من يحكم
الجزائر؟ هناك الكثير من الشكوك حول صحة الرئيس المريض عبد العزيز
بوتفليقة، هذا هو عنوان التقرير في صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، الذي أعدته كارولتا غال.
وجاء في التقرير: "خرجت المعركة على
السلطة في داخل الدائرة المغلقة، التي تحكم الجزائر ولعقود، إلى العلن، وباتهامات حول انقلاب ناعم، في وقت تتزايد فيه الشكوك حول صحة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. فما يكشف عنه يوميا أقلق الجزائريين، وفي الوقت ذاته أثار مخاوف أبعد من هذا البلد في شمال أفريقيا، الذي جعلته الاحتياطات النفطية والاستقرار النسبي حصنا مهما ضد الحركات الجهادية الزاحفة في المنطقة".
وتشير الكاتبة إلى ظروف وحالة الرئيس الجزائري الصحية، قائلة إن "ظروف بوتفليقة (78 عاما) ليست واضحة، فبعد جلطتين دماغيتين في السنوات الأخيرة، أدتا بحتى المقربين منه ومن جماعته، إلى طلب رؤيته للتأكد من أنه لا يزال يصدر الأوامر. ولا يزال الرئيس معزولا لدرجة أن أحدا منهم لم يقابله منذ أكثر من عام".
وتضيف غال أنه "لم يسمح لهم بمقابلات ولو قصيرة، ما أثار الشكوك من قيام زمرة داخل العصبة الحاكمة بقيادة شقيق الرئيس سعيد بوتفليقة بانقلاب ناعم، وتدير البلاد من خلاله باسم الرئيس".
وتورد الصحيفة تصريحات لخضر بورقعة لصحيفة "الوطن" الجزائرية، التي تعد واحدة من الصحف القليلة المسقلة في البلاد، وقال فيها: "لدينا شعور بأن الرئيس مختطف من حاشيته المباشرة". وكان بورقعة قد طلب مقابلة الرئيس، لكن طلبه لم يجب. وأضاف بورقعة، وهو أحد قادة حرب التحرير الجزائرية ضد فرنسا: "ما دفعنا لذلك هو الفراغ الكبير على مستوى رئاسة الجمهورية".
ويعلق التقرير بأنه "في هذه الأثناء، وسواء كان الرئيس أو من يقفون حوله هم من يقومون باتخاذ القرارات أم لا، فقد حدثت سلسلة مثيرة من التحركات في تحضير واضح لعملية نقل السلطة: تطهير في جهاز المخابرات، من خلال سجن عدد من الجنرالات، وصدرت سلسلة من القوانين التي ضمنت عقوبات مشددة وجديدة على الصحافيين وغيرهم، ممن يشوشون على (معنويات الشعب)".
وتنقل الكاتبة عن ناشر صحيفة "الوطن" عمر بلهوشات، قوله: "هناك صراع شرس يتعلق بالخلافة". وأضاف بلهوشات، الذي نشر عددا من التقارير حول ما كشف عنه من تحركات الزمرة المقربة من الرئيس: "لا أحد يدري متى سيحدث أي شيء".
وتبين الصحيفة أن من أهم التطورات المدهشة مساءلة مجموعة الـ19 وبشكل علني للقرارات المثيرة للتساؤل، التي اتخذها الرئيس. ومجموعة الـ19هي القيادات السياسية التي طلبت لقاء الرئيس في رسالة خاصة. ومن بين هؤلاء بورقعة وزهرة ظريف بطاطا من قادة حركة التحرير الوطني، والسياسية المشاكسة لويزة حنون، التي سجنت لعدة لسنوات عندما كانت الأحزاب السياسية ممنوعة، وهي الآن الأمين العام لحزب العمال.
ويورد التقرير نقلا عن حنون قولها إنها الآن تشك في إن كان الرئيس قد شاهد رسالتهم. وفي مقابلة مع صحيفة "الوطن"، تضيف حنون: "أنا مقتنعة بذلك؛ لأنه لو قرأها لطلب مقابلة عدد معين من أفراد المجموعة". وتتابع: "عندما تتراجع صحة الشخص بالمرض لا يمكنه التحرك، ويعتمد على الآخرين". واتهمت حنون الزمرة المقربة منه "الأوليغارشيا" والوزراء بالتلاعب بالرئيس لتمرير قرارات تخدم مصالحهم التجارية.
وتلفت غال إلى أن حنون وبورقعة طرحا أسئلة حول عدد من القرارات الأخيرة، التي قالا إنها لا تعبر عن شخصية الرئيس، خاصة سجن جنرالين بارزين في الجيش. وهما ليسا وحدهما في التساؤل، فرئيس الوزراء السابق والمرشح الرئاسي السابق علي بنفيس، قال إن حالة الرئيس الصحية تركت "فراغا في السلطة"، وهو ما سمح لمن حوله بالسيطرة على الوضع. مضيفا أن قوى لا دستورية جردت الرئيس من سلطاته دون الاحتكام للدستور .
