مع استمرار بل وتصاعد الأزمة الداخلية في قيادة الإخوان، وتداولها إعلاميا باعتبارها شأنا عاما لم يعد يخص الإخوان فقط تعددت وتنوعت
مبادرات المصالحة من داخل الجماعة وحتى من خارجها. لكن معظمها تعثر لوجود قوى ممانعة داخل الجماعة موزعة في أماكن متعددة ترفض تلك المبادرات، وتعتقد أن بإمكانها حسم الأمر لصالحها من خلال إجراءات تنظيمية، تفرض بها ما تعتقد أنه الصواب، وتتسلح بخبرات تاريخية في حسم هكذا مشاكل مرت بها الجماعة من قبل، دون إدراك لتغير الظروف بعد ثورة يناير وما تلاها من انقلاب عسكري ومقاومة له دفع الإخوان وخاصة شبابهم فيها ثمنا كبيرا، وأصبح هذا الشباب مطالبا بقوة بالتغيير والتطوير داخل جماعته جنبا إلى جنب مطالبته بتغيير النظام الحاكم.
لعل أبرز وأحدث المبادرات تلك المنسوبة للعلامة الدكتور
يوسف القرضاوي وهو وإن كان ابنا أصيلا للجماعة وكان مرشحا في وقت من الأوقات لتولي منصب مرشدها العام إلا أنه الآن يعمل بشكل مستقل ويفضل أن يكون ملكا للأمة كلها، وهي مبادرة لاتزال في مراحلها الأولى لجمع البيانات وتقييمها، وتحديد الشخصيات الأخرى التي يمكن أن تعين الشيخ في مهمته، والمرجعيات والمبادئ العامة التي ستقوم عليها، والحال كذلك لم يبق أمامنا مبادرة عملية مكتملة الأركان سوى مبادرة نواب الإخوان، التي خرجت للنور عبر وسائل الإعلام مؤخرا بعد أن تم تقديمها لذوي الشأن قبل 40 يوما من إعلانها، وهي تدعو بالأساس لإجراء انتخابات جديدة في الداخل والخارج تستبعد كل من أمضى في موقعه دورة انتخابية، لكن الرافضين للمبادرة يتذرعون بحجج أمنية ولوجستية تمنع إجراء الانتخابات، وهي حجج قديمة حديثة تنتقل من عصر إلى عصر، ومن
مصر إلى مصر، ومن قيادة إلى قيادة، وتتجاهل التطور التقني الذي يسمح بإجراء أي انتخابات بأمان كامل ودون عناء عبر التصويت الإلكتروني الأمن مثلا.
الميزة الأساسية لمبادرة النواب أنها وضعت وصفة للعلاج بناء على تقييم للمشكلة عبر جلسات استماع استمرت 3 أشهر مع الأطراف المختلفة، وأنها مع ذلك لم تصدر حكما محددا بتخطئة أحد الأطراف لأنها لم تكن تستهدف ذلك، بل كانت تستهدف البحث عن مكامن الخلل ووصفات العلاج، وإلى جانب هذه القيمة الكبرى المتمثلة في البحث والتحري فإن المبادرة تستمد قيمتها أيضا من قيمة أصحابها وهم 44 نائبا من نواب الشعب الذين ربما تجاوزت الأصوات التي انتخبتهم تلك التي انتخبت برلمان السيسي مجتمعا، ومع وصفهم نوابا للشعب فهم أيضا منتخبون من الإخوان المسلمين مرتين مرة في اختيارهم داخليا للترشح على المقاعد النيابية من بين شخصيات أخرى في الجماعة ومرة أخرى في التصويت لهم في الانتخابات العامة من بين مرشحين من تيارات وأحزاب أخرى، وهذا يمنحهم شرعية انتخابية مزدوجة، تجعلهم جديرين بالتدخل لحل أزمة جماعتهم، وتدفع قيادة جماعتهم للإصغاء إليهم، لترسل بذلك رسالة إيجابية للمجتمع أن نوابها الذين اختارتهم لنيل ثقته جديرون بتلك الثقة وأنهم قادرون على القيام بدورهم السياسي والاجتماعي، وأن الجماعة تسمع توصياتهم باعتبارهم صوت الشعب والإخوان جزء منه.
وإذا كانت المبادرة تقوم بالأساس على إجراء انتخابات جديدة وشاملة فهذا هو الحل الأمثل لمعضلة المؤسسية والشرعية التي يجري الخلاف حولها وذلك عبر الاحتكام للشعب (الجمعية العمومية للإخوان)، فالشعب عموما مصدر السلطات في الدولة وأفراد الصف الإخواني هم مصدر السلطة بالنسبة التنظيم، ولا سلطة أو لائحة أو شرعية تعلو سلطتهم أو شرعيتهم.
ما يميز النواب الذين طرحوا المبادرة أيضا أنهم ممثلون لعموم القطر المصري ففيهم أبناء القاهرة والدلتا والصعيد والقناة إلخ، وفيهم العامل والفلاح والأستاذ الجامعي، والموظف، وهم بهذا الوصف- إضافة إلى ما سبق- يستحقون بجدارة أن تنقل إليهم مهام مجلس شورى الإخوان لفترة مؤقتة أو العمل سويا حتى يتم انتخاب مجلس شورى جديد.
تستلهم المبادرة روح ثورة يناير وتضحيات الشعب المصري فيها والتي كان للإخوان فيها نصيب الأسد، وتستحضر أرواح الشهداء وأنات المصابين والمعتقلين، وتعتمد المبادرة على عدة ثوابت منها
أ- الإسراع برأب الصدع باعتباره ضرورة قصوى للثورة والحركة.
ب- الحسم وعدم التردد هو واجب الوقت.
ج- التعجيل بتشكيل هيئات شورية لكل المستويات الإدارية.
د- الانتهاء من اعتماد رؤية استراتيجية تتسق مع الثورة وتتماشى مع الصف.
هـ – المؤسسية والشفافية والمحاسبة.
و- تمثيل مناسب للشباب والمرأة في كافة المستويات.
وإضافة إلى استبعاد كل من أمضى في موقعه دورة انتخابية، تدعو المبادرة للوقف الفوري من جميع الأطراف لكافة أشكال التراشق الإعلامي أو التشهير التنظيمي أو استخدام الأدوات التنظيمية أو المادية لتغليب رأي على آخر، وتعديل اللوائح وتحديد المهام والفصل بين الاختصاصات وفك الاشتباك بين الجهات واعتماد معايير العدالة والنزاهة.
من ميزات هذه المبادرة أيضا انفتاحها على شركاء الثورة من غير الإخوان حيث دعت إلى صياغة رؤية استراتيجية واضحة المعالم من خلال أصحاب الرأي والخبرة والاختصاص من أبناء الجماعة ومن شركاء الثورة، يلتزم بها الجميع بعد اعتمادها رسميا.
في تقديري أن مبادرة النواب هي طوق نجاة للجماعة، وهي تخرج من صلبها لا من خارجها، وهي اختبار حقيقي لها في احترامها لصوت الشعب وصوت عموم أفراد الصف الذين يمثلهم هؤلاء النواب، وأتمنى مخلصا أن تتراجع قوى الممانعة -حيثما وجدت - خطوة إلى الخلف وتفتح الباب لقوى المصالحة داخل الجماعة حتى تستعيد الجماعة وحدتها وقوتها، وتتمكن من الحشد الجيد لـ25 يناير، والاستعداد لما بعد سقوط الانقلاب.