1-
مر أكثر من أسبوعين على حبس
إسماعيل الإسكندراني..
من هو إسماعيل الإسكندراني؟
عفوا، نسيت أننا نملك ذاكرة السمك، نملأ الدنيا هاشتاجات #الحرية_لفلان، تمتلئ مواقع التواصل الاجتماعي بصوره ومقولاته ومقالاته، نغزل قصائد المديح لمحسانه والهجاء لنظام أصبح الحبس عنده هدفا وليس وسيلة، ويوم وراء الآخر يفتر الاهتمام، وتتناقص الصور، وينزل الهاشتاج من قائمة التريند، وننشغل/ يشغلونا بأشياء أخرى.
إسماعيل الإسكندراني هو كاتب وباحث اعتقلته قوات الأمن في مطار الغردقة أثناء عودته من ألمانيا لزيارة أمه المريضة، ثم وجهت له سلطات التحقيق آخر تهمة يمكن أن تخطر على بال أي متابع لكتابات إسماعيل الصحفية والبحثية، اتهمته بالانتماء لجماعة الإخوان المسلمين وأصدرت قرارها بحبسه على ذمة القضية.
وبعد عدد من الكتابات الرافضة والبيانات المنددة والتصريحات المطالبة بإخلاء سبيله هدأ الأمر تماما وتحول إلى رقم في قائمة طويلة من ضحايا الرأي في بلد لم يعد يعترف إلا بالرأي الأوحد والتأييد غير المشروط، ولا يعود الاهتمام إلا على استحياء في الأيام التي يُعرض فيها على القضاء لنظر تجديد حبسه. سيء أن يكون غاية ما يمكننا فعله للسجناء هو الحديث عنهم، الأسوأ ألا نتحدث عنهم.
2-
كانت الدولة ذكية حين أجلت الإعلان عن تهمة إسماعيل لأنها تعرف أن نفسنا قصير واهتمامنا لا يطول، ساعات طويلة قضتها في التأكيد على أنه ليس متهما بشيء أصلا، وأن توقيفه إجراء روتيني سينتهي سريعا، اقتنع كثيرون بهذه الرواية، تركوا مساحة للحلول الودية والاتصالات الشخصية، تناقصت أخبار القبض عليه حتى اختفت بعدما أكد كثيرون أنه خارج في غضون ساعات، وبعد أن انتهى اليوم وخلد الناس إلى النوم بدأت إجراءات نقله لمقر أمن الدولة بالغردقة، وفي صباح اليوم التالي إلى نيابة أمن الدولة بالقاهرة، انتشرت الأخبار بكثافة لكن الشغف كان قد أكله ملل الانتظار، ولم يعد خروجه من نيابة أمن الدولة سهلا كما كان خروجه من المطار، الجميع عرف أن الأمر انتهى وأن هناك قضية وأن إسماعيل سيُسجن، لذلك فقد الكلام كثيرا من معناه.
كانت الدولة ذكية في اختيار تهمة إسماعيل، الانتماء لجماعة الإخوان، هي تهمة كافية لتقليل حجم التضامن مع أي معتقل، نعم ضحكنا على هشاشة التهمة وتفاهتها لأننا نعرف إسماعيل ونتابع كتاباته ومواقفه، لكن من يسمعون اسمه لأول مرة يكفيهم معرفة التهمة الموجهة إليه لمطالبة السلطة بمزيد من الحزم معه، ومن يقف أمامهم لتحديد مصيره يعطون أحكام الحبس بميكانيكية بمجرد قراءتهم كلمة "إخوان" في أوراق القضية، ومن يعانون "فوبيا الإخوان" في المعسكر المدني لا يستبعدون انتماء آبائهم للجماعة، لذلك تلقيت اتصالات جادة من بعضهم يسألونني باهتمام: "هو إسماعيل الإسكندراني إخوان بجد؟".
ما زلنا نخسر الجولة تلو الجولة لأننا نظن خصومنا أغبياء، وما زالوا يكسبون الجولات تباعا لأنهم يعملون لذكائنا ألف حساب.
3-
تكتب ميرال أحمد ماهر بخط طفولي "وحشتني يا بابا"، يحتفل خالد علاء عبد الفتاح عيد ميلاده في غياب والده للمرة الثالثة، يرى محفوظ الطويل دموع ابنته وهي تبكي بحرقة بين ضابطين وهو عاجز عن مساعدتها، والآن تتمنى والدة إسماعيل الإسكندراني المريضة لو لم يعد إلى
مصر لزيارتها.
ظلمات بعضها فوق بعض، ومظالم كلما انتظرنا نقصانها زادت.
إسماعيل ليس الأول في القوائم المنسية، ولن يكون الأخير، تسبقه عشرات الأسماء الشهيرة، وآلاف الأسماء المجهولة، وسينضم إليهم آخرون، وفي الخلفية قرارات حكومية بإنشاء سجون جديدة لاستيعاب زيادة الطلب على الظلم.
التضامن الانتقائي يقتل القضية، يتعاطف كل منا مع من ينتمي لمعسكره فقط ولا يهتم بأمر الباقين، يفرح فريق بأن الفريق الآخر يدفع ثمن المشاركة في إسقاطه، فيشمت الفريق الآخر فيما يحدث في الفريق الأول لأنه حكم فأقصى، تنقسم القضية الرئيسية إلى عشرات القضايا الفرعية، ويتوه صوت المطالبة بتحرير سجناء الرأي والحرية وسط ضجيج الحديث عن الماضي.
لا تحوّل إسماعيل الإسكندراني إلى رقم، لا تحوّل أي معتقل إلى رقم، كل حالة ظلم هي دراما مستقلة بذاتها، شخص يعاني وأسرة تنتظر ووجوه لا تبتسم وأيام متشابهات، هم يراهنون على يأسك ومللك وقصر نفسك فلا تجعلهم يكسبون الرهان، تذكّر واكتُب وطالِب، فذلك أضعف الإيمان.