كتاب عربي 21

عن القرار الدولي 2254 بشأن سوريا

1300x600
صوّت مجلس الأمن في 18 كانون الأول/ ديسمبر 2015 على القرار رقم 2254 بشأن سوريا، والذي يُقال إنّه المدخل إلى حل الأزمة السورية، لكنّ نظرةً دقيقةً إلى القرار تعطي انطباعاً معاكساً، فهو في أحسن الأحوال فرض لأجندات تناسب مقاس بعض اللاعبين الدوليين، وفي أسوأها وأد للثورة السورية.

والحقيقة أنّ القرار المذكور يمهّد الطريق لدمج حالتين من أسوأ ما آلت إليه الثورات في المنطقة، أي الحالة المصريّة بما تحمله من معاني الانقلاب الحقيقي على إرادة الناس ومن ثمّ التشريع لها بإجراءات شكلية تتضمن الحديث عن انتخابات وبرلمان جديد ودستور، مضافا إليها الحالة اليمنيّة بما تمثّله من تغيير لرأس النظام فقط دون تغيير لجوهره، وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى الحرب الحالية نتيجة نفوذ الرئيس السابق في مؤسسات الدولة والجيش والأجهزة الأمنية وعلاقاته مع المليشيات التابعة لإيران.

قرار مجلس الأمن حول سوريا يحمل معه تناقضات تشكّل قنبلة موقوته تكمن في خمس نقاط أساسية هي:

أولا: التناقض الكامن في جمع القرار بين بيان جنيف-1 وبياني فيينا، وهي بيانات متباينة ومتناقضة في جوهرها إزاء قضايا مصيرية في ما يتعلق بظروف الانتقال السياسي وشكله والعدالة الانتقالية، ومن الواضح أنّ الهدف من هذا الجمع إبقاء مسارات إرضاء بعض الأطراف لاسيما روسيا وإيران مفتوحة.

ثانيا: تجاهل القرار كما البيات والجهود الدبلوماسية السابقة حقيقة وضرورة دعوة الأسد إلى مغادرة السلطة، لا بل ضرورة فتح ملف لمحاسبته على الجرائم المرتكبة بحق الإنسانية في سوريا، وبدلا من كل ذلك، من الواضح أنّ هدف التجاهل هو الحفاظ على بقاء الأجهزة والمليشيات التابعة للأسد -في ما تبقى من نظامه- قائمة حتى يتم الاستفادة منها لاحقا، أو كما يعتقدون.

ثالثا: فرض وقف لإطلاق النار في ظل الغياب الصريح والواضح للتفاصيل السياسيّة التي ستتمخض عن مسار المرحلة الانتقالية، موجّه بالدرجة الأولى ضد المعارضة والثورة السورية، خاصّة أنّه يساوي بين اعتداء المعتدي وبين رد المعتدى عليه غير المتكافئ أصلا منذ بداية الثورة السورية وحتى اليوم.

كما أنّ فرض وقف لإطلاق النار في ظل وجود قوات روسية وقوات إيرانية ومليشيات شيعية تابعة للحرس الثوري يكرس احتلال هؤلاء لسوريا ويسلب من الشعب السوري الحق في مقاومتهم وعدوانهم بحجة وجود وقف لإطلاق النار، ناهيك عن حقيقة أنّه إذا تم فرضه بالقوة فهي سيعني دخول المعارضة في نفق مجهول في ما يتعلق بالعملية السياسية.

رابعا: من الواضح أنّ هناك محاولة أيضا من خلال نص القرار لحماية المجرمين المنتسبين لأقليات طائفية أو قوميّة تحت ذريعة عدم التمييز، وإلا كيف يمكن فهم التشديد على مثل هذه النقطة في حين تلقى في الأكثرية مجازر يومية دون أن يكون هناك أحد يتحدث عن ضمانات تقدم لها أو محاسبات تجرى لمن قاموا ويقومون بارتكاب هذه المجازر بحقهم.

خامسا: أما موضوع صياغة دستور جديد وإجراء انتخابات جديدة، فهذه النقطة وحدها تحتاج إلى مقالات لرصد ظروفها وإجراءاتها وإلى ماذا ستفضي في حال تمّت من دون أخذ المعايير المطلوبة لتحقيق مطالب وآمال الشعب السوري المشروعة في إطار ثورته التي أطلقها عام 2011 بعين الاعتبار.

يبقى أن نشير إلى أنّ الإطار النظري شيء والتطبيق شيء آخر، والتطورات على الأرض لا تخضع بشكل كامل للحسابات الخارجية وإن كانت تتأثر بها إلى حد كبير جدا، لكن من الممكن أن تخرج الأمور عن السيطرة، كما من الممكن أن تشهد الصراعات على الأرض تصعيدا جديدا لفرض الأجندات السياسية التي يتضمنها هذا القرار أو الأجندات التي تعارضه.