عادة ما تعبر المنظمات أيا كانت وجهتها عن مصالح أعضائها، بغض النظر عن المستوى الذي تمثله تلك المنظمات، ولكن "
الأوابك" التي تضم الأقطار
العربية المصدرة للنفط، تمثل حالة فريدة من هذه الناحية، حيث يعبر الواقع عن تضارب المصالح بين أعضائها، ومن جانب آخر، فإنه لا وجود لهذه المنظمة من حيث تأثيرها على أداء سوق
النفط.
ومؤخرا شهدت القاهرة الاجتماع السنوي للمنظمة، على المستوي الوزاري، وصدر بيان صحفي عن الاجتماع، عرج على قضايا تنظيمية إجرائية تخص المنظمة، وكذلك قضايا البيئة التي تناولها مؤتمر المناخ الذي عقد بباريس خلال الأيام الماضية، واعتماد المراجع القانوني لحسابات المنظمة، ثم حدد ميعاد المؤتمر السنوي القادم، في كانون الأول/ ديسمبر 2016 بالقاهرة.
لم يشعر أحد بوجود الاجتماع الوزاري لمنظمة "أوابك"، الذي انعقد بالقاهرة الأحد الماضي 20 كانون الأول/ ديسمبر الحالي، فالأسواق العالمية للنفط لم تترقب ما ستسفر عنه نتائج الاجتماع، وبالفعل، فما صدر بالبيان الختامي عن الاجتماع، لم يشر إلى السياسات النفطية للدول الأعضاء، أو الحصص الواجب الالتزام بها، سواء في إطار المنظمة أم في ضوء الاحتياجات الاقتصادية للدول الأعضاء، أم حتى التدابير التي ستتخذها الدول الأعضاء على حدة أو بشكل جماعي أمام تداعيات أزمة انهيار أسعار النفط، التي لا يعلم لها نهاية في ظل الظروف الدولية والإقليمية.
ولم يتم الحديث عن مقتضيات تعاون دول المنظمة فيما بينهم، بشأن ما يواجهونه من تداعيات سلبية بسبب أزمة أسعار النفط، وغيرها من المشكلات الاقتصادية، حيث تضم المنظمة دول العجز والوفرة، على الصعيدين النفطي والمالي.
وتضم منظمة "أوابك" أكبر الدول العربية المنتجة والمصدرة للنفط والغاز في المنطقة العربية، وما إذا كان هناك تحول في وضع بعض أعضائها من دول مصدرة للنفط إلى دول مستوردة له، مثل مصر وتونس وسوريا.
وبحسب بيانات التقرير السنوي للمنظمة لعام 2015، فإن المنظمة تطورت حصتها من الصادرات النفطية في عام 2014 إلى 16 مليون برميل يوميًا، مقارنة بنحو 14.9 مليون برميل يوميا، في عام 2010.
وتعد هذه الفترة من أخصب فترات الصادرات النفطية العربية، حيث بلغت أسعار النفط ذروتها، حتى منتصف عام 2014. وتمتلك الدول الأعضاء بالمنظمة نسبة 54.4% من الاحتياطيات المؤكدة من النفط بالعالم. كما أنها تطورت صادرات تلك الدول من مشتقات النفط من 3.3 مليون برميل يوميًا في 2010 إلى 3.8 مليون برميل يوميًا في 2014.
وعلى العكس، كان نصيب المنظمة من صادرات الغاز الطبيعي، حيث يبين التقرير نفسه أن حصة المنظمة في عام 2014 وصلت إلى 190.2 مليار متر مكعب، بعد أن كانت 210.3 مليار، أي إن قيمة التراجع بين عامي المقارنة تصل إلى 20.1 مليار متر مكعب، وبنسبة تبلغ 9.5%.
ويعود هذا التراجع لتناقص حصة الصادرات لبعض دول المنظمة، وعلى رأسها مصر التي تراجعت حصة صادراتها من الغاز الطبيعي في 2014 إلى 0.7% مليار متر مكعب، بعد أن كانت 15.3 مليار متر مكعب في 2010، وذلك بعدما تصاعدت أزمة الطاقة في مصر على مدار السنوات الخمس الماضية.
وتصل حصة دول المنظمة من الاحتياطيات المؤكدة من الغاز الطبيعي إلى 26.8% في عام 2014، بعد أن كانت 27.6% في عام 2010.
ولم يكن أداء منظمة "أوابك" على خلاف باقي المؤسسات العربية، المعنية بالعمل العربي المشترك، حيث إنها لا تساهم هذه المؤسسات في تغير حياة المواطن العربي، ولا تؤدي إلى تطوير واقع الاقتصاديات العربية.
ومعظم الدول العربية النفطية المصدرة للنفط (السعودية، والإمارات، وقطر، والكويت، وليبيا، والجزائر والعراق) أعضاء في منظمة "
أوبك"، ولا يوجد تكتل عربي داخل هذه المنظمة، التي تحولت منذ منتصف السبعينيات إلى منظمة بلا تأثير ملموس، نظرًا للدور الذي مارسته الدول الغربية في تفريغ المنظمة من مهمة الحفاظ على مصالح الدول المصدرة للنفط، سواء من خلال الأدوات الاقتصادية أم السياسية أم حتى العسكرية.
والمفترض أن منظمة "أوابك" التي تضم الأقطار العربية المصدرة للنفط، هي التي تصنع تلك المواقف الموحدة، التي تعكس حالة من التوافق العربي ووحدة المصالح والمصير، فتكون "أوابك" هي صانعة القرار العربي في منظمة "أوبك" التي تضم دولًا أخرى غير عربية في عضويتها.
في الواقع المعيش لمنظمة "أوابك" يطرح تساؤل مهم، عن مهمتها: هل عضوية المنظمة، وظيفية وترتبط بالغرض الذي أنشئت من أجله، وهو المحافظة على مصالح الأقطار العربية المصدرة للنفط؟
وماذا عن الدول التي فقدت هذه الصفة منذ سنوات؟ هل تحتفظ بعضويتها لمجرد أنها تسدد اشتراك عضويتها بالمنظمة؟ أم إن عضوية المنظمة يجب أن تقتصر على من يحمل صفة تصدير النفط، لقد خرجت إندونسيا من عضوية "أوبك"، بعد أن تراجعت صادراتها من النفط، وأصبحت مستوردة له.
وتضم "أوابك" في عضويتها ثلاث دول تعد خارج نطاق الدول المصدرة للنفط حاليا، وهذه الدول هي مصر وتونس وسوريا، وبلا شك بعد تحول هذه الدول إلى مستورد صاف للنفط، أصبحت مصالحها في أن تستمر أسعار النفط عند مستويات منخفضة، فقد استفادت دول (مصر، وتونس، وسوريا) بشكل كبير من انخفاض أسعار النفط منذ تموز/ يوليو 2014، وإلا كانت موازناتها العامة قد عانت بشكل كبير عما هي عليه الآن.
في الوقت نفسه، فإن باقي دول "أوابك" يصيبها انخفاض أسعار النفط بأضرار اقتصادية بالغة، وبخاصة أن كلا من العراق وليبيا تخوضان صراعات داخلية مسلحة، وتكاد تكون مؤسسات الدولة بهما شبه منهارة، وسوف تستمر هاتان الدولتان في إنتاج النفط من أجل الوفاء بالحد الأدنى من متطلبات موظفي المؤسسات العامة، وكذلك بعض الواردات الأساسية.
أما دول الخليج والجزائر، فتعيش مرحلة في غاية الصعوبة، بسبب فشلها في التوصل لحالة من التنوع الاقتصادي على مدار السنوات الماضية. ومع أزمة انهيار أسعار النفط، تعرضت هذه الدول لعجز كبير بالموازنة العامة، والسحب من احتياطيات النقد الأجنبي، وكذلك إصدار السندات المحلية، بل إن البعض أعلن عن عزمه الاقتراض الخارجي.
ومن المتوقع أن يشهد مستقبل "أوابك" كمهمة ووظيفة للحفاظ على مصالح الأقطار العربية المصدرة للنفط، المزيد من الضعف، على الرغم من عدم وجود أي أثر للمنظمة في هذا المضمار على مدار العقود الماضية.
ولكن ضعف دور "أوابك" سيكون مرجعه للتغير الكبير الحادث في سوق النفط، حيث تحول إلى سوق مشترين بالدرجة الأولى، وتحول البائعون إلى متغير تابع في معادلة سوق النفط الدولية، وبخاصة أن الدول المصدر للنفط، تفتقد للتنسيق فيما بينها، والبحث عن مصالح مشتركة، توحد قراراتها في مواجهة لوبي المستهلكين.
ومن المهم ذكر أن حالة الصراع القطري التي تعيشها بعض دول "أوابك" وكذلك حالة عدم الاستقرار العسكري والأمني التي تمر بدول المنطقة، ستضعف موقف دول "أوابك" في أن يكون لها قرار موحد بشأن السياسات النفطية، حيث ستسعى كل دولة لتحديد سياستها النفطية بما يغطي احتياجاتها المالية، وتقليل مشكلاتها الاقتصادية والاجتماعية.
وسيأتي العام القادم ليشهد في نهايته اجتماع وزراء "أوابك" دون أن يحرك ساكنا في سوق النفط الدولية، أو أن يشهد توحدا لموقف عربي مؤثر إقليميا أو دوليا.