يقول القائمون على القائمة الانتخابية التى تم إعدادها في دولاب الدولة وأجهزتها إنهم استطاعوا ضم عدد كبير من النواب ليشكلوا ما يسمونه (ائتلاف دعم الدولة المصرية) بحيث زاد عددهم على الثلثين بما يسمح بتعديل الدستور، وقال منسق القائمة في تصريحات صحفية: "نحن نؤيد الرئيس تماما وليس هناك ما يدعو للخلاف مع الرئيس".
وأكدت كل المقدمات خلال الشهور السابقة أن المشهد الانتخابي المزعوم هدفه الإتيان ببرلمان مؤيد للسلطة وتابع لها، هكذا تم تفصيل المشهد بكل لقطاته وشخوصه وتعددت الأدوار وسُمح ببعض الإثارة والتشويق المحكوم بحدود حتى لا يمل المشاهد، لكن النتيجة النهائية وافقت هوى المخرج الذي ارتكب الخطأ المعروف لدى ممارسي المونتاج والمصممين بـ Over-Editing ..
كان نظام مبارك يدرك أهمية وجود معارضة حتى لوكان يحاصرها ويهمش أدوارها ويلاحقها، حتى في الأوقات التي كانت فيها المعارضة الحقيقية تقاطع العملية السياسية وتبتعد عنها كان نظام مبارك يخلق معارضين من تحت ردائه حتى لو كانوا من رجاله الذين يتقاسمون الأدوار، أما السلطة الحالية فهي لا تجد مكانا سوى للمؤيدين والمطبلين ولا ترضى بغير الإجماع، وكل من يخالف خطها ولا ينصاع لرغباتها فهو محل اتهام وهجوم وتشويه واغتيال معنوي.
المبرر جاهز دوما أن مصر في حالة حرب تستدعي الاحتشاد والصمت والتأييد لكل ما يصدر عن السلطة حتى لو كان معاكسا للاتجاه الصحيح، فزاعات سوريا والعراق لا تتوقف، وكل ما يحدث من انتهاكات ومخالفات للدستور وخروج عن القانون هدفه حماية عقد الدولة من الانفراط، ولأن هذا الهدف الأسمى فلا بد من الصمت أو التأييد والمباركة بلا عقل !
هذا ملخص الحياة السياسية في مصر على مدار أكثر من عامين، ندور في حلقة مفرغة من الكبر والإصرار على التعامل مع الناس على أنهم حمقى لا يفهمون ما يحدث حولهم، يعصف اليأس بالشباب ويعزفون عن المشاركة السياسية بعد فقدانهم الثقة في العملية السياسية فيتم توبيخهم والتشكيك في وطنيتهم بدلا من البحث عن أسباب عزوفهم ومقاطعتهم.
لا يعرف أحد ما هى الرؤية التى نسير بها ولا ندرى إلى أين نحن ذاهبون ؟ نتورط فى مواقف خارجية حادة لا تتلاءم مع امكانياتنا ولا قدراتنا ونتناسى عواقبها ونعتقد أن غثاء الألة الإعلامية بالداخل يمكن أن يحقق لنا ما نريد ، نحن لا نعرف بلادنا مع من؟ ولا ضد من ؟ نحن لا نعرف هل سيصدقنا العالم بعد ذلك ونحن نكذب على أنفسنا ونريد من الأخرين أن يصدقوا أكاذيبنا ويتعاملون معها كأنها حقائق !
ظلت الألة الإعلامية فى العهد الناصرى تبشر الناس بالرفاء والرخاء وتتحدث عن الانتصارات المذهلة التى نحققها خارجيا وداخليا ثم تفاجئت الجماهير بانكسار موجع جعلها تعتصر قلوبها من شدة الحزن وخيبة الأمل ، هل نفع عبد الناصرمجلس الأمة الذى كان يصفق له إذا قال شيئا ما ثم يصفق له إذا قال نقيضه فى نفس الوقت؟ هل أنقذ هؤلاء مصر مما سارت اليه من تردى وضياع ؟
المنافقون والمطبلون لا ينفعون حاكما ولا يرسخون حكمه بل هم معاول هدم وتآكل ذاتى يهدم المعبد على رؤوس الجميع، ما الفائدة بأن ينضم للمطبلين مجموعة أخرى تجيد التملق والمداهنة ؟ ألا تعلمنا تجارب التاريخ أن أمثال هؤلاء يكونون أول القافزين من المركب حين تعبث بها الأمواج وتشتد عليها الرياح؟
إذا لم تصل رسالة اللجان الانتخابية الفارغة للسلطة وعزوف كتل شعبية كبرى عن المشاركة فلا أمل فى تعديل مسار ولامراجعة أخطاء، لا تجعلوا من أفراح الانتصار الوهمى فى معركة بلا منافسين حقيقيين خمرا يثمل عقولكم ، أنتم تعرفون الحقيقة قبل غيركم وتدركون فى قرارة أنفسكم مدى الأزمة التى سيخلقها وجود برلمان هؤلاء هم نجومه ورموزه – إلاما ندر من أصحاب العقول والضمائر.
لا يتفلسف أحد علينا ويزايد قائلا: هذه اختيارات المصريين ، المصريون لم يشاركوا حتى نحكم على اختياراتهم ونلصق بهم هذا السوء، والفيصل بيننا هو الطوابير الانتخابية الحقيقية التى شهدتها شوارع مصر فى نهاية 2011 وما أعقبها من استحقاقات كان الشعب يقبل عليها وهو يحمل فى قلبه أمالا وأحلاما لوطنه عقب ثورة يناير التى أعادت شعور الملكية والانتماء للوطن.
قولوا لنا كما تعودتم (بكم أوبدونكم تم الأمر وعليكم الامتثال للواقع) ونقول لكم هذا دربكم الذى اخترتموه بكامل اراداتكم، وهذا قطاركم الذى ركبتوه وسيكمل بكم السير الى حيث عواقب ما تفعلون، لكم عالمكم ولنا عالمنا، لكم رغباتكم ولنا أحلامنا ، لكم أغلبيتكم الوهمية ولنا أفكارنا ومبادئنا التى لا نساوم عليها، نحن غير مضطرون للنزول فى مستنقع ترونه أنتم واحة وبستانا ، هذه مرحلتكم وليس مرحلتنا فتكبروا وعاندوا واستخفوا وتخيلوا ما تريدون من أوهام السيطرة والتمكين ، ونلتقى بعد الفاصل!