قدم الكاتب الأمريكي توماس بيكيتي، تفسيرا جديدا لصعود
تنظيم الدولة. وهو تفسير يختلف عن ربط صعوده بالسياسات الطائفية، التي تبنتها حكومة بغداد الشيعية ونظام بشار الأسد في دمشق.
وتقول صحيفة "واشنطن بوست" في تقرير لها، إن بيكيتي، الذي حقق شهرة ومبيعات هائلة من كتابه "رأس المال في القرن الحادي والعشرين"، تقدم بتفسير ربط فيه عدم التساوي في الدخل العام للمواطنين بالإرهاب.
ويشير التقرير إلى أن الكاتب عرض رأيه في الصحيفة اليومية الفرنسية "لوموند"، حيث تحدث عن التفاوت في الدخل، كونه سببا من أسباب الإرهاب في منطقة
الشرق الأوسط، بما في ذلك الهجمات على باريس الشهر الماضي.. متهما الدول
الغربية بالوقوف وراء عدم
المساواة.
وتبين الصحيفة أن بيكيتي يرى أن النظام السياسي والاجتماعي في الشرق الأوسط يتميز بالهشاشة؛ نظرا لتركز
الثروة في يد عدد من الدول ذات الكثافة السكانية القليلة. ويقول: "لو نظرنا للمنطقة الواقعة بين مصر وإيران، بما فيها
سوريا، لوجدنا أن دول النفط في الخليج تسيطر على نسبة 60- 70% من الثروة، فيما تسيطر دول يعيش فيها 300 مليون نسمة على نسبة 10%".
ويكشف التقرير عن أن الكاتب لم يحدد أسماء الدول الثرية، ولكن من خلال دراسة أجراها العام الماضي، حول عدم المساواة، فهو يعني بالدول الثرية قطر والإمارات العربية المتحدة والكويت والسعودية والبحرين وعمان، التي تعيش فيها نسبة 16% من سكان المنطقة.
وتذكر الصحيفة أن بيكيتي يجد أن تركز الثروة في منطقة ذات كثافة سكانية قليلة، يجعل من الشرق الأوسط المنطقة "الأكثر تباينا على وجه البسيطة".. مشيرا إلى أن من يتحكم بالثروة في هذه الدول الغنية ما هي إلا طبقة صغيرة من المجتمع، فيما لا تحظى المرأة أو المهاجرون إلا بشيء قليل.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأنه بناء على ذلك يستنتج الكاتب أن الظروف الاقتصادية أصبحت المبرر للجهاديين وضحايا سلسلة من الحروب في المنطقة، التي أطالت أمدها القوى الغربية. وتبدأ قائمته بحرب الخليج، التي قال إنها أعادت النفط "للأمراء"، مع أنه لا يخصص مساحة واسعة لتحليل مفصل. ولكن ما يريد قوله هو أن الحروب أدت إلى تركز الثروة في يد مجموعة صغيرة من سكان المنطقة، التي أصبحت "برميل البارود" للإرهاب.
وتلفت الصحيفة إلى أن بيكيتي انتقد نقدا لاذعا الدول الغربية، التي دعمت هذه الأنظمة الثرية في المنطقة، التي "كانت سعيدة بالحصول على الفتات لتمويل نواديها الرياضية وبيع السلاح. ولهذا السبب فدروسنا عن العدل الاجتماعي والديمقراطية لا تلقى اهتماما لدى شباب الشرق الأوسط".
ويورد التقرير أن الكاتب يعتقد أن "الإرهاب المتجذر بعدم المساواة لا يتم التصدي له إلا اقتصاديا. ويجب على الغرب في هذه الحالة أن يظهر اهتماما بالتنمية الاجتماعية للمنطقة، أكثر من اهتمامه بمصالحه المالية مع الأنظمة الحاكمة".
وتنوه الصحيفة إلى أن بيكيتي دعا أوروبا إلى التخلص من ممارسات التمييز في استخدام المهاجرين، والقضاء على البطالة، والتخلي عن سياسات التقشف، وإحياء نموذجها عن الاندماج، وخلق فرص العمل، مشيرا إلى أن القارة استوعبت مليون مهاجر في العام قبل الأزمة المالية.
وترى الصحيفة أن آراء بيكيتي لم تحظ بعد بنقاش في الولايات المتحدة، وسواء كانت المساواة أصل الإرهاب والعامل الذي يدفع الشباب نحو تنظيم الدولة، أم لا، فإنها قد تكون بداية النقاش في الولايات المتحدة.
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى أن نقاش بيكيتي يظل متجذرا برد جذور الإسلام السياسي إلى الفقر والعوامل الاقتصادية، وهو لا يأخذ بعين الاعتبار قوة الرسالة التي يحملها التنظيم، الذي يجذب إليه مقاتلين من مختلف مناطق العالم.