نشرت الدورية الأمريكية "فورين أفيرز" تقريرا حول الطموحات
النووية المصرية وتوقيتها، أعده كل من الباحث في معهد دول الخليج العربي في واشنطن سيغورد نيبور، والزميل الباحث في معهد دراسات الأمن القومي في إسرائيل يوئيل غوزانسكي.
ويقول الكاتبان إن مصر أعلنت بعد أقل من ستة أشهر من توصل
إيران مع مجموعة الخمسة +واحد إلى اتفاق تاريخي حول المشروع النووي، أن الرئيس المصري عبد الفتاح
السيسي وقع اتفاقين مع
روسيا لتمويل وبناء مفاعلين للطاقة النووية. وبناء على هذا الاتفاق، سيقوم البلدان ببناء وتشغيل أربعة مفاعلات بقدرة 1200 ميغاواط في شمال غرب مدينة الدبة الواقعة على ساحل البحر المتوسط.
ويضيف الكاتبان أن الإعلان جاء بعد أيام فقط من إسقاط تركيا الطائرة الروسية؛ لاختراقها المجال الجوي التركي. وعليه فإن تداعيات الأزمة الروسية التركية قد تكون في صالح القاهرة، وقد تعزز من موقفها، الذي تحاول فيه التأثير على الأحداث وتشكيلها، وأن تبرز كونها لاعبا مهما في المنطقة التي تتغير فيها التحالفات.
ويشير التقرير إلى أن موسكو والرياض، تحاول كل واحدة منهما الحصول على دعم القاهرة في سوريا، وتحاول كل دولة الاستفادة من موقف السيسي المعادي للإسلام السياسي، وتعزيز أجندتها الإقليمية.
وتقول المجلة إنه "من خلال تعميق العلاقات مع مصر، خاصة بعد إسقاط الطائرة الروسية فوق سيناء، تحاول موسكو تقوية نفوذها الإقليمي. وفي الوقت ذاته شجبت السعودية التدخل العسكري الروسي في سوريا، ورأت فيه محاولة لحماية نظام بشار الأسد، وهو الحليف القوي لإيران المنافس الرئيس للسعودية".
ويجد الكاتبان أن "السيسي استخدم أزمات المنطقة المتعددة من أجل استعادة الدور الإقليمي لمصر، الذي خسرته بسقوط نظام حسني مبارك عام 2011. وفي محور محاولته تطوير مفاعل نووي للأغراض المدنية. فعلى المستوى المحلي قد تساعد الطاقة النووية في التخفيف من أزمة نقص الطاقة الكهربائية المستمرة. ويمكن أن تساعد المفاعلات النووية في توفير الطاقة لعمليات تحلية المياه، التي توفر الكم الأكبر من مياه الشرب لمصر، التي تعتمد على المولدات التي تستخدم النفط المكلف من الناحية المالية".
ويعتقد الكاتبان أن "وراء توفير الطاقة الكهربائية حسابات سياسية أيضا، فالانضمام للنادي النووي يمنح مصر موقعا متميزا، ويعزز من شعبية الحكومة، وبعبارات أخرى، يمكن للسيسي استخدام المشروع لبناء دعم شعبي له، ووقف الفوضى المستمرة والمشكلات الاقتصادية، واستعادة القيادة في العالم العربي. وسيساعد المفاعل النووي المصري القاهرة على إعادة تعريف علاقاتها مع روسيا والسعودية والإمارات العربية المتحدة، والتفاوض للحصول على شروط تمويل محبذة من الرياض وأبو ظبي، من خلال التحالف عن قرب مع خصمهما السياسي موسكو".
ويلفت التقرير إلى أن "مصر هي أكبر الدول من الناحية السكانية، وينظر إليها بشكل واسع على أنها المركز السياسي والعسكري والثقافي للعالم العربي، وحتى دون التعبير عنها بشكل علني، فإن هناك توقعات من دول الخليج بأن تقوم مصر، مقابل الدعم المالي، باستخدام موقعها ومصادرها العسكرية والسياسية لتحقيق مصالح هذه الدول".
وتحذر المجلة من أن "مصر تلعب لعبة خطيرة، إن كانت تظن أنها قادرة على التلاعب بقوى المنطقة. ويخشى نقاد الاتفاق النووي مع إيران، أن يؤدي إلى سباق للتسلح النووي بين السعودية وإيران، وأن يساعد الاتفاق النووي الروسي المصري القاهرة في النهاية على بناء برنامج نووي للأغراض العسكرية، رغم التزامها بمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية".
ويعلق الكاتبان هنا على رد المؤسسة الإسرائيلية على هذه التطورات بالقول إن "المسؤولين الإسرائيليين البارزين، ومن بينهم وزير الدفاع موشيه يعلون، يقولون إن الدول التي ترى في الاتفاق النووي تهديدا، مثل مصر، ترغب في أن تلحق بها، ما سيفتح المجال أمام سباق نووي في الشرق الأوسط. وفي حال قررت مصر بناء مفاعل نووي فلن تبدأ من الصفر. فإن محاولات بناء مشروع نووي في السابق خلفت وراءها أبحاثا لمفاعلين نوويين، وفريقا بحثيا وهندسيا مجربا، وعددا من الجامعات القادرة على تدريب جيل جديد من الباحثين النوويين".
ويضيف الباحثان أنه "سيكون من الصعب على العالم مواجهة نتيجة كهذه؛ لأن الاتفاق النووي مع إيران يشير إلى أن المشاريع النووية في الشرق الأوسط مسموح بها. وبالتأكيد فإن مشروعا نوويا مصريا عسكريا سيتبع. ولا يزال اتجاه المشروع النووي المصري غير واضح، رغم وجود عدد قليل من الاحتمالات".
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن مصر قد تتبع النموذج الذي بدأته وطورته الإمارات العربية المتحدة عام 2009، التي وافقت على عدم القيام بنشاطات كاملة لتخصيب الوقود، والاعتماد على السوق الدولي لتوفيره داخل حدوده، وهو ما يمنعها من تخصيب مواد نووية للأغراض العسكرية. مشيرا إلى أن هذه السياسة بالإضافة إلى كونها تنبني على الالتزام بنظام تفتيش دقيق من الوكالة الدولية للطاقة النووية، وشفافية من الإمارات، فإنها تخدم بكونها نموذجا لسياسة الحد من انتشار السلاح النووي، بحسب ما تقول وزارة الخارجية الأمريكية.
وتذكر المجلة أن الإمارات التزمت بشروط وقوانين برنامجها النووي للأغراض السلمية كونه بديلا واضحا عن النموذج الإيراني. وعبرت أبوظبي عن تحفظها من امتناع إيران وقف تخصيب اليورانيوم. وفي تشرين الأول/ أكتوبر، قال سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة للجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأمريكي إن أبو ظبي لا تشعر بأنها ملتزمة باتفاقياتها السابقة مع الولايات المتحدة. وتعد تصريحات السفير تغيرا في السياسة.
ويرى الكاتبان أن "اعتماد مصر على روسيا هو محاولة لموضعة نفسها بطريقة تواجه فيها الضغوط الأمريكية، من أجل الحفاظ على منطقة خالية من السلاح النووي في الشرق الأوسط. ونظرا لأن الرئيس فلاديمير بوتين أظهر ميلا للوقوف أمام الهيمنة الأمريكية العالمية، فإنه يمكن أن تسمح موسكو للقاهرة بأن تخصب اليورانيوم بنفسها في المستقبل البعيد. وتحتاج مصر إلى عشرة أعوام كي تطور برنامجا نوويا عسكريا. وقد تلتزم مصر خلال الخمسة أعوام بشروط معاهدة الحد من انتشار السلاح النووي. وتحت غطاء الالتزام بالمعاهدة، فقد تقوم القاهرة بالعمل مع روسيا لبناء مفاعل نووي عسكري بسهولة".
وتتساءل المجلة: فماذا سيكون رد واشنطن؟ يقول الكاتبان إنها "ستقوم من خلال شراكتها المستمرة مع المؤسسة العسكرية المصرية بممارسة ضغط كبير على مصر؛ كي تلتزم بشروط معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، ما يعني أن مصر لن تقوم بتخصيب اليورانيوم، ولن تكون جزءا في إدارة النفايات النووية، بعد نهاية استخدام الوقود للأغراض النووية. ولكن السيسي يتعامل مع الولايات المتحدة كونها حليفا غير موثوق؛ بسبب دعم الولايات المتحدة في البداية للإخوان المسلمين. ومن هنا فإن التوتر في علاقات القاهرة مع واشنطن يجعل السيسي مهتما بالبحث عن شركاء آخرين مثل روسيا. وربما أكثر ميولا لتحويل البرنامج النووي لأغراض سلمية لبرنامج عسكري".
ويخلص الباحثان إلى القول: "أيا كانت النتيجة، فإن مشروعا نوويا مصريا قد يزيد من جرأة السيسي في المنطقة. فالاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5+1 وضع معايير جديدة للمنطقة. وعليه، فإنه ليس من المستبعد أن تدفع السابقة الإيرانية دول الشرق الأوسط إلى المطالبة ب(الحقوق) ذاتها، التي حصلت عليها طهران فيما يتعلق بالقدرة على تخصيب اليورانيوم. وفي حالة التزمت إيران بشروط الاتفاق، فإن الطاقة والأمن والتميز الوطني ستظل من الدوافع القوية لاستمرار مصر في تطوير برنامجها النووي. وعلى المدى البعيد، فإنه من المحتمل أن يستخدم السيسي المشروع النووي لتحقيق أغراض واسعة، بما في ذلك وضع ضغوط على الولايات المتحدة. وسواء قاد البرنامج النووي إلى ترسانة عسكرية أم لا، فإن مصر تبحث عن طرق لتعزيز قوتها في منطقة تعاني من الفوضى مع مرور كل عام".