وتذكر الصحيفة أن بنفيس قال إن المسؤولين عن تجريد الرئيس من سلطاته هم أشخاص معروفون بتعاملاتهم التجارية المثيرة للشك، وممن يدورون حول الرئيس. وأضاف: "هذه هي القوى التي سيطرت على القوة، وتدير الأمور في مكان الرئيس، ولو لم يكن هناك فراغ في السلطة فلن يحدث هذا".
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن الأحزاب السياسية تحذر من التداعيات السلبية الواسعة لغياب الرئيس. ويقول رئيس حركة مجتمع السلم الجزائرية عبد الرزاق المقري: "هذا يثير قلقي، على البلاد كلها، وعلى الاستقرار"، ويضيف: "إلى جانب المشكلات السياسية، فإن هناك مشكلات اقتصادية أيضا"، منبعها التراجع المستمر في أسعار النفط، الذي وصل إلى أدنى حالاته منذ 11 عاما.
وتنوه الكاتبة إلى أن الجزائر اعتاد على
حكم مجموعة من العسكر، عادة ما يطلق عليها "لوبوفوا" أو "السلطة"، التي تتخذ قرارات خلف الستار، من خلال نظام توافقي بينها. ويرى المعلقون السياسيون أن هذ الإجماع ربما انكسر الآن. فعملية التطهير داخل جهاز الاستخبارات، وعزل مدير المخابرات العامة القوي الجنرال محمد مدين في أيلول/ سبتمبر، كان يشبه الهزة السياسية في الجزائر.
وبحسب الصحيفة، فقد كان مدين يعرف بـ"توفيق"، وقاد المخابرات الجزائرية لخمسة وعشرين عاما، وظل رجل ظل وشخصية مؤثرة لم يظهر في العلن، أو يقابل صحفا وإعلاما، وقاد ما يعرف بـ"الحرب القذرة" ضد الإسلاميين في التسعينيات من القرن الماضي، وتلاعب بالانتخابات، وسيطر على السياسة الجزائرية، من خلال الملفات التي احتفظ بها عن كل شخص تقريبا.
ويورد التقرير أن الأحزاب السياسية تقول إن مدين هو من رتب الانتخابات الرئاسية في نيسان/ إبريل 2014؛ لتأمين ولاية رابعة للرئيس بوتفليقة، رغم قضاء الأخير شهورا في المستشفى، بعد جلطة دماغية عام 2013، ولم يظهر في أي حملة انتخابية، إلا أنه فاز بنسبة 81% من أصوات الناخبين الجزائريين.
وتستدرك غال بأن مدين لم يعد مقربا بعد إعادة انتخاب بوتفليقة، فعلى ما يبدو كان الرئيس أو من حوله عازمين على تعزيز قوتهم. واستطاعت "الشلة الاوليغارشية" المرتبطة بمستشار الرئيس وشقيقه تأمين مواقعهم، وتم في الوقت ذاته عزل وإبعاد مجموعات، مثل مجموعة الـ 19.
وتشير الصحيفة إلى أنه منذ الصيف اتخذت قرارات بسجن الجنرالات أو عزل عدد من الضباط. ففي آب/ أغسطس، تم اعتقال الجنرال عبد القادر أيت عرابي، المعروف بالجنرال حسان، وكان نائبا لمدير المخابرات، ومسؤولا عن جهاز مكافحة الإرهاب، وسجن في تشرين الثاني/ نوفمبر لخمسة أعوام؛ بتهمة تدمير وثائق ومخالفة التعليمات. واحتج محامو الجنرال، وقالوا إن محاكمته لم تكن نزيهة، ولم يكن قادرا على استدعاء رئيسه السابق الجنرال مدين للشهادة.
وبحسب التقرير، فقد خرج مدين لأول مرة للعلن، وعبر في رسالة عن براءة الجنرال حسان، قائلا إنه كان ينفذ أوامره، ويجب الإفراج عنه حالا. ويقول نور الدين بوكروح "لوسوا دي الجيرز" إن
الفساد المستشري وولاية الرئيس الرابعة قسما قيادة الجيش والقيادة السياسية، وخرجت هذا الانقسامات للعلن بطريقة غير مسبوقة.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالقول: "إن الرئيس بوتفليقة ظل طوال الوقت صامتا، ويقوم بالتواصل عبر رسائل متقطعة، وهو ما ترك الجميع يتساءلون: من يقود البلاد فعلا؟".