتمرين، أو الحديث عن استثمارات إماراتية بهذه المشروعات.
وما يسترعي الاهتمام في قراءة العلاقات الاقتصادية الإماراتية المصرية، أنها تركز بشكل كبير على الأنشطة الريعية، واقتصاد الخدمات، وهي أمور محل نظر في إطار التحديات التي تعيشها مصر، وتدهور أوضاعها الاقتصادية..
وفي ما يأتي نتناول مظاهر عدم مناسبة نموذج التنمية الذي تقدمه الإمارات لمصر من خلال مشاركتها الاقتصادية، أو من خلال ترويجها لدخول شركاء آخرين لدعم الاقتصاد المصري:
التركيز على السياحة والعقارات
قطاعا السياحة والعقارات من القطاعات الاقتصادية المهمة، ولكنهما في حالة مصر، يأتيان من حيث الاهتمام بعد حاجات مصر من تلبية قطاعي الزراعة والصناعة، فقد حققت مصر معدلات نمو وصلت إلى 7.1% قبل عام 2010، وكان لقطاعي السياحة والعقارات مساهمة واضحة في هذا النمو، ولكن العائد من هذا النمو يتسم بدورات الركود والرواج في قطاع العقارات، وكذلك عدم الاستقرار في قطاع السياحة..
لذلك لم يؤد النمو المرتفع الذي تحقق في بعض السنوات بمصر إلى خفض معدلات البطالة أو تقليل رقعة الفقر، بل زاد الفقر في مصر مع ارتفاع معدلات النمو، وبالتالي فمصر تحتاج إلى إعادة ترتيب أولوياتها من حيث توجيهها الاستثمارات المحلية أو الخارجية لقطاعي الصناعة والزراعة، من أجل خلق فرص عمل مستقرة، وكذلك زيادة القاعدة الإنتاجية، وهو ما لم يتحقق في مشاركة الإمارات، حيث أتت مشروعاتها في قطاعي العقارات والسياحة، وخلت من أية أنشطة صناعة أو زراعية، سواء في مؤتمر شرم الشيخ في آذار/ مارس 2015، أو مؤتمر مرسى مطروح في أيلول/ سبتمبر 2015.
اهتمامات مختلفة
من خلال دراسات عدة، وجهت انتقادات كثيرة لنموذج التنمية المتبع في دولة الإمارات، من حيث اعتماده على موارد بشرية خارجية، وكذلك فقر الموارد الطبيعية.. لذلك فقد تم التوجه بشكل كبير لمشروعات العقارات والسياحة. وحتى النماذج السياحية التي نفذت وبخاصة في إمارة دبي، فقد كانت تتنافى والموارد الطبيعية، فضلًا عن اعتماد نموذج التنمية هناك على موارد ريعية من خلال النفط، أو التوسط في القروض الخارجية كما تم في حالة إمارة دبي.
ولكن الوضع في مصر مختلف، ويتطلب البعد عن هذه السلبيات التي تكرس أزمة التنمية في مصر، فنموذج التنمية بمصر يلزمه اعتماد تكنولوجيا كثيفة العمل في المراحل الأولى، من أجل استيعاب العاطلين عن العمل حاليًا، وكذلك الداخلين الجدد لسوق العمل، حيث تتمتع مصر بعدد سكان قابل للزيادة بشكل كبير. كما أن مصر لديها العديد من الموارد الطبيعية التي تسمح لها بإعادة بناء قاعدة إنتاجية قوية في قطاعي الزراعة والصناعة.
أما ما يخص التمويل، فثمة أزمة ثقة في المجتمع المصري، أدت إلى ظهور سلبيات في إدارة التمويل المتاح، حيث تكثر المدخرات غير الرسمية، والتي نرى أثرها في سوق الاقتصاد غير الرسمي، وكذلك القضايا المتكررة في جرائم ما يسمى بـ"توظيف الأموال"، وتحتاج مصر إلى برنامج حقيقي للاستفادة من الموارد المالية المحلية، وأن تلزم الحذر الشديد في ما يتعلق بإطلاق يد المسؤولين في الاقتراض الخارجي.
وثمة أمر مهم في هذا الإطار، يتعلق بدور الإمارات في تمويل مشروعات التنمية بمصر، حيث اقتصر الدور الإماراتي على التمويل الجاري المتعلق بدعم احتياطيات النقد الأجنبي، أو تقديم بعض شحنات النفط، بينما مصر تحتاج إلى استثمارات دائمة، والإمارات تمتلك ثاني أكبر صندوق سيادي في العالم بعد النرويج، وبإمكانها أن تساهم في تمويل حقيقي بمصر، يستطيع أن يخرجها من عثرتها التنموية، وهو السؤال الذي يحتاج إلى إجابة حول طبيعة العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
دور الوسيط
تسعى الإمارات عبر الإعلان عن عدة مشروعات بمصر، إلى أن تقوم بدور الوسيط، كما هو الحال في مشروعات المؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ.
لقد اعتمد مشروع العاصمة الإدارية الجديدة لمصر – الذي أُعلن لاحقا عن فض عقده بين الحكومة المصرية والشركة الإماراتية – على الترويج من الجانب الإماراتي، لكافة مشروعات العاصمة، سواء بالجانب السياحي أم الصحي أم الترفيهي، فيما تفتقد الشركة أي ملاءة مالية تمكنها من تنفيذ المشروع، أو أجزاء منه.
وحاولت الشركة التي أعلن عن اختيارها لتنفيذ مشروع المليون وحدة سكانية، الحصول على التمويل من الجهاز المصرفي المصري، لتصبح مجرد منفذ ينافس شركات المقاولات المصرية، التي تعاني الركود منذ سنوات.
والشيء نفسه في المشروعات التي أعلن عنها بمليارات الدولارات في مؤتمر مرسى مطروح، فدور المطور العقاري، دور رئيس تحرص عليه الشركات أو الدولة الإماراتية، بينما مصر تحتاج إلى دور الشريك، لبناء تنميتها التي طال انتظارها من قبل المواطنين.
في الختام، يمكن القول بأن فاقد الشيء لا يعطيه، فالإمارات رغم كونها دولة نفطية، ولديها تجربة يمكن وصفها على الصعيد التجاري أو الخدمي بأنها ناجحة، فإنها تصنف في عداد الدول النامية، حيث يعتمد ناتجها المحلي على الأنشطة الريعية، وتندر أو تقل في ناتجها المحلي مساهمة التكنولوجيا أو المكون الصناعي المعتمد على المعرفة.
وإذا كانت مصر والإمارات تشتركان في كونهما دولتين ناميتين، فإن مشكلات التنمية في كل منهما تختلف بشكل جذري، وأجندة التنمية في مصر تنقصها إرادة سياسية، واستقرار سياسي وأمني، وتجربة ديمقراطية حقيقية، وهي مفاتيح لا تمتلكها الإمارات ولكن تمتلكها مصر وحدها.