نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، تقريرا حول صعود
اليمين المتطرف في
فرنسا، قال فيه إن فوز حزب
الجبهة الوطنية في
الانتخابات المحلية الأخيرة؛ يعني تغييرا جذريا في
المشهد السياسي الفرنسي، مضيفا أن "هذا الحزب قد يكون كسب معركته الثقافية والأيديولوجية".
وبيّن الموقع في تقريره الذي ترجمته "
عربي21"، أنه "مع ظهور أولى نتائج الانتخابات المحلية الفرنسية؛ بدا واضحا أن الخطاب المعادي للوحدة الأوروبية والمهاجرين، قد حقق فوزا في ست مقاطعات فرنسية من أصل 13.
وأشار إلى أن الحزب الاشتراكي سارع إلى الاستجابة لهذه النتائج، عبر إعلان العودة إلى التحالفات التقليدية ضمن "
الجبهة الجمهورية"، التي تعني تحالف اليمين واليسار، "لوقف زحف اليمين المتطرف الذي يُعد تهديدا لقيم الجمهورية الفرنسية".
وقد ظهر زعيم الحزب الاشتراكي، جون كريستوف كامبدليس، أمام الكاميرات بخطاب جدي دعا فيه كافة مرشحي حزبه الذين حلوا في المرتبة الثالثة في دوائرهم إلى الانسحاب لمصلحة "الجبهة الجمهورية"، أملا في أن تقوم أحزاب أخرى بنفس المبادرة قبل الجولة الثانية من الانتخابات المقررة ليوم الغد الأحد.
وقال إنه باستثناء التفاعل الإيجابي الذي صدر عن حزب اتحاد الديمقراطيين المستقل، والحركة الديمقراطية، اللذين رحبا بالمبادرة؛ فإن فكرة "جبهة جمهورية" يقودها الحزب الاشتراكي خفت بريقها بسرعة، بعد أن رفض رئيس الحزب الجمهوري نيكولا ساركوزي التحالف، سواء مع الحزب الاشتراكي، أو مع الجبهة الوطنية التي تقودها مارين لوبان.
وفي هذا السياق؛ نقل التقرير عن تيري سولير، النائبة عن الحزب الجمهوري عن مقاطعة السان العليا، قولها إن "تكوين تحالف من هذا النوع؛ سيؤدي لنتائج عكسية، منها؛ مزيد زحف الجبهة الوطنية على الصناديق؛ لأنه سيظهر كما لو أنه محاولة للتحايل على إرادة الناخبين، وتغيير مجرى الانتخابات. كما أن البقاء في المنافسة والحصول على نسبة 10 في المئة؛ قد يمكن من ضمان التواجد في المجالس المحلية، وهو أمر ضروري لأحزاب المعارضة".
وذهب التقرير إلى أن "الجميع في فرنسا بدأوا يشعرون بتشكل مشهد سياسي جديد؛ يضم أساسا الاشتراكيين والجمهوريين والجبهة الوطنية"، لافتا إلى أنه "رغم التحفظ الإعلامي وتشكيك البعض؛ فإن الوقائع تشير إلى نهاية النظام
ثنائي القطبية، الذي لطالما تناوب فيه حزبان فقط على السلطة، اليسار الديمقراطي الذي يمثله الحزب الاشتراكي، واليمين الليبرالي الذي يمثله الحزب الجمهوري".
ونقل عن الباحث الفرنسي هيرفي لوبرا، الذي أصدر مؤخرا كتابا حول الجبهة الوطنية، قوله إن "فوز اليمين المتطرف في الانتخابات الفرنسية؛ يعني تغيرا في موازين القوى في البلاد، وانتقالا إلى نظام ثلاثي الأقطاب لم يشهده الفرنسيون في السنوات الأخيرة. وهذا سيخلط الأوراق في كل الانتخابات المقبلة، ويؤثر على توزيع الأصوات في الجولات الانتخابية. كما أن النظام السياسي الفرنسي كان يعمل بسلاسة في ظل المنافسة الثنائية، ولكن الأمور ستتعقد مع دخول منافس ثالث".
ونقل أيضا عن المحللة السياسية ماري آن كرافت قولها إنه "إذا لم يتم إدخال تحويرات على النظام الانتخابي قبل سنة 2017، فستشهد فرنسا فوز الجبهة الوطنية بالمزيد من الأصوات والمقاعد النيابية والقوة السياسية".
ولاحظ التقرير حدوث تغيير في الخطاب الإعلامي المعارض للجبهة الوطنية في فرنسا، "فقد كان هذا الحزب في السابق يتهم بالعنصرية ومعاداة السامية، ولكن بعد الجولة الأولى من الانتخابات، بدأ الصحفيون والمحللون والمثقفون يركزون على انتقاد نموذجه الاقتصادي، واصفين إياه بأنه متخلف وغير واقعي. ومن بين أكثر الأفكار تعرضا للانتقاد؛ فكرة مغادرة منطقة اليورو، وزيادة الضرائب المفروضة على الشركات، وخفض الإنفاق الحكومي".
ونقل التقرير عن هيرفي لوبرا، قوله إن "التصويت لحزب الجبهة الوطنية؛ رهان خاسر للمواطنين الفرنسيين، لأن برنامجه الاقتصادي خطير جدا على البلاد، وكل خبراء الاقتصاد يجمعون على ذلك، فمخططاته الاقتصادية تعود لحقبة الستينيات، وحتى في ذلك الوقت كانت لتعتبر مخططات سيئة. وهو يعتمد شعارات سياسية غير واقعية، ومتناقضة في بعض الأحيان".
ولكن؛ حذر التقرير من أن "محاربة الجبهة الوطنية على المستوى الاقصادي فقط، قد تجعل الرأي العام يعتقد بأن المواقف المتطرفة التي يتبناها الحزب ضد الأقليات في المجتمع، وشعاراته العنصرية، واتهاماته التحريضية ضد الإسلام؛ أصبحت مقبولة الآن".
وأشار إلى واحد من "القلة التي لا تتوانى عن التصدي للسياسة العنصرية لليمين المتطرف"، وهو برتران ديلانوي، عمدة مدينة باريس السابق، المنتمي للحزب الاشتراكي، والذي وصف حزب الجبهة الوطنية في حوار إذاعي بأنه "حزب شمولي واستبدادي".
وفي الختام؛ تساءل التقرير عما إذا كان اكتفاء الكثيرين بانتقاد البرنامج الاقتصادي لليمين المتطرف، يعني أن هذا التيار قد كسب معركته الأيديولوجية والثقافية، وبالتالي فإنه مهما تكن نتائج انتخابات يوم الغد (الأحد) فإن هذا التيار يكون قد حقق أهم أهدافه